مرة اخرى "برامج لنشر الديمقراطية" ، ومرة اخرى اللعب على وتر العرقيات والطائفيات والاقليات . كل هذا في الوقت الذي ينشغل فيه الجميع بالبحث عن سؤال : هل هناك ضربة قريبة لايران؟ اضيف اليه منذ الامس سؤال ثان ، مع مناورات الجولان : هل هناك ضربة قريبة لسوريا وثالث بعد اعلان اعتقال ناشط من حزب الله في جنوبي العراق : هل هناك ضربة ايضا للمقاومة اللبنانية ؟ اسئلة يمكن جمعها في سؤال واحد هل القادم ضربة واحدة ، لجهة واحدة ، ام انها ضربة ذات ثلاثة اتجاهات في ان واحد؟
واذا كانت الاجابة عن كل من الاسئلة الاولى منفردا تبدو بالغة التعقيد ، فان الاجابة عن السؤال الاخير الجامع تبدو اكثر يسرا . ذاك ان المنطق يقول ان توجيه ضربة الى ايران ، تفترض حتما ، عملا يشل اذرعها الاخرى ، او تحالفاتها الاخرى .
وقد يسمح لنا التحليل بالتعدي على العسكريين بالقول انه لا يمكن لك ان تذهب لقتال عدو ورقبتك في يد حليف له ، الا اذا تمكنت من شل هذه اليد . من هنا عملت ايران ومنذ وقت طويل على تركيز تحالفاتها في المنطقة بما يشكل تهديدا للولايات المتحدة (في العراق) وتهديدا لاسرائيل (في جنوب لبنان وسوريا) غير ان الولايات المتحدة واسرائيل عملتا بدورهما على الامساك بكل هؤلاء من اليد التي توجع ، لتشكل حركتهم المعيقة للحركة الاميركية - الاسرائيلية.
ففي العراق بات الشقاق السني - الشيعي الذي نجح الاحتلال في تغذيته كما لم ينجح في الاحتلال العسكري نفسه ، سدا حاجزا لاي موقف موحد بين فئات الشعب ازاء قضية سياسية كقضية العدوان على ايران . وباتت الاحقاد المزروعة في هذا الطرف او ذاك تصل حد اعتبار ايران عدوا مساويا للولايات المتحدة.
اما في لبنان فقد نجحت واشنطن وتل ابيب ووراءهما ما يسمى بمحور الاعتدال العربي ، في تشكيل جبهة معادية لحزب الله ، عداء لا يقتصر فقط على الخلاف السياسي وانما سيكون جاهزا لاكثر المؤامرات حقارة بما فيها العسكرية ، اذا ما طلب منها ذلك.
اما في سوريا فان الوضع الداخلي هو ما يشل يد الحكم ، اكثر مما يشلها الطوق الاقليمي المحكم ، والذي سيستكمل بدقة مع انزال قوات عربية او دولية على الحدود اللبنانية السورية . ذاك عدا عن غزة التي تم عزلها وتطويقها بالكامل.
واذا كانت هذه هي صورة الوضع من الخارج ، فان العمل في الداخل الايراني يتم بالطريقة نفسها عبر ما يسمى "برامج نشر الديمقراطية" وذاك ما رصدت له الادارة مبالغ هائلة ، لكي يتم من خلاله تحريك جميع الحساسيات العرقية من عربية وكردية وبلوشية تركمانية ، وخاصة اذرية ، وجميع الحساسيات الطائفية والدينية فيما يندرج كله ضمن اسطوانة الاقليات التي لم يكف الغرب يرفع صوت موسيقاها كلما اراد الشعب ان يرقص على ايقاع مصالحه.
وحتى عندما ينتقل الرئيس الاميركي الى المساومة مع الرئيس الروسي حول الموضوع ، فان واحدة من اقوى الاوراق في يد الاول هي خوف بوتين من الانتقادات التي تسوقها واشنطن لسياسته الداخلية ، واعتباره انها تهدف الى قلب نظامه.
هي اذن نظرية تقويض ساحة العدو من داخلها ، الناجعة منذ طروادة . وهي اذن الدرس البليغ في تقصير الفكر السياسي والاجتماعي السائد في سد الثغرات التي يمكن ان تنفذ منها رياح الهدم والخراب.

مصادر
الدستور (الأردن)