أبيض وأسود

نستقبل هذا الأسبوع خطاباً للسيد رئيس الجمهورية العربية السورية من المتوقع أن يحدد معالم المرحلة المقبلة لسوريا على كافة الأصعدة، وهو خطاب القسم الثاني، ومن المتوقع بعد ذلك أن يتم تشكيل حكومة جديدة تطل على السوريين بخطة عمل تنفيذية ومتابعة ما سبق أن بدأت به الحكومة التي سبقتها، ونحن كإعلاميين سبق أن تحدثنا كثيراً عن دور الإعلام المفترض والذي وقف بعض أعضاء الحكومة منه موقفاً لا يتناسب وتحقيق أهداف الإعلام، بل قام البعض بمنع المعلومة عن الصحفي والبعض الآخر بحجب بعض مواقع الإنترنت التي هي مصدر هام للمعرفة للصحفي أو المواطن.

تعرف المعرفة بأنها (الفعل العقلي الذي يتم به النفوذ إلى جوهر الموضوع لتفهم حقيقته، بحيث تكون المعرفة الكاملة بالشيء خالية ذاتياً من كل غموض والتباس، أو محيطة موضوعياً بكل ما هو موجود للشيء في الواقع).

أين نحن من هذه المعرفة؟

الصحفيون السوريون والمواطنون هم أبعد مايكون عن التعريف السابق، وعلى مايبدو فإن الذين يحجبون المعرفة أو المعلومة لايعرفون بأن هدف الصحافة من المعرفة هي إطلاع الرأي العام على ما يدور حوله من أمور حياتية أو سياسية، وهو هدف سام ونبيل خاصة وأنه يصب في خانة الحكومة ومؤسساتها في النهاية، لأنه يلقي الضوء على خلل ما، يحصل في إدارة أو مؤسسة ما، وبالتالي تكون الصحافة هي الذراع الأيمن للحكومة إذ لا يعقل أن نجد مسؤولاً مهماً وهب كل وقته لعمله قادراً على كشف جميع ما يدور حوله من خلال جهازه الإداري الذي يرأسه لكن الصحافة تستطيع أن تكتشف وتخاطب المسؤول ذاته وتعلمه عبر نشر مشاهداتها وإطلاعها على خفايا وقضايا تصب في المصلحة العامة ومصلحة المسؤول ذاته (هذا إن تعاون معها) أما إن كان إخفاء المعلومة بهذه الطريقة المتبعة في وزاراتنا له أسباب أخرى نجهلها، فلا ضرر من إعلام الجهة الصحفية عن سبب هذا الحجب أو عدم التجاوب، خاصة إن كانت المعلومة محجوبة بسبب قضايا استراتيجية عليا. أما فيما عدا ذلك فلا يؤاخذنا السادة حاجبو المعلومات فيما لو مارسنا حشريتنا وحصلنا على معلوماتنا بطرقنا الخاصة، وقمنا بنشرها دون العودة إليهم فيما لو حجبوا أنفسهم عنا أيضاً، ولهم الحق ساعتها أن يعترضوا فيما لو كان ما حصلنا عليه من معلومات خاطئاً لكنهم لا يملكون حق الاعتراض على النشر فيما لو طلبنا منهم التأكد من المعلومة ورفضوا.

أما قضية المنع أو الحجب التي يمارسها بعض القائمين على الإعلام لبعض مواقع الإنترنت، فهي قضية أصبحت وفقاً للمفاهيم والمعطيات العلمية الحديثة لا قيمة لها إذ لا يمكن الآن أن يقوم أحد بحجب المعلومة عن أي مواطن في أي دولة في العالم، ونقصد هنا حجب مواقع الإنترنت، فبكل بساطة يستطيع المواطن استخدام برنامج على حاسوبه يخترق هذا المنع ودون أي تكلفة، هذا إذا علمنا أن سعر القرص المدمج الذي يحوي مئات البرامج (ومنها برامج اختراق المحجوب) لا تزيد قيمته عن الخمسين ليرة سورية فقط.. هذا من حيث إمكانية الاختراق، ولكن لماذا الحجب أصلاً.. أليس ما يرد على مواقع الإنترنت متوفراً أغلبه على القنوات الفضائية التي أصبح عددها يفوق الآلاف؟ ثم لو افترضنا أن معلومة لا يريد القائمون على الإعلام أن تصل إلى الناس فكيف يمنعونها عن الفضائيات؟

نتمنى من حكومتنا الحالية والقادمة أن تعلم أن حجب المعلومة يؤدي إلى تحقيق قاعدة (كل ممنوع مرغوب) وهذا يدفع بالناس إلى زيادة محاولاتهم استكشاف الممنوع بل ويتزايد عددهم بدافع الفضول. والسوريون يدركون جيداً ما يحاك ضد بلدهم، وهم بحاجة للوصول إلى المعلومة لأنهم يشكلون صفاً ثانياً خلف جيش بلدهم..

فافتحوا أبواب الوزارات والمديريات والمؤسسات للإعلام.. وافتحوا مواقع الإنترنت للجميع.. إذ لا فائدة من حجب أي شيء.