عقود مرت على الإدارات المحلية في سوريا ، مجالس محافظة ومدن وبلدات وقرى ، حملت معها ما حملته من أعمال تنفيذية وتخطيطية وروتينية ، و"عمليات تصحيحية" لأخطاء ما سبق من مجالس (؟) ، بكل ما حملته ولا تزال تحمله مثل هكذا "عمليات تصحيحية" من نتائج خيّـرة للبعض ، ووبيلة للبعض الآخر .

دورات زمنية متلاحقة ، محددة بسنين أربعة ، تجمع عديداً من "الأعضاء" من مختلف الشرائح الاجتماعية والتنظيمات الحزبية العقائدية والمشارب والرؤى السياسية والثقافية والعلمية والمجتمعية المتعددة بتعدد أهدافها ونظرتها للموضوعات والمشروعات والطروحات المختلفة ، وتعدد تطلعاتها الاستراتيجية وما تحمله من "تكتيكات" وطموحات وارتباطات ومصالح ، وآرائها حول الآليات التنفيذية .

وجوه ثابتة ووجوه تتغير وتتبدل مثلما هي المناصب والمواقع في الإدارات الحكومية ، تبعاً للرؤى والمحسوبيات والعلاقات والتحالفات والتوازنات والأهداف وما يندرج تحتها من مسميات وخطوط حمراء وبرتقالية وصفراء ... تحت عنوان " المؤهلات والكفاءات" .

 2 -

الإدارات المحلية عنوان كبير لدى أعضاء مجالسها ، بغض النظر عن الارتباطات الحزبية من عدمها ... فمنهم من يراها تحمل قدراً من "البريستيج" و"التفاخر" أمام الغير دون أي عمل منتج سوى رفع اليدين بالموافقة ... ومنهم من يراها تحمل قدراً ضخماً من المنافع والميزات والحصانات والظهور والعظمة ..

وهي كذلك عنوان كبير لدى البعض الآخر الذي يعتبرها مجالاً لعملية إصلاحية وتطويرية جادة لمدن وأحياء وكوادر وظيفية وآليات روتينية – تنفيذية وتخطيطية - متوارثة ، ولقرارات شبه ارتجالية ، ويعتبرها تحمل مجالاً واسعاً لإعداد وإقرار خطط مستقبلية ممنهجة واضحة تحقق ما يمكن تسميته بالمصلحة العامة ولمدد زمنية تتجاوز الزمن المحدد ل ِ "الخطط الخمسية" .

وهي بالنسبة لهم أيضاً ، بمثابة مؤسسة كبيرة تشمل مؤسسات ثلاث فرعية : تشريعية ورقابية وتنفيذية ... مؤسسة تملك قدراً من الصلاحيات والامكانيات تؤهلها لتعمل بشكل صحيح وجاد ومتناسق لتحقيق ما يمكن تسميته فعلاً إدارة محلية ذات طابع مؤسساتي حقيقي ، تقوم بإجراء عمليات تقييم سنوي لأعمالها يتضمن تحليل مواضع الخلل أو الضعف وتصحيحها وتدعيم مواضع النجاح ، كما تقوم بعملية تطويرية نهضوية حقيقية في شتى مناحي الحياة اجتماعياً واقتصادياً وخدمياً بكل ما تشمله من معطيات ، وعمليات تنسيقية عملية حقيقية بينها وبين المؤسسات والشركات والمديريات المختلفة العاملة ضمن المدن والبلدات ، وتحقيق مصلحة المواطنين من جانب ... وعمليات تطويرية لقدراتها وإمكانياتها من جانب آخر .

ويعتبرون أن مثل هكذا مؤسسة إنما تستند في عملها إلى حوار صادق وواضح وجريء يدخل في عموم التفصيلات ويخوض في جميع أوجه النقاش ، ويستند إلى قاعدة صحيحة من المعطيات والمعلومات للوصول إلى رؤية واقعية صحيحة تمهيداً لإصدار القرارات اللازمة التي تتناسب تماماً مع الوضع الثقافي لأعضاء المجالس ونظرتهم إلى أنفسهم ورؤيتهم الاستراتيجية لما يتوجب أن يكون عليه مجتمعهم وبلدهم لعقود قادمة .....

