فور دخولها صالون التجميل, طلبت أن يجرى لها «البديكور» قبل «المونيكور» «الصبغة والميش» والقص و»السيشوار», لأن قدميها متعبتان جداً من اللف والفتل والدوران في السوق, وتحتاج إلى قليل من «الريلاكس».
إنها سيدة من هذا العصر.
قبل الخوض في غمار عمليات تحسين الأوصاف, ومسارعة الصبايا العاملات في الصالون الى إعداد ما استطعن من العدة والعتاد, والمباشرة بنقع القدمين في طشت المساج تهيئة للقشط والبردخة.
راحت المرأة ذات القدمين المتعبتين, تفضفض بالكلام كأحد طقوس الاسترخاء النسوية, متحدثة عما أزعجها تارة, وعما أرهقها تارة أخرى.
دار حديثها عن رحلتها الشاقة بحثاً عن فستان سهرة.
قالت إنها تريده عادياً تماماً وبسيطاً جداً, خالياً من الخرز والحرز وأحجار البلاستيك والخشب والبلور, وكل ما أصبح لصيقاً بأزياء السهرة حالياً.
حسب طلبها, كانت ترغب في ملابس تستر العيوب وتظهر الجماليات, أي تزليط أنيق وخجول يعِد دون تصريح, أي بشكل موارب بأنوثة مشتهاة كقطعة البقلاوة «المبرومة», وغير مبذولة بإسفاف كصحن الـ«مدلوقة».
ومع أن طلبها كما أكدت, متواضع لم تعثر عليه, وكادت تيأس, فغالبية ملابس السهرة النسائية الموجودة في أسواقنا فُصلت من تصميم وقماش واحد, تستلهم تصاميم المغنيات والغانيات, المطلوسة بالخرز طلساً, مع تحميل أقمشتها ما لا تطيق من خردوات الكلفة, حتى ليعجز جمل عن حملها, فما بالنا بأكتاف النساء الرقيقات! تزفر السيدة المتحدثة زفرة تحرق من حرارتها طبخة, وهي تكشف عن خدوش ناعمة في الساعدين والرقبة تشبه خراميش القطط سببتها عمليات قياس وتجريب الأثواب الضيقة المثقلة بالشك الخشن والناعم, ومع كل تجريب لفستان كانت بحاجة إلى فريق العاملات لمساعدتها على ارتدائه وخلعه, حتى تخلعت أوصالها وأصيبت بجراح كأنها خارجة للتو من معركة بالأظافرمع شد شعر نسائية حامية الوطيس.
ولولا أنها موظفة ولا تملك مزيداً من الوقت والمال لذهبت إلى خياط وفصلت ما تريد تفصيلاً, ولتحملت أعباء مماطلة معلم الكار والتسويف والانتظار, بدل هذا العذاب والشد والجذب في كبريات المحلات.
مشكلتها أنها ليست من النساء الكلاسيكيات اللواتي يخصصن الوقت اللازم لممارسة طقوس شراء وتفصيل ملابس السهرة, فيستمتعن باصطحاب القريبات الخبيرات أو الصديقات الموثوقات لقضاء يوم كامل في «الشوبينغ», وعدة أيام في القياس والتجريب ريثما تتفق آراؤهن حول الأفضل والأنسب, وما يحتاج اليه الفستان من قصات, ثم من تعديل, ثم من تعديلات.الموضوع أثار هموم باقي النساء المتواجدات في الصالون, ولم يمنعهن دوي أدوات تجفيف وتصفيف الشعر من المشاركة في نقاش هموم نسوية عميقة جداً, رغم أنها هامشية جداً, وربما سخيفة برأي البعض, لا تشغل بال أحد من دعاة تمكين المرأة ولا منظمات حقوق الإنسان.
وكان لافتاً تطور الحديث من الشكوى والثرثرة إلى مناقشة جودة الصناعة الوطنية, واقتصاد الأناقة النسائية والتغييرات الاجتماعية التي فرضت نفسها على السوق, فتحدثن عن التطرف في التصاميم, فالملابس العادية الموجودة في الأسواق غالبيتها لا تناسب أذواق المعتدلين, فهي إما مبالغة في حشمتها أو منفلتة في تزليطها, ولا حل وسط بين قميص طويل يصل إلى الركبة, وآخر ينحسر ليكشف السرة, وكأن المجتمع قسم إلى فسطاطين­ حسب تعبير بن لادن ­ لا ثالث لهما, إما محجبات أو مقشلطات, وصار البحث عما يناسب السافرات المحافظات, كالبحث عن إبرة في كومة قش.
هذا عدا عن تكاليف أناقة مجحفة للجيب ومؤلمة للبدن, فشرط الراحة آخر ما يفكر به الصناع والتجار, الذين يسعون لتلبية شروط الصرعة, بغض النظر عما قد تسببه من مضار صحية, تحت عنوان: الجمال يحتاج إلى تضحية أيضاً, ونساؤنا حكماً لا يبخلن ولا يتأخرن, فيغامرن بانتعال أحذية ذات كعوب عالية, صنعت بجودة تضمن كسر الظهر وفصفصة مفاصل القدمين, وهي جودة لا نلمسها في الأحذية الايطالية بكل تأكيد, مهما علا كعبها ورق نعلها.
أما مشدات الورك ورافعات ونافخات الصدر, فحدث ولا حرج عن أقمشتها المسببة للحساسية والحكة الجلدية, وضيق النفس والتنفس.
أشياء تحول السهرة الراقصة من مناسبة للابتهاج والانعتاق من روتين الحياة اليومية, إلى مناسبة للوجع والألم, تحت تأثير ما يسببه هوس الرشاقة والأناقة المتكلفة, والتواري خلف ضحكات المرح الزائفة وصيحات الدهشة الطنانة لزوم الظهور في الأفراح والليالي الملاح.
العجيب أن النساء بعد عقود من الدعوات إلى التحرر والمساواة مع الرجل عدن أدراجهن سريعاً ليستمتن في سبيل الحصول على أجمل مظهر ممكن, وبأي ثمن كان, حتى لو كان حفلة تعذيب تمتد ذيولها المنهكة لعدة أيام, وتسديد فواتير كاوية لتحسين مواصفاتهن من تغيير لون الشعر إلى تركيب رموش وأظافر, ابتداء من عمليات التجميل الصغيرة إلى الجراحية منها كالنفخ والشفط والتصغير والتكبير.
وكأن النساء اكتشفن الخدعة التي انطوت عليها الدعوة الى التحرر والمساواة التي دفعها إليها الرجل دفعاً الى التخلص من تكاليفها الباهظة, فدرجت لفترة طويلة موضة إهمال المرأة العناية بمظهرها كدليل للتحرر, والآن ترد نساؤنا الصاع صاعين ليفزن بالتحرر المحتجب خلف ظلال محافظة ومتحفظة وجمال سافر في الصالونات والصالات كمدخل إلى عصر حريمي جديد تقوده المرأة على هواها, تمارس ما تشاء فيه من الأدوار, ليس للرجل فيه سوى دور المتفرج.
وكل شيء بثمنه لأن كل تلك العمليات تعمل لأجله و لنيل إعجابه حتى لو كان أعمى , وليست للتغرير به أو ابتزازه بكل تأكيد.

مصادر
الكفاح العربي(لبنان)