لمدة نحو سنة برز في الحياة العامة الاسرائيلية توجه أن على اسرائيل أن تستجيب ليد الأسد الممدودة للسلام ، وأن تفاوضه ، وأن تكون مستعدة للنزول عن هضبة الجولان "كثمن مؤلم" للسلام مع سوريا ، وعرفت جهات استخبارية وأمنية كيف تقول وتُقدر أن الرئيس الأسد جدي وأصيل في تطلعه الى التفاوض السلمي ، وبالغت جهات أمنية وجهات اعلامية في الانجازات المتوقعة من التفاوض ، وعلى رأسها انفصال سوريا عن ايران ، وعن حزب الله وعن الارهاب ، بل إن شبان ميرتس رفعوا في الهضبة أعلام سوريا داعين اسرائيل الى بدء مفاوضة سوريا فورا ، وحظي كل تصريح لدبلوماسي سوري قليل الشأن عن رغبة سوريا في السلام عندنا بعناوين مدح لسوريا الراغبة في السلام وبمعاتبة لحكومة اسرائيل ، بل لقد قامت عندنا رابطة من جهات أمنية رفيعة وأناس من الحياة العامة ترمي الى دفع التفاوض مع سوريا.
في نهاية الاسبوع الماضي حدثت حادثتان يجب في رأيي أن تُفضيا الى تحلل جزء من أتباع "التيار المشايع لسوريا" بيننا من حلم أوهامهم.
أقصد خطبة الأسد في البرلمان السوري تمهيدا لانتخابه رئيسا لفترة ولاية اخرى ، وزيارة رئيس ايران لدمشق بعد ذلك فورا ، هاتان حادثتان تمثلان في رأيي صورة الاوضاع الاستراتيجية - السياسية التي تواجهها اسرائيل ، فقد قرر الأسد في الخطبة ثلاثة اشياء على نحو صارم :
أولا ، لن تكون هناك مفاوضات مع اسرائيل قبل أن تفي اسرائيل بالشروط الآتية: أن تتحلل تماما من جميع الأفكار عن مفاوضات سرية ومبعوثين سريين ورسائل سرية ، وأن تعلن اعلانا رسميا ، وعلنيا ، ولا لبس فيه ، وغير متهرب برغبتها في السلام مع سوريا ، وأن تلتزم سلفا ، خطيا أو بأية طريقة ملزمة اخرى بضمان ، انها ستنسحب من هضبة الجولان ، حتى خط الرابع من حزيران 1967 ، ولا يوجد في ذلك أي جدل وأي تفاوض ، وسوريا هي التي ستقرر أين يمر الخط.
ثانيا ، بعد ذلك فقط سيكون في الامكان البدء في تفاوض علني ، بتوسط وسيط نزيه ، في موضوعات مثل ترتيبات أمنية وعلاقة سوريا باسرائيل كما كانت الحال في التسعينيات زمن رابين ، ولن يوجد قبل ذلك أي تفاوض.
ثالثا ، كمرحلة تمهيدية ، سوريا مستعدة أن تلتزم لاسرائيل بوجود أفق اتصال بين سوريا واسرائيل بتوسط جهة وسيطة موثوق بها (القصد كما يبدو الى تركيا).
بكلمات اخرى ، يأتي الأسد ويقول لاسرائيل الاقوال الآتية: سيبدأ التفاوض فقط بعد أن تدفع اسرائيل الثمن المؤلم ، وبعد أن تتحلل من أملاكها ، وبعد أن يبل الأسد رجليه في بحيرة طبرية ، وعندها سيكون كل ما يتعلق بالثمن الذي يجب على سوريا دفعه ، وفي ضمنه نوع السلام ، خاضعا للتفاوض ، ولا يشتمل هذا الثمن بالطبع على نظام علاقة سوريا بايران وبحزب الله وبالجهات الارهابية ، فالعلاقات بها جوهرية ، ولأمد بعيد ، بل ستقوى في المستقبل ، فاذا كانت قيادة اسرائيل مستعدة لقبول شروطي ، فلتُرسل متفضلة مبعوثها الى تركيا.
المعنى الرئيس من كل ذلك ، في رأيي ، هو أن الأسد يتلهى بالسلام ، ولا يرغب فيه ، بل يسعى الى إملاء شروط على اسرائيل صدورا عن موقف قوة ومع إحداث ازمات ، لهذا يجب على اسرائيل أن تستعد باستراتيجية ردع عامة ، وأن تكف عن المساعدة في ألعاب الأسد السلمية المزيفة ، يجب أن يواجه القيادة الاسرائيلية جملة رئيسة قالها الأسد في خطبته الأخيرة: "سنة 2007 مصيرية ، وقد تكون الاشهر المتبقية حاسمة جدا بالنسبة لمصير المنطقة ومستقبلها وربما العالم كله".

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)