بعد عام من تلك الحرب المدمرة، التي استمرت لمدة 34 يوماً بين كل من "حزب الله" وإسرائيل في صيف العام الماضي، بدا أن كلا الجانبين قد أعدا العدة لمواجهة ثانية محتملة بينهما. فقد أفادت التقارير والتصريحات الصادرة عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، فضلاً عن تلك الصادرة عن الأمم المتحدة، أن "حزب الله" قد مضى شوطاً بعيداً في إعادة تسليح نفسه وتعزيز حصونه العسكرية، مستفيداً من الدعم الذي تقدمه له كل من طهران ودمشق، على حد مزاعم تلك التصريحات والتقارير. أما في الجانب الآخر، فقد أفادت الأنباء والتقارير الصحفية، أن قوة دفاع إسرائيل، قد فعلت الشيء نفسه، بفعل الدعم العسكري الذي توفره لها الولايات المتحدة الأميركية. وبالنظر إلى ما يبدو أنه مقدمات لخوض مواجهة عسكرية إقليمية جديدة في المنطقة، فلا بد من أن تتريث كل من واشنطن وتل أبيب لبعض الوقت، وأن تحاولا الاستفادة من البدائل السلمية الأخرى المتاحة، التي وصفها "حزب الله" نفسه، بأن في مقدورها أن تفضي إلى تخليه عن العمل العسكري. وعليه فربما كانت أفضل وسيلة لاحتواء حزب الله، إعطاءه بعض الذي يطالب به.

فمنذ الإعلان عن تأسيسه رسمياً في عام 1985، ظل يتمسك الحزب بحجته – ناهيك عن قدراته العسكرية الفعلية- القائلة إنه لم يدفع إلى ساحات العنف والمواجهات العسكرية التي خاضها، إلا بدافع ما وصفه بـ"الحروب المفتوحة" التي تشنها عليه إسرائيل. وفي ذلك إشارة ضمنية إلى الحروب المفتوحة التي تشنها تل أبيب ضد لبنان بوجه عام، سواء كانت حرب 1993، أم 1996، ثم أخيراً حرب صيف عام 2006. وخلافاً لتلك المواجهات والحروب، فما أن تراجعت النزعة العسكرية لدى إسرائيل بشكل ملحوظ، وخاصة على إثر وضع حد لاحتلالها للجنوب اللبناني، الذي دام 22 عاماً، في سنة 2000، حتى تراجعت معها رغبة "حزب الله" وحماسه للمواجهة العسكرية معها أيضاً. وهنا بالذات يكمن البديل السلمي المحتمل، الذي ينبغي لكل من واشنطن وتل أبيب أن تأخذا به. والمقصود بهذا البديل: الاحتواء التدريجي السلمي لعنف "حزب الله"، عن طريق تقويض الدعم الشعبي الذي تحظى به عمليات المقاومة العسكرية التي يشنها الحزب.

والحقيقة أنه ودون تمتع الحزب بالتأييد الشعبي الواسع من قبل المواطنين اللبنانيين، بشتى انتماءاتهم الدينية، مسلمين كانوا أم مسيحيين– خاصة في أعقاب مغادرة العناصر الموالية لسوريا لبلادهم- فإن العمليات العسكرية التي يشنها "حزب الله"، لن تكون على قدر بالغ من الصعوبة فحسب، وإنما تشكل خطراً عسكرياً سياسياً على القاعدة الشيعية التي يستند اليها هو نفسه في الجنوب اللبناني. وهذا هو عين السبب الذي جعل "حزب الله" يتجه إلى تخفيض حضوره العسكري العلني، على إثر الانسحاب الإسرائيلي من أراضي جنوب لبنان في عام 2000، وانخراطه الجزئي في العملية السياسية المدنية، بما فيها تولي بعض عناصره لمناصب وزارية في عام 2005، وتحالفه المثير للغرابة مع القائد المسيحي الجنرال ميشيل عون، وهو ما كان سيرفضه الحزب في أي ظروف أخرى، باعتباره سلوكاً مفسداً ومنحرفاً، أو بحجة أنه ما من ضرورة تستدعيه. ولعله السبب نفسه الذي دفع الحزب إلى التزام الصمت والهدوء إزاء المواجهة الحالية التي يخوضها الجيش اللبناني ضد جماعة "فتح الإسلام" الموالية لتنظيم "القاعدة" حالياً في منطقة نهر البارد، خاصة وأن هذه المواجهة جلبت للجيش اللبناني، تأييداً شعبياً واسع النطاق، لم يقدر له أن حظي بمثله قريباً. وعلى العموم فإن الفكرة التي أقدمها هنا، تتلخص في تقويض الحجة التي يقوم عليها عنف حزب الله الموجه ضد إسرائيل، وهي حجة تحظى بتأييد شعبي عريض في أوساط المواطنين اللبنانيين، شئنا ذلك أم أبينا. ولذلك فإن المطلوب هو المضي الى مدى أبعد مما هو الآن، في الحيلولة دون قدرة "حزب الله" على شن المزيد من الهجمات العسكرية المعادية لإسرائيل، سواء في الخط الحدودي المشترك معها في جنوبي لبنان، أم في ما هو أبعد من ذلك، في حالة صحة المزاعم الأميركية الرائجة الآن، بأن للحزب يداً في مواجهات العنف الدموي الجارية في العراق.

وفي الوقت ذاته، يتعين الدفع بالحزب خطوة أخرى باتجاه الانخراط الكامل في العملية السياسية السلمية اللبنانية، التي لا يزال الحزب طرفاً فيها بشكل ما وله فيها من النفوذ، ما يحمله تارة على وصف بعض عناصرها وقادتها بأعوان الغرب، بينما يميل تارة أخرى إلى إبرام التحالفات والعمل المشترك، مع ذات "الأعوان" الذين شجبهم بالأمس. غير أنه لا مناص للولايات المتحدة الأميركية إن أرادت لخطة احتواء عنف "حزب الله" أن تؤتي ثمارها، من أن تدفع حليفها الإسرائيلي في المنطقة، باتجاه الاستجابة لما يسميه زعيم الحزب حسن نصرالله بـ"الجراح الأربعة النازفة": تسليم تل أبيب لكافة الخرائط الخاصة بالألغام الأرضية التي زرعتها في جنوب لبنان، عودة وإطلاق جميع الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، وقف تل أبيب لطلعاتها الجوية في سماء الجنوب اللبناني، ثم تخلي إسرائيل عن ادعاءاتها الحدودية في مزارع شبعا. وبالنسبة لهذه الأخيرة، فقد ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الصادرة الأسبوع الماضي، احتمال إعلان الأمم المتحدة عنها باعتبارها أراضي لبنانية، في الشهر المقبل.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)