عادت قضية الانسحاب الاسرائيلي من مزارع شبعا تطرح نفسها من جديد. اذ تتوقع اسرائيل ان يعلن تقرير الأمم المتحدة الأخير المتعلق بمدى التقدم في تطبيق القرار 1701 لبنانية مزارع شبعا وفقاً للتقرير الذي رفعته لجنة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وان يطالب اسرائيل سحب جنودها منها والموافقة على وضع المنطقة تحت سيطرة الأمم المتحدة.
من وجهة النظر الدولية تعتبر المطالبة بالانسحاب من مزارع شبعا جزءاً لا يتجزأ من تطبيق القرار 1701 الذي في شق منه تناول مسألة ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان بهدف حل الجدل القائم بين البلدين حول هوية مزارع شبعا، وتالياً السعي الى تحقيق الانسحاب الاسرائيلي من هناك ووضع المنطقة تحت سيطرة الأمم المتحدة. بهذه الطريقة يمكن نزع الذريعة الأساسية التي يتمسك بها "حزب الله" للإحتفاظ بسلاحه الا وهي تحرير مزارع شبعا من الاحتلال الاسرائيلي. وليس خفياً الدعم الأميركي والفرنسي لهذا المسعى الذي اتخذ احياناً شكل ضغوطات مورست على الحكومة الاسرائيلية بصورة مباشرة او عبر مندوبين أوروبيين قاموا باثارة الموضوع مع رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت ومع وزيرة خارجيته تسيبي ليفني بهدف الضغط عليهما لتحقيق ذلك.
وفي الواقع اذا ما صحت التوقعات وأعلنت الأمم المتحدة لبنانية مزارع شبعا وارفقت ذلك بمطالبة اسرائيل بالانسحاب منها، فان ذلك يتوج جهوداً كبيرة بذلتها الحكومة اللبنانية الحالية منذ تشكيلها، وتصاعدت بصورة كبيرة بعد حرب تموز. فمنذ مجيء رئيس الحكومة الحالي فؤاد السنيورة الى الحكم سعى بشتى الوسائل الى اقناع الدول الكبرى المؤثرة في الأمم المتحدة بضرورة حل مشكلة الاحتلال الاسرائيلي لمزارع شبعا بالطرق الديبلوماسية. ويشكل نجاح هذا المسعى دعماً كبيراً لعمل الحكومة الحالية التي تريد ان تؤكد لـ"حزب الله" ان من الممكن حل النزاع مع اسرائيل وتحقيق انسحاب قواتها العسكرية من غير طريق القوة، الأمر الذي يقوي من حجتها بضرورة تخلي الحزب عن سلاحه وحصر واجب الدفاع عن أمن لبنان بالجيش اللبناني.
ولكن الموقف الاسرائيلي من الموضوع يختلف كلياً عن الموقفين الدولي واللبناني. فعلى الارجح سترفض اسرائيل مطالبة الأمم المتحدة بالانسحاب وستشترط لقيامها بذلك انتشار قوات الأمم المتحدة على الحدود السورية – اللبنانية لوقف عمليات تهريب السلاح المستمرة منذ توقف المعارك في آب الماضي من سوريا الى "حزب الله". وفي الواقع ليست اسرائيل اليوم بالذات، وبعد مضي عام على حرب تموز وتداعياتها السلبية على الجيش الاسرائيلي وعلى قدرة اسرائيل على الردع، في وارد التفكير بانسحاب عسكري جديد من اراض محتلة لاقتناعها بأن هذه الخطوة ستفسر كتأكيد للإنتصار الذي حققه "حزب الله" في حرب تموز وليس كانجاز ديبلوماسي لحكومة السنيورة او لمساعي الأمم المتحدة.
في رأي اسرائيل ان كل ما تعانيه اليوم سواء على حدودها الشمالية مع لبنان او في المناطق المحتلة انما هو نتيجة مباشرة للإنسحاب من طرف واحد الذي قامت به من لبنان في ايار من عام 2000 ومن غزة صيف 2005. ففي اعتقاد المسؤولين الأمنيين الاسرائيليين فُسرت الخطوات الاسرائيلية الأحادية كعلامة ضعف وكدليل على خضوع اسرائيل لضربات المقاومة في لبنان وغزة، الأمر الذي ألحق ضرراً بالغاً بقدرة اسرائيل على الردع وحمل "حزب الله" على تحديها عسكرياً الصيف الماضي وأستطاع ان يكبدها خسائر عسكرية ومعنوية لا يستهان بها رغم التفاوت الكبير في القدرات العسكرية بين الطرفين. ناهيك بأن الحكومة الاسرائيلية غير مقتنعة بأن انسحاب جنودها من مزارع شبعا سيحمل "حزب الله" على التخلي عن سلاحه، لا بل هي مقتنعة بأن سلاح الحزب بات يشكل جزءاً لا يتجزأ من منظومة عسكرية قتالية تجمعه في جبهة واحدة مع ايران وسوريا و"حماس" في أي مواجهة عسكرية ضد اسرائيل.
من هنا تعتبر اسرائيل انه من السذاجة بمكان التصديق بأن الانسحاب من مزارع شبعا سيحل مشكلة سلاح "حزب الله". وليست حكومة اولمرت مهتمة كاهتمام ادارة الرئيس بوش او الحكومة الفرنسية بتدعيم حكومة السنيورة بانجاز ديبلوماسي ما تقدمه له في حال انتقلت المزراع الى سيطرة الأمم المتحدة.
من هنا، من الصعب رؤية حل قريب للإحتلال الاسرائيلي للمزارع، وعلى الأرحج ستعمل اسرائيل على الالتفاف على أي مطالبة دولية من هذا النوع وستعمل على عرقلتها.

مصادر
النهار (لبنان)