العبرة دائماً في التنفيذ ، والتنفيذ ينبع عن حسن الاختيار ، والجهات الوصائية ، وقانون الإدارة المحلية وصلاحيات أعضاء المجالس ... وفي الآلية التنظيمية والتنفيذية للحملات الانتخابية والانتخابات ... وفي الثقافة الانتخابية .

 3 -

الاختيار ضمن لائحة "الجبهة الوطنية التقدمية" إنما يمثل حقيقة الحزب الذي ينتمي إليه العضو ، وذلك من خلال النهج العملي والاستراتيجيات والرؤى المستقبلية التي يقوم بطرحها والتي يطالب بتحقيقها ، وفعاليته في عمليات الرقابة والمشاركة في النقاشات والحواروالمطالبة بتحقيق طموحات وتطلعات "الجماهير الكادحة" ، وذلك للحقيقة القائلة أنه "تعين تعييناً" عن الحزب الذي ينتمي إليه باعتباره ممثلاً عنه في مجالس الإدارات المحلية - هذا حتى إن كان من عناصر الكادر الوظيفي لدى المدينة - ... وطبيعي أن هذا الموضوع يرتبط تماماً بالنسب المخصصة "للعمال والفلاحين والمثقفين الثوريين" من جانب ، و "باقي فئات الشعب" من الجانب الآخر ...

كذا الأمر بالنسبة لرؤساء المجالس المحلية في المدن ، الذين يتوجب عليهم أن يكونوا ممثلين حقيقيين لكل ما تحمله "مسيرة التطوير والتحديث" من رؤى وتطلعات حولها وحول دولة المؤسسات والعمل الجماعي، وسيادة القانون والابتعاد عن الفردية في الرأي والقرارات والمصالح الشخصية الآنية والمستقبلية ، إضافة إلى التطبيق الفعلي لمصلحة المواطنين ، هذا عدا عن التأكيد على الدور الرقابي الجاد .

ذلك ما يمكن تسميته واقعياً ، خطوات متقدمة في تطبيق مفهوم دولة المؤسسات .

 4 –

أما عن تحديد المسؤوليات ، فإنه بمثابة العامل الأساس في موضوع الإدارة المحلية ، نجاحاً أو مراوحة في المكان (؟) ، فالازدواجية في المسؤوليات تعرقل تماماً ما هو مأمول ومطلوب تحقيقه من أعضاء المجالس ، بطريقة أو بأخرى ...

عندما يكون بعض المدراء العاملين لدى المدينة (البلدية) أعضاء في مجالس الإدارات المحلية ، وعندما يكون رئيس مجلس المدينة هو ذاته رئيس الكادر العامل لدى المدينة (البلدية) ، فإن ذلك يؤثر بشكل كبير على الأعمال التي يفترض أداؤها من المجالس المحلية ، كالدور الرقابي ، والتخطيطي ، والتحليلي ، وعمليات التقييم بأوجهها المختلفة ، وعمليات المتابعة ، وغيرها ... ويشمل ذلك "الثقافة الوظيفية" التي حصل عليها الموظف خلال ممارسته عمله الوظيفي ونظرته كمرؤوس إلى رئيسه ، مساعدة أو عرقلة أو تحقيقاً لمصالح .

مما يجعل غالبية أعضاء المجالس شبه "بصمجية" او "مدافعين" عن بعض المصالح التي تمس بهم بشكل أو بآخر ، باعتبارغالبيتهم ترى نفسها عاملة "لمصلحة الغير"، وبشكل شبه طوعي ومجاني ....

