ظهرت مؤخرا اجواء سلمية حاولت المبادرة العربية إعطاءها أطراً بهدف اطلاقها، إلا ان ثمة مفارقات عديدة بين الجانبين السوري و”الإسرائيلي” توحي عكس ذلك، إذ أن خيارات الحرب بدأت تتجمع ظروفها ومتطلباتها النفسية واللوجستية والعسكرية. فهل الحرب واردة في هذه الظروف؟ أم أن مبادرات السلام يمكن ان تكبح جماحها؟ وما هي المعطيات التي ترجح خيارا على آخر؟

لقد أسس العدوان “الإسرائيلي” على لبنان صيف 2006 معطيات جديدة لكل من سوريا و”إسرائيل” عززت خيارات الحرب على السلم، في ظل مسارات لم يجد قادة البلدين خيارات أخرى غير تطويرها وإنضاجها، وصولا إلى حالة الترتيبات العسكرية المتسارعة التي يجريها الطرفان، حسب تقارير دولية، وكذلك عمليات الرصد المتبادلة، كما ساهمت الوقائع والمعطيات الدولية والإقليمية في تظهير مثل هذا الاحتمال.

وعلى الرغم من أن الخطاب السياسي في “إسرائيل” تحديدا، لم يواكب التحضيرات اللوجستية، ذلك لاعتبارات سياسية متعلقة بالزخم السياسي الهادف إلى تفعيل المسار السلمي في المنطقة، وعدم الرغبة “الإسرائيلية” بالظهور أمام الرأي العام العالمي بمظهر الساعي للحرب، خاصة أن الدول العربية، بما فيها سوريا، أبدت استعدادها للدخول في عملية تفاوضية مع “إسرائيل” من دون شروط مسبقة. إلا أن ذلك دونه عقبات، من الطرفين السوري و”الإسرائيلي” وكذلك البيئتان الدولية والإقليمية؟

إن حالة الضعف التي تعاني منها القيادة السياسية “الإسرائيلية” الحالية تجعلها غير قادرة أو مؤهلة للوفاء بالاستحقاقات التي تتطلبها عملية السلام، بخاصة ما يتعلق منها بالتنازل عن أراض جديدة، ليس بالنظر لأهمية الأرض في الاستراتيجية “الإسرائيلية”، وإنما انطلاقاً من واقع إدراك القيادة والمجتمع “الإسرائيليين”، بأن التنازل عن أراض في ظل حالة الضعف التي يعيشها المجتمع “الإسرائيلي” يعتبر هزيمة موصوفة يصعب تحمل ضغوطها النفسية وآثارها البعيدة المدى، وعليه فإن الاحتفاظ بالارض يشكل دعامة رمزية “للإسرائيليين” مفادها التفوق على العرب مجتمعين، وهي ضرورة بعد تآكل الهيبة “الإسرائيلية” بعد عدوانها على لبنان.

اضافة إلى ذلك، إن الصراع الداخلي الذي تعيشه النخبة السياسية في “إسرائيل” بين مختلف مكوناتها، وهو لا يخص حزبا أو فئة بعينها، بقدر ما هو صراع جيل سياسي وعسكري بكامله بإيديولوجياته وقيمه، في مواجهة وقائع ومتغيرات داخلية وخارجية، باتت تفرض نفسها على “إسرائيل” بقوة، وفي حكم المؤكد كما هو ظاهر أن هذا الجيل من المتوقع ألا يسلم ببساطة، كما أنه لن يخلي الساحة قبل أن يحاول إثبات قدراته.

وفي ظل هذه الظروف اضطرت سوريا إلى رفع سقف خطابها، إذ بات الحديث عن الحرب، الذي طالما استبعدته سوريا من خطابها السياسي في الثلاثين عاما الأخيرة، أمرا عاديا ومألوفا، وما زاد من هذا الاحتمال تواضع الدور الإقليمي لسوريا في السنتين الأخيرتين بعد خروجها من لبنان، ونتيجة المتغيرات التي شهدتها المنطقة، أو لارتفاع حدة ووتيرة صراع الأدوار بين دول المنطقة.

