كل الدلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا البوتينية على شفا الحرب الباردة وأبرز هذه المؤشرات توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يجمد فيه التزام بلاده بمعاهدة انتشار القوات التقليدية في أوروبا.

فالفتور الذي ساد العلاقات الأميركية-الروسية على مدار الأسابيع والأشهر الماضية بسبب خطط الولايات المتحدة لتطوير ونشر دروع صاروخية دفاعية في أوروبا وإرسال عشر طائرات اعتراضية إلى بولندا ورادار متخصص إلى جمهورية التشيك خلال السنوات الثلاث والأربع القادمة، هذا الفتور قاد إلى حالة من التحدي بين العملاقين اللذين مازالا يتناطحان على النفوذ وقيادة العالم.

وتريد موسكو الجديدة التي تعافت نسبيا من انهيارها الاقتصادي بسبب السياسات التنموية الناجحة للرئيس بوتين، ان تقول للولايات المتحدة بصوت خفيض «كفى تفردا» وكفى تمددا إلى ساحاتنا الأمامية والجانبية والخلفية، هناك حدود للاستفزاز وهناك حدود للصبر الروسي إزاء كل ما يجري من اختراقات أميركية، بينما تريد واشنطن، خصوصا في خلال الولايتين الأخيرتين للرئيس جورج بوش الابن أن تحاصر روسيا من كل الجهات وتمنعها من النهوض مرة أخرى كدولة منافسة تتحكم بالموازين السياسية والأمنية العالمية، ولربما شعرت إدارة بوش في السنوات الأخيرة المحاولات الروسية الجادة للعودة إلى المسرح الدولي فأرادت مباغتتها بمشروع الدرع الصاروخي في أوروبا واستفزازها في موضوع استقلال كوسوفو لكنها وحسبما يبدو جليا فإن موسكو البوتينية برزت كقوة مواجهة لها وزنها الدولي التي لا تقبل الاستمرار في أن تكون ظلا للقوة الرئيسية الوحيدة في العالم وأنها قوة يجب أن يحسب لها حساب في الحاضر والمستقبل وأن يوقف هذا الزحف المخفي والمعلن باتجاه سيادتها ومناطق نفوذها المتبقية في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط.

ولابد هنا أن نلحظ الاشارات الروسية القوية التي تقول للإدارة الأميركية الحالية اننا قادرون ان نفعل شيئا «مؤثرا» و«مؤذيا» إذا لم تأخذوا حاجاتنا الأمنية بالحسبان، فلدينا من القوة العسكرية ما يبطل مفعول الدروع التي تقيمونها في أوروبا، وبإمكاننا عدم التعاون في المعاهدات الاستراتيجية التي وقعت بيننا وبينكم وتقاعستم عن تنفيذها.

روسيا بوتين أرادت أن تقول لإدارة بوش التي تجتاح العالم باستراتيجياتها وخططها الأمنية، نحن هنا، ولا تستطيعون تهميش وجودنا ومحاصرتنا بالضغوط التي تمارسونها علينا منذ زمن بعيد بتحالفكم مع «الناتو»، نحن لا نثق بنواياكم ومدى التزامكم بالاتفاقيات المعقودة.

وفي ظل هذا الفتور القائم بين موسكو وواشنطن يخشى أن تتحول الحرب الكلامية إلى إيقاظ فعلي للحرب الباردة، لأن منطقتنا (الشرق الأوسط) سوف تتأثر مباشرة بها، لأن الإدارة الأميركية أصبحت في قلب منطقتنا وتحاول الاندفاع نحو استراتيجيات هجومية أخرى، وأنه في ضوء هذه الشكوك وصراع المصالح قد يكون الشرق الأوسط ميدانا لصراع قوى أكبر من هذه القوى الصغيرة التي تبحث أيضا عن مصالحها، وهنا ستكون الطامة الكبرى.

مصادر
الوطن (قطر)