مر عام عام على قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش تعيين مندوب عنه لمتابعة ما يسمى بمظاهر " اللاسامية " ومعاداة اليهود في أرجاء العالم على أسس عنصرية، ويوشك المندوب الجديد على تقديم تقريره السنوي الأول بهذا الشأن الى بوش، لكي يتم إتخاذ الإجراءات العقابية ضد الدول التي تسمح بمظاهر " اللاسامية " المزعومة. في نفس الوقت، تواصل لجان الكونغرس الخاصة إثارة الجدل حول ما يزعم عن " سوء معاملة " يتعرض لها الأقباط في مصر، وتهديد الكونغرس المتواصل بخفض قيمة المساعدات الأمريكية لمصر في حال لم تتوقف السلطات المصرية عن هذه الممارسات المزعومة. لكن الأمريكيين الذين يبدون كل هذه الحساسية تجاه قضية اللاسامية ومواقف الشعوب الأخرى من اليهود، ويحاولون ابتزاز النظام في مصر عبر فتح موضوع الإقباط بين الحين والآخر، تغض الطرف عن السياسة العنصرية التي تتعاطى بها إسرائيل ليس مع الفلسطينيين الذين يقطنون الضفة الغربية وقطاع غزة، بل أيضا فلسطينيي 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية؛ في الوقت الذي وصل فيه التعاطي العنصري مع هؤلاء الفلسطينيين حدوداً غير مسبوقة. ولعل أخطر ما بات يميز التعاطي العنصري اليهودي مع فلسطينيي 48 يكمن بشكل خاص في الطفرة في القوانين العنصرية التي سنتها الكنيست للتضييق على هؤلاء الفلسطينيين. فعلى مدى عام وثلاثة أشهر من تولي حكومة إيهود أولمرت الحكم، سنت الكنيست بدعم من قوى اليسار ويسار الوسط المشاركة في الإئتلاف خمس قوانين عنصرية بالغة الخطورة. فقد أقرت الكنيست مؤخراً قانون يحظر على " الصندوق القومي " الاسرائيلي أن يبيع أو يؤجر أراضي تابعة له لغير اليهود. وقد قدمت هذا القانون حكومة اولمرت التي يشارك فيها حزب العمل وجاء هذا القانون لتجاوز قرار سابق للمحكمة الاسرائيلية العليا قضى بتمكين غير اليهود من شراء وتأجر اراضي تعود للصندوق القومي الذي يملك ملايين الدونمات من الاراضي. وجاء هذا القانون بعد سلسلة من القوانين العنصرية الهادفة للتضييق على فلسطينيي 48، تمهيداً لاجبارهم على الرحيل عن أرضهم. فقد أقرت الكنيست قانون يمنح السلطات المحلية اليهودية الحق في منع العرب من العيش في مناطق نفوذها. وجاء هذا القانون بعد أن رفض المجلس المحلي في بلدة " ركيفت " اليهودية، السماح لزوجين من فلسطينيي 48 بالاستقرار في البلدة، بزعم أن " استيعاب عائلة عربية من شأنه ان يردع يهود آخرين من الوصول للسكن فيها ". كما أقرت الكنيست قانون يسمح بمحاكمة كل نائب عربي في الكنيست يقوم بزيارة دولة في حالة عداء مع اسرائيل. وقد تقدم بمشروع هذا القانون عدد من نواب اليمين وكان يقصد منه ردع النواب العرب عن زيارة سوريا على وجه الخصوص ولبنان والالتقاء بممثلي حزب الله والفصائل الفلسطينية. وجاء سن هذا القانون بعد أن تمت المصادقة على قانون يسمح بتقديم كل نائب للمحاكمة في حال قام بمهاجمة إسرائيل وطابعها اليهودي اثناء تواجده في الخارج. ومن أجل تحطيم الروابط بين فلسطينيي 48 واخوانهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد أقرت الكنيست قانون " المواطنة " الذي يحظر على فلسطينيي 48 العيش مع زوجاتهم او ازواجهم في حال تزوجوا من الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أن القانون قد نزع الحقوق التي تمنح عادة لزوجات او اطفال فلسطينيي 48 الذين سبق لهم التزوج من فلسطينيات من الضفة وغزة قبل اقرار القانون. ولم يفت الكنيست العنصري أن يسن قانوناً يهدف الى تقليص الثقل الديموغرافي لفلسطينيي 48. حيث أقرت الكنيست قانون سمح بخفض مخصصات الضمان الاجتماعي للمنوحة للعائلات كثيرة الاولاد. وقد برر النواب الذين تقدموا بمشروع القانون تقديمه بالقول أنه جاء لدفع فلسطينيي 48 لتقليص اعداد مواليدهم. وسبق لوزير المالية الاسبق بنيامين نتنياهو الذي يتزعم حزب الليكود المعارض أن تباهى بأنه ساهم في خفض عدد المواليد لدى العرب لأنه اصر على خفض مساعدات الضمان الاجتماعي الممنوحة للاسر كثيرة الاولاد، مع العلم أن معظم فلسطينيي 48 لهم عائلات كثيرة الاولاد.وجاء سن هذا القانون في الوقت الذي اعلنت فيه منظمة " سيكوي " الاسرائيلية المتخصصة في تتبع ظورف معيشة فلسطينيي 48 أن الحكومة الاسرائيلية تقوم بالتمييز بشكل سلبي ضد فلسطينيي 48 في مجال هبات الضمان الاجتماعي. وحسب ما وردة في المعطيات التي قدمتها " سيكوي "، فأن الحكومة الاسرائيلية تنفق 379 شيكل ( ثمانين دولار ) بالمتوسط السنوي على المواطن اليهودي، مقابل 246 شيكل فقط ( خمسين دولار ) على المقيم العربي. كما أن التمييز العنصري ضد فلسطينيي 48 انتقل للقضاء. ففي دراسة أكاديمية أجرتها كلية العلوم الاجتماعية بجامعة تل أبيب، أثبتت الباحثة تبيت تورجمان، أن القضاء الاسرائيلي يفتقر للنز اهة في عدة حالات ويصدر أحكاما مبنية على التمييز ضد فلسطينيي 48. وشملت الدراسة 1200 قضية جنائية في المحكمتين المركزيتين في الناصرة وحيفا. وتناولت القضايا التي تتشابه فيها التهم وتتشابه فيها حالات المتهمين (عرب ويهود)، وخرجت بالنتيجة ان هناك تمييزا واضحا ما بين المتهم العربي واليهودي والأحكام تكون مختلفة في حالة كون الضحية عربيا أو يهوديا.

بالطبع، فلأن ضحايا التمييز العنصري في هذه الحالة هم عرب فلسطينيون، فأن هذا لا يحرك ضمير بوش والكونغرس، وإسرائيل لا تنال لقاء ذلك إلا المزيد من الدعم والمساعدات المالية والعسكرية. في نفس الوقت، فأن هناك انتقائية أمريكية بغيضة في التعاطي مع حقوق الإنسان في العالم العربي. فمما لا شك فيه أن أوضاع حقوق الإنسان فيما يتعلق بالأقباط في مصر هي أفضل ألف مرة من أوضاع اعضاء جماعة الأخوان المسلمين الذين يتعرضون للاعتقال التعسفي وتصادر حريتهم ويمنعون من ممارسة حقوقهم السياسية، مع أنهم التنظيم الأكبر والأوسع في مصر، لكن لأنهم إسلاميون فلا بأس أن يقمعوا وتنتهك حرماتهم، وفق المعايير الأمريكية المقلوبة.