مرة أخرى يعود استاذنا شوقي بغدادي (الحياة 12 /7 /2007) الى أكتشاف الذي لم يستطع اكتشافه ايام عنفوانه التقدمي الذي هو التراث أو بالاحرى العلاقة مع التراث، ليعيد على رؤوسنا قراءة سفر الماضي (الذي ما فتىء مؤخرا على تكرار تلاوته) ولو بحياء ومحايثة مستجلبا الشهادة هذه المرة من باريس الذي دعته مؤخرا لزيارتها وها هو يضرب عصفورين بحجر، يرد دين الدعوة بمادة صحفية عن باريس، ويتكلم عن موضوعه الأثير (مؤخرا) التراث وعلاقتنا نحن معه ، مذكرا وربما منذرا اننا لا نقدم فروض الطاعة لتراثنا كما يفعل الباريسيون الذين ما زالوا يقرأون هوغو ولامارتين وبودلير ويشاهدون الانطباعية والكلاسيكية والخ من فنون التشكيل ( التراثية ) ، حيث يلمح الى اننا من ناكري التراث بينما الفرنسيون (وهم مجرد فرنسيين) من المخلصين له والعاملين على رفعة شأنه ، وعلينا و نحن الاولى أن (نزبط) علاقتنا مع تراثنا نعرف ما نأخذ منه وما نترك حيث يعيدنا الى الاسئلة الساذجة الأولى عن العلاقة بالتراث . فالتراث ليس مجرد (تركة) نستطيع (التصرف) بها كما (نشاء ) وكأن الفرنسيون يتصرفون بتراثهم كما شاء الاجداد او كما يأمرهم البرازبليون ؟؟!!

وكأن ما ذكره استاذنا بغدادي من أمثلة هي تراثا بما يعنيه لنا وله . أي التراث العربي ، فهوغو ولامارتين ووبودلير كانوا زعماء القطيعة المعرفية مع تراثهم كما كانوا أأمة التغيير الثقافي والاجتماعي في عصور نهضتهم وهم ليسوا اتباعيين ولا تقليديين لذلك لا يمكن أخذ العبرة والمقارنة الا اذا كان يقصد من التراث النهضوي الموازي كالكواكبي وفرنسيس مراش وفرح انطون وسلامة موسى واحمد امين والزهراوي والطهطاوي ومحمد عبدو وعلي عبد الرازق ، وكل الذين اتهموا في كل الاوقات انهم مع القطيعة المعرفية مع التراث وليس القطيعة الفلكلورية والذي لم يفرق بين القطيعتين في مقاله .

التراث تركة شئنا أم ابينا ونستطيع التصرف به كما نشاء ، والا لن نستطيع التقدم ، التراث مادة اولية ليس الا قد تناسب وقد لا تناسب استحقاقات العصر الثقافية والابداعية وفي كل الاحوال يبقى للمنظور المعرفي حقه في الاخذ والاسقاط وحتى النسيان .وأي اعتزاز ( فطري ) بعاداتنا وتقاليدنا ( العريقة ) حسب توصيف الاستاذ البغدادي لا يعني انها على حق او على صواب او تستحق ان تكون مرجعية للتداول الثقافي .

ويعود الاستاذ الى توصيف المشكلة ليؤكد بأطمئنان (تبقى اذا المشكلة منحصرة في تحديد العلاقة أين تبدأ مع الماضي وأين تنتهي أو بمعنى آخرماذا نأخذ منه وماذا نترك ) ؟؟؟!!! لآ أعتقد أن استاذنا جاد بهذا السؤال والا سوف يبدو كمن بدأ شغله الثقافي للتو ، ماحيا كل ما امضاه من حياته بين الكتب والمجلدات وبين الكتابة والتسطير ليعود هو ومحاولا ان يعود بنا ..الى مجرد سؤال بسيط طرح ومات فكريا منذ زمن بعيد ، أما واقعيا فقد تسبب بألاف المعارك الجزافية موقعا ألاف وربما ملايين الضحايا ...فقط ليبدو الامر جديا !!!!

باريس لم تقل لك هذا يا سيدي .. واذا اردت ان تسمع ما تريد فليكن ولكن لاترسل الينا رسائل توقعنا في المهالك لمجرد انك اكتشفت التراث مؤخرا .