وليصبح الأمر بالنتيجة وكأن "البلديات" هي من تقود المجالس المحلية وتتابعها وتمارس أعمالها ... وليس العكس .

هذا دون البعض من الأعضاء الذين يدرجون ضمن خانة "المشاغبين والمعرقلين (؟).. " والذين يمكن لهم تحقيق بعض ما هو مأمول من المجالس نتيجة لمتابعاتهم الجادة وديناميكيتهم في العمل وقدرتهم على البذل من وقتهم وجهدهم إضافة إلى رغبتهم بمصلحة المجموع ( لا أعني بذلك الأعضاء "المستقلين" فقط بل أن من بينهم أعضاء من تحالف أحزاب الجبهة رغم محدودية عددهم ) .

بوضوح تام ، لا أريد الانتقاص من أحد ، إنما أريد التوضيح أن من هو مسؤول عن أمور تنفيذية وحساسة بقدر كبير في الكثير من الأحيان ، يتوجب عليه – او يفترض به - الالتزام بتطبيق القوانين بشكل سليم ، وتقديم ما يطلب منه من معلومات ومعطيات صحيحة إلى لجان أو فرق العمل في المجالس التي تقدم مقترحاتها حول ما تجده موجباً للتعديل والتطوير ، لا محاولة فرض رأيه على الغير باعتباره أحد المسؤولين التنفيذيين الذين يعتقدون أن رأيهم هو الأصح دائماً ، والذين يهابون من كل ما هو تغيير في الأساليب الروتينية التي تعودوا عليها .

الاستراتيجيات تعني رؤى مستقبلية تطويرية ، وليست تقليدية روتينية تنفيذية ... ليست المجالس والمكاتب التنفيذية للأعمال الإدارية الروتينية إنما الأهم هو ما يتعلق بالاستراتيجيات المستقبلية والابداعات الفكرية والتخطيطية وترتيب الأولويات ، والتأكيد على مصلحة عموم المواطنين .

 5 –

بالنتيجة ، ومن خلال الرؤية الواقعية ، فإنه يفترض باعضاء المجالس أن يكونوا حائزين على قدر جيد من الثقافة العامة المجتمعية ، أو الثقافة التخصصية العلمية مضافة إلى خبرة عملية في الاهتمام بالشأن العام ، بما يمكنهم من العمل والمتابعة والعطاء وبشكل شبه طوعي ، لمصلحة المجموع ... لا أن "يجيد القراءة والكتابة" أو أن يكون خريجاً جديداً من إحدى الجامعات السورية دون أية خبرة عملية ، ( بعمر /23/ سنة ) .

لأن العمل في مجالس الإدارات المحلية يتطلب قدراً جيداً من المعرفة والمقدرة ، وجهداً في المتابعة للحصول على المعرفة اللازمة في كل ما يتعلق بالعمل ضمن نطاق الصفة الاعتبارية التي يحملها أعضائها ، إضافة إلى التفهم والتطبيق الحقيقي لمعنى العمل المؤسساتي الجماعي وروح الفريق ، وإلى قدر من الديناميكية اللازمة لاستنباط الحلول المناسبة والموافقة لشتى الشرائح الاجتماعية ضمن نظرة مستقبلية ، عدا عن الزمن الذي يتوجب عليهم تخصيص قدر منه للعمل فيما هو مطلوب منهم كأعضاء مجالس إدارة محلية .

ما هو مأمول من المجالس ليس بالبسيط ولا يمكن تحديد بداية او نهاية له ، فهو يشمل تطوير القدرات وآليات التنفيذ وإعادة تأهيل الكوادر العاملة إلى متابعة أمور المخالفات بأنواعها والتطبيق الجاد والفاعل للقوانين إلى التشريع إلى الرقابة إلى تنظيم فرق العمل إلى المتابعة وإلى تحمل المسؤولية بشكل حقيقي ، إلى التبديل والتحسين في شروط الاستثمار للمنشآت العائدة للمدينة ، إلى شؤون النقل الداخلي وغيرذلك من الموضوعات... بدلاً من إبقائها تسير بطريقة روتينية متوارثة ومتخلفة ومضرة بمصالح المواطنين وبالمصلحة العامة في الكثير من الأحيان .

