لم تعد الكهرباء في هذا العصر مجرد طاقة بديلة ونظيفة وسهلة النقل ، كما لم تعد مجرد حاجة للاستضاءة أو تشغيل بعض المحركات ، بل اصبحت اداة معيارية يقاس بها تقدم الشعوب والمجتمعات والامم حتى اصبح تشجيع الناس على استهلاك الكهرباء موازيا تماما للتشجيع على العلم والمعرفة ، فاستهلاكها يعني التشغيل الذي بدوره يعني الانتاج بغض النظر عن نوعيته ترفيها أو اعلاما كان أو بضائع وسلع وفلزات .

ويصعب القول أن هناك خطة اقتصادية او اجتماعية دون وجود الكهرباء بداهة وليس كعامل محسوب ومخطط له ، لأن الحاجة المتزايدة اليها ، تضعها في موقع الطلب السلعي عليها مما يحملها المسؤولية ان تكون سابق لا لاحقة للخطط وأن تكون في موقع الاستثمار الناجح طالما أن الطلب عليها من بدهيات الحياة .

من المعيب أن نقول أن الناس يمكنها تحمل انقطاع الكهرباء ، لأن الناس تتحمل فعلا ولا لزوم لحثها على ذلك ، فالكهرباءليست مجرد حاجة فردية يمكن استبدالها بالشموع أو حتى بمواقد الفحم والغاز أو استخدام راديو الترانزيستور ذي البطارية . بل هي حاجة يجب أن تفيض دائما طالما أن هناك خطة استثمارية ( مثلا ) تريد استقدام عدد من المليارات خلال عدة اعوام للاستثمار أي انها جزء من البناء الفكري للخطة الاقتصادية للبلاد ، فاذا لم يكن هناك كهرباء فعلى ماذا اعتمدت هذه الخطة ؟ وكذا النهضة العلمية والطبية والغذائية وكل شيىء ،للتتحول ازمة كهرباء عابرة او مستديمة الى ازمة حكومة مع نفسها ومع بعضها ، أو بالاحرى أزمة ثقافية في الحكومة اذا لم تسارع في تصحيح الخلل ومحاسبة المفشل والمعرقل لعمل الخكومة ذاتها .

اعتقد اننا لن نعود الى ازمة كهرباء كما شهدنا في أزمة سابقة ، ولكننا في أزمة حكومة مع ذاتها ، فما يعمل عليه أحد اعضائها كمشروع اقتصادي او اجتماعي يفشله الثاني دون حسيب او رقيب ولا حتى خوف على على المشروع الذي يفترض ان الحكومة تبنته بمجموعها .

كيف لوزارة الاعلام أن تعمل اذا لم يكن لديها كهرباء كافية عندها وعند المتلقي لأعلامها ، وكيف للمطاحن أن تدور ، وكيف لمصانع ومشاريع الاستثمارات ان تستمر ، والاهم هو سمعتنا الاستثمارية كيف ستكون ؟؟ !!

يقال ثلاثة لا يمكن اخفاؤها الحب والحبل وركوب الجمل وبما ان الجمل تحول الى سيارة او طائرة ( ثقافيا ) فان ثالث الثلاثة سيكون انقطاع الكهرباء … فسترا بنا … وبنفسك يا حكومة …