بين بيروت ودمشق هذه الايام مسافة قصيرة جدا في الجغرافيا وطويلة جدا في السياسة ويبدو المشهد مأساويا وخطيرا على البلدين في وقت واحد ومخالفا للوقائع الاجتماعية والتاريخ وقد يكون شبحا الى مزيد من التفاقم فكل منهما اي لبنان وسوريا متأثرا بالوضع في الشرق الاوسط وهذا الوضع يشهد تحولات هائلة وظهور معادلات جديدة.

اجواء الثقة بين الحكومتين اللبنانية والسورية معدومة والقوى السياسية اللبنانية منقسمة فيما بينها انقساما حادا ازاء الموقف من دمشق والاتهامات لسوريا ببرهان او بغير برهان تتوالى يوميا منذ سنتين ونصف السنة تقريبا ودمشق بدورها تتهم خصوما في لبنان- وأكثرهم كانوا حلفاءها القدماء- بأنهم يريدون تدمير العلاقات مع سوريا وانهم منخرطون في سياسة واشنطن ضدها وهؤلاء الخصوم يردون بان دمشق لا تريد الاعتراف باستقلال لبنان وسيادته ولا تريد الاستقرار في اوضاعه وبالتالي فإن السلسلة من الاتهامات المتبادلة لا تنتهي اذا شئنا سرد الامثلة والقضايا الكثيرة ما يعني بمقارنة تاريخية ان ما نشهده اليوم بين لبنان وسوريا مسبوقا في تاريخ البلدين منذ ايام الانتداب الفرنسي مرورا بمرحلة الاستقلال وبما بعدها اي خلال ما يقرب من تسعة عقود ويستثنى من ذلك بعض المراحل التي شهدت توترات واغلاق حدود وابرزها في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون في الخمسينيات عندما انخرط مع الولايات المتحدة آنذاك في حلف بغداد الشهير.

انه جو مسموم بكل ما للكلمة من معنى ووسط هذا الجو سيكون الامين العامة للجامعة العربية عمرو موسى في دمشق اليوم فهل يستطيع ان يقصر المسافة الطويلة بين البلدين اي هل يستطيع ان يقيم توازنا بين الجغرافيا والسياسة في العلاقات بين لبنان وسوريا؟ تلك هي مهمته الكبرى لانه سيبحث في الازمة اللبنانية مع الرئيس السوري ونائبه ووزير خارجيته فاذا نجح فيها يكون قد ساهم في تهدئة الوضع اللبناني والحؤول دون الانهيار الكامل.

ولا شك في ان من الظلم القاء المسؤولية على عمرو موسى فقط فهو ليس ساحرا او صانع عجائب بل لابد من تحديث في السياسة السورية تجاه لبنان على قاعدة استقلال وسيادة من البلدين ولابد من عقلنة بعض الطروحات اللبنانية ازاء سوريا اذ لا يستطيع احد ان يتنكر للجغرافيا ودورها ويبني سياسات مغامرة بعيدة عن الحسادات الواقعية.

مصادر
الوطن (قطر)