ما هو مأمول أن يقوم الأعضاء بدورهم بفاعلية وبشكل متواصل باعتبارهم مسؤولين عن ما يمثلوه من مجموع ٍ مواطني ، ومستقبل ٍ للمدن والبلدات التي يعيشون فيها ... عوضاً عن الانتظار لمدد زمنية لا تقل عن الشهرين لحضور الاجتماعات الروتينية ، ورفع الأيدي بالموافقات وبالأغلبية ، على قرارات يطلب منهم التصديق عليها .

أذكر هنا ملاحظة على الهامش أعتبرها على قدر كبير من الأهمية ، إذ إنني - ومع احترامي لجميع حاملي الإجازة في الهندسة بفروعها المختلفة - أرى أنه ليس من الضروري والحتمي أن يكون رؤساء المجالس المحلية من حاملي الإجازة في الهندسة لاعتبارات كثيرة ... ومنها أن الكادر التنفيذي الفني – الكثير من العاملين إضافة إلى رؤساء الأقسام والدوائر والمديريات – يحملون هذه الإجازة ، ومن أولى واجباتهم التنفيذ الصحيح لما تعلموه من معارف علمية ولما اكتسبوه من خبرات تنفيذية في مجال وظائفهم ، وتحمل مسؤولياتهم بحسب مراتبهم الوظيفية ...

ومن الاعتبارات الأخرى أن تكون المقدرة على العمل والتعامل بروح الفريق والديناميكية وتقبل النقاش والحوار ، من أوائل الشروط المطلوبة لهذا المنصب .

 6 –

وأذكر أخيراً ، أن المجالس المحلية تتطلب التفهم من المواطنين لأهميتها وواجباتها وآلية عملها ، كي يحسنوا اختيار ممثليهم فيها من جانب ويتابعوا أداءهم وكيفية قيامهم بواجباتهم في الجانب الآخر .

وهذا الموضوع ذي علاقة مباشرة بالثقافة الانتخابية للناخب ، والتي يتوجب عليه جرائها وضع المقدرة والكفاءة في المقدمة بدلا عن العشيرة والعائلة والقبيلة والطائفة والمذهب ، والأمر ذاته على دور الناخب تجاه مرشحي "الجبهة الوطنية التقدمية" .

فمن المهم جداً أن يدرك المواطن أهمية دوره في الإدارات المحلية ، أكان ناخباً أو مرشحاً ، لأن المسؤولية مشتركة على الجميع وكذلك النتائج ، باعتبارها تنعكس على الأغلبية إن لم تكن على الجميع .

والمسؤول المحلي من هذا الشعب ولم يأتنا من المريخ .... ولذلك فإن العبرة في التنفيذ ، والتنفيذ ينبع عن حسن الاختيار ... والاختيار الصحيح مسؤولية الجميع ، أحزاب وتحالفات ومستقلين ...

لا خيار وسط بين الجيد والسيء لأن النتائج المترتبة عن الأعمال تظهر سريعاً ، ويراها الجميع ، ثراءً للقلة وضرراً بالغالبية ، والتصليح أو التصحيح مكلف في كل الأحوال ( دون ذكر أية أمثلة ) ولا يؤثرعلى البلديات والمجالس الحلية قدر تأثيره على جموع المواطنين ... وهو نتيجة لاختيار تحالف أحزاب الجبهة ممثليها ( بالنسبة المعروفة ) ، ونتيجة "للانتخابات" .

أعتقد أن خير ما يوجز الانتخابات ونتائجها ، المثل العربي القديم القائل :" يداك أوكتا .. وفوك نفخ " ... وتبقى العبرة دائماً ، في النتائج ...