ان سياسة العسكرة التي أدت إلى رفع أهمية عنصر الجيش في كل من “إسرائيل” وسوريا، نتيجة للظروف الأمنية المرتبكة في المنطقة عموما وبين الطرفين على وجه الخصوص، وكذلك التجهيزات اللوجستية، وعمليات التخطيط العسكري في الجانبين، أدت إلى طغيان الشأن العسكري، ورجحانه على البيئات السياسية، إذ بات يحدد شكل السياسات والتوجهات السياسية وطبيعتها، وحتى آفاقها المستقبلية. كما يشكل عنصر البيئة الدولية عاملا اضافيا لرفع حالة التوتر بين الجانبين، ودافعا لنشوب الحرب بينهما، فالظروف الدولية التي يعيشها النظام العالمي، خاصة بين أطرافه الفاعلة والمؤثرة، التي توترت في أكثر من مكان ومجال في العالم إن كان بين بكين وواشنطن حيث الخلافات التجارية المزمنة والصراع على الفضاء المستجد بينهما، أو بين موسكو وواشنطن بشأن نظام الدفاع الصاروخي الذي تنوي واشنطن نشره في أوروبا الشرقية. ناهيك عن معطيات أخرى تحاول التعلق على قاطرة الخطر التي تسير تجاه الجبهات، كالفشل الأمريكي في العراق وانكسار مشروع بوش في المنطقة، وحال الانسداد في الساحات اللبنانية والفلسطينية والتوتر الذي تشهده الحدود التركية العراقية، معطوفا على الملف النووي الايراني الذي يزيد الامر تعقيدا في المنطقة.

وما يعزز احتمال اندلاع الحرب ارتفاع أسهمها نظرا لاتساع حجم الرهانات والآمال المعلقة عليها بحيث تبدو معها فرصة مهمة للكثير من الأطراف، إذ ستمنح إدارة بوش فرصة أكبر للاستمرار في تجربة إستراتيجياتها في العراق، كما ستمنح إيران فرصة أكبر للاستعداد لأي مواجهة محتملة مستقبلا، فضلا عن أنها ستمنحها فرصة لمعرفة شكل المواجهة التي تنتظرها. وربما من وجهة نظر الإيرانيين ستكون هذه الحرب طريقا للتسويات الكبرى في المنطقة، على اعتبار أن المنطقة لا تحتمل أكثر من حرب، وبالنسبة للنظام العربي فإن هذه الحرب ستكرس قيادة الجناح المعتدل نهائيا، وتنهي حالة الانقسام التي عاشها النظام الرسمي مؤخرا.

ربما يبقى السؤال متى وأين يمكن ان تأخذ هذه السيناريوهات مجراها، ثمة قضايا كثيرة ومتنوعة باتت تحتاج إلى الحسم، كما أن كثيرا من التحركات الدبلوماسية والمبادرات السياسية قد أشرفت على نهاياتها هذا الصيف، ان تأجيل الحرب أو صرف النظر عنها ليس امرا مستحيلا، لكنه يستلزم معطيات ووقائع كثيرة من الصعب توافرها في المدى المنظور، فالعدوان على لبنان الذي مضى عليه عام لم تستنفد “إسرائيل” أهدافه ولم تتمكن من تحقيق أي غرض معلن أو غير معلن منه، بل باتت الخيارات تضيق بمجمل افرقاء المنطقة ما يعزز خيارات الحرب على السلم. ومهما يكن الأمر فإن الثابت بين الحرب والسلم، ان اي قوة يمكن ان تشعل حربا لكنها بالتأكيد من الصعب تحديد نتائجها وآثارها مسبقا، فهل ستكون الحرب المحتملة مدخلا آخر لتحريك ابواب السلام المقفلة منذ زمن طويل؟

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)