قام وزيرا الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ونظيره الأردني عبدالإله الخطيب بزيارة إلى الكيان الصهيوني بتكليف من اللجنة العربية الخاصة، وذلك لشرح المبادرة العربية للمسؤولين الصهاينة، وفي الوقت ذاته أعلن إيهود اولمرت عن بدء مباحثات جدية حول إقامة الدولة الفلسطينية مع محمود عباس. وقال الوزيران إنهما لمسا “تعقيبات إيجابية” بشأن مبادرة السلام العربية خلال لقائهما مع المسؤولين الصهاينة. ويبدو أن هذه الزيارة التي تأتي بمباركة عربية، شجعت رئيس الوزراء الصهيوني على مطالبة العرب بإرسال المزيد من الوزراء إلى دولة الكيان، وخصّ بالذكر المملكة العربية السعودية، لما لها من ثقل عربي وإسلامي، بينما بقي الغزل وبقيت الرسائل والإشارات بين دولة الكيان وسوريا تميل إلى الغموض حيناً، والبوح حيناً آخر. وتدرك دولة الكيان أن الصلح مع سوريا وعقد اتفاقية سلام معها سيكون له أبلغ الأثر، وسيكون بمثابة تحقيق إنجاز كبير، لأنه سيشق صف التحالف السوري الإيراني وحزب الله، الأمر الذي سيقلل من سخونة المواجهة الأمريكية الإيرانية السورية.

وفي الواقع، فإن سوريا لا ترفض إجراء سلام مع الكيان الصهيوني، وهذا ما أكده رئيسها الدكتور بشار الأسد في لقاء مع جون سمبسون كبير محرري الشؤون الدولية في ال”بي بي سي”، بتاريخ التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول ،2006 أي بعد انتهاء الحرب على لبنان، حيث قال إن بلاده مستعدة لإجراء محادثات مع “إسرائيل”، وإنها تريد حلاً سلمياً للصراع في الشرق الأوسط، وقال “سوريا و”إسرائيل” يمكنهما العيش بسلام جنبا إلى جنب، وأن تقبل كل منهما بوجود الطرف الآخر”، ولكن الرئيس السوري قال إنه غير واثق من أن الحكومة “الإسرائيلية” الحالية قوية بما يسمح بأن تسعى لتحقيق السلام، وقال الأسد “إن دعم واشنطن أمر رئيسي لتحقيقها”.

وعلى الرغم من هذا التصريح الصريح من قبل الأسد، والذي يشجع الوسطاء السريين على التحرك، إلا أن مصدراً رسمياً في وزارة الخارجية السورية نفى لمراسل ال “بي بي سي” في دمشق بتاريخ 18 يونيو/ حزيران 2007 ما ذكرته صحيفة “المستقبل” اللبنانية عن لقاء سري عقد قبل أسابيع في واشنطن بين وليد المعلم وزير الخارجية السوري ومسؤولين “إسرائيليين”، وذلك بحضور مسؤولين أمريكيين. وكانت الصحيفة اللبنانية قد ذكرت “أن مسؤولاً “إسرائيلياً” مقرباً من المدير العام لوزارة الخارجية “الإسرائيلية” أهارون أبراموفيتش، قد قال إن المعلم قام قبل أسابيع عدة بزيارة سرية إلى واشنطن، حيث اجتمع مع مسؤولين “إسرائيليين” في منزل السفير السوري لدى الولايات المتحدة في واشنطن عماد مصطفى، والتقى مع مسؤولين أمريكيين”. وقالت الصحيفة “إن المسؤول أكد أن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون أميتاي عيتسيوني شارك في المحادثات، وهو شخصية “إسرائيلية” غير رسمية وأحد قادة المؤتمر اليهودي الأمريكي”.

وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية بتاريخ 16 يناير/ كانون الثاني 2007 تقريراً أكدت فيه أن مسؤولين “إسرائيليين” وسوريين أجروا مفاوضات سرية على مدى سنتين تمخضت عن إصدار وثيقة عمل تهدف إلى إبرام اتفاقية سلام، وذلك قبل بداية الحرب على لبنان في يوليو/ تموز من العام الماضي. وذكرت الصحيفة أن الطرفين توصلا إلى سلسلة من الاتفاقات، من ضمنها انسحاب “إسرائيلي” كامل من هضبة الجولان التي استولت عليها “إسرائيل” من سوريا خلال حرب عام 1967 من جهة، ووقف سوريا دعمها للجماعات المسلحة المناهضة ل”إسرائيل” في المقابل. إلا أن المسؤولين “الإسرائيليين” والأمريكيين نفوا علمهم بهذه المعلومات. وقال سيلفان شالوم، الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة الكيان الصهيوني في معظم تلك الفترة، إنه لم يطلع على تلك المحادثات إلا عن طريق الصحيفة، وقال إن آخر اتصال بين سوريا و”إسرائيل” يعلم به كان قد حدث في 2003. الجدير ذكره أن تقرير “هآرتس” قال إنه إذا قطعت سوريا اتصالاتها مع حزب الله وحماس وأبعدت نفسها عن إيران، ستسحب “إسرائيل” قواتها إلى بحيرة طبريا، لكنها ستبقي قبضتها على مياهها، وسيتم تحويل جزء كبير من هضبة الجولان إلى حديقة لفائدة كل من “الإسرائيليين” والسوريين على حد سواء، فيما يتم إخلاء الحدود من الجانبين من الجيش، على حد قول الصحيفة.

إن السلام بين سوريا والكيان الصهيوني، رغم إبداء رغبة الطرفين فيه، إلا أنه ليس سهلاً على الإطلاق، وهو يشبه في تعقيداته الحالة اللبنانية، التي تتحكم بأوراقها أطراف إقليمية ودولية، وكذلك السلام السوري الصهيوني، إذ إن إقدام سوريا على عقد اتفاقية سلام مع الكيان يعني أنها ستدير ظهرها لحزب الله والمنظمات الفلسطينية، كما أنها ستجري عملية فصل بين مسارها واستراتيجية إيران في الشرق الأوسط وصراعها مع الولايات المتحدة. إذ يبدو من الجلي أن نفوذ إيران في الساحة السورية، وعلى القرار السوري ليس هيناً، لأن إيران كما يبدو، تواجه أمريكا أيضا بالورقة السورية وليس فقط بورقة العراق، وحين تدخل المفاوضات، فإنها تتسلح بهاتين الورقتين الدسمتين، وقد ظهر هذا جلياً خلال الأيام الأخيرة، حين قررت إيران وأمريكا الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشأن العراق، فإنها طلبت إلى سوريا إلغاء مؤتمر “القوة العراقية المناهضة للاحتلال” الذي كان مقررا عقده في دمشق، وذلك بعد أن كان مئات المدعوين، وبينهم أعضاء في حزب البعث العراقي المحظور، وضباط في قوات الأمن التابعة لنظام صدام حسين، فضلاً عن زعماء عشائر معادية للولايات المتحدة، قد تجمعوا في العاصمة السورية، وكان الهدف من التجمع الخروج ببرنامج مشترك للمجموعات التي تعارض استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق. ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء في 24 يوليو 2007 عن عضو بارز في حزب البعث قوله “لقد أوضح السوريون بلطف أن هذا ليس الوقت المناسب لذلك”. وربط بعض المشاركين بين إلغاء الاجتماع وزيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى سوريا مؤخراً، حيث صدر بيان بعد الاجتماع بين نجاد والرئيس السوري بشار الأسد، جاء فيه أن الزعيمين مصممان على الحاجة “لإنهاء الاحتلال الأمريكي للعراق”، ولكنهما أشارا أيضا إلى الحاجة لدعم الحكومة العراقية “وإدانة الإرهاب ضد الشعب العراقي ومؤسساته”. ولا يخفى على أحد العلاقة المتينة التي تربط إيران بعدد من رموز الحكم في العراق.

إن تحقيق السلام في الشرق الأوسط، يتطلب أكثر من اتفاق صهيوني سوري فلسطيني إيراني أمريكي عربي، إنه يتطلب أيضاً اتفاقاً أمريكياً - أوروبياً - روسياً، فالكل له مصالح في المنطقة، التي تتمتع بموقع استراتيجي مهم، وبآبار نفطية لا تزال الشريان الرئيسي لحركة الصناعة في العالم.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)