يختلف اللبنانيون - في الذكرى الاولى لحرب تموز - على كل شيء: المقاومة والحكومة ولجنة التحقيق الدولية ، وحرب حزب الله... والاهم على العلاقة مع دمشق ، ويبدو البلد وكأنه مشدود بخيوط متقاطعة ، بعضها بين قوى دولية تبحث عن مصالحها في هذا الركام من التناقضات ، وبعضها بين قوى صاعدة في هذا الاقليم الذي اعتاد على صناعة البؤرالمتوترة فيه ، واشعالها دائما بما يفضي من اشتباكات سياسية وطائفية ومذهبية لكن المخجل في المشهد كله هذه القابلية التي تجاوزتها معظم شعوب العالم فيما تصر نخبنا عليها وكأنها قدر من السماء.
لا نعرف الى أين ستمضي لبنان ، لكن اخواننا في دمشق لا يسعدهم ان تبقى أصابع الاتهام تتوجه اليهم كلما انفجرت سيارة في بيروت ، او كلما تساءل أحد عن سرّ دعمهم للمقاومة في الجنوب فيما الهضبة هادئة من ثلاثين عاما ، ولهذا بدأوا يلوحون بتحريك الجبهة.. واذا كان صحيحا ما نشر حول الرسالة التي انطلقت من دمشق الى تل أبيب من خلال واشنطن عن تحذير سوري باستعادة الجولان عن طريق المقاومة ، فان السبب هو احساس السوريين بضرورة الانسحاب نهائيا من الساحة اللبنانية وعدم الاعتماد على حزب الله كحليف دائم مما يعني مسألتين: أن لدى دمشق معلومات او انطباعات حول نية تل أبيب الثأر من لبنان ، ومن حزب الله تحديدا مما يفرض عليها فتح الجولان لتخفيف الضغوط السياية والعسكرية على حزب الله.
وثانيا أن ثمة ترتيبات اطلعت عليها دمشق - بالضرورة - تفضي الى اخراج حزب الله نهائيا من المعادلة اللبنانية كقوة عسكرية ، مما يفقدها ذراعها التي اعتمدت عليها في التحريك السياسي ، ويضطرها الى العمل بيدها من خلال الجولان.
لا يمكن بالطبع فصل ما تفكر به دمشق عن لبنان وما يحدث فيه ، واذا تذكرنا أن أصابع لجنة التحكيم تشير الى متهمين "محددين" ، ربما يكون من بينهم سوريون ، وأن استثناء سوريا من محادثات معاودة التآلف اللبناني واقتصارها على طهران والرياض ليس مجرد صدفة ، زد على ذلك مواصلة الامريكيين اتهام الحكم السوري ، ومحاولات التغطية على خلافات دمشق مع طهران ، وازدياد محاولات العزلة التي ستفرضها بعض دول الاقليم بطلب من واشنطن على سوريا ، فان خيار التلويح باستخدام ورقة الجولان والتهديد بها يبدو خيارا مبررا ومفهوما ، خاصة وأن الملف اللبناني الذي جرى استخدامه بوضوح للضغط على سوريا وتجريدها من أوراقها الاقليمية ما زال مفتوحا ولم يبق امام السوريين - لاغلاقه - ولو مؤقتا ، سوى اشغال العالم بحرب استنزاف جديدة ، لا احد يعرف الى اين ستنتهي.

مصادر
الدستور (الأردن)