ارتفاع بعض الاصوات الداخلية بالمطالبة بالبت من مصير سلاح المقاومة على اثر انتصار المقاومة التاريخي في عدوان يوليو واغسطس 2006 تخفي وراءها جملة اهداف لم تعد خافية على احد ومن هذه الاهداف نزع سلاح المقاومة كونه مطلبا اميركيا - اسرائيليا ولتحقيقه لابد من شن حملة تحريض على سلاح المقاومة وقد اوكل لقوى 14 شباط القيام بها كجزء من تسديد فاتورة الدعم الاميركي لهذه القوى ولا يقتصر الامر على هذا الجانب الخطير بل يتعداه الى ما هو اخطر حيث شكل ارتفاع منسوب الحديث عن مصير سلاح المقاومة غطاء لحركة التسلح المنظم حتى تقوم بها قوى 14 شباط.
لماذا التسلح؟
الاتجاه نحو التسلح من قبل قوى 14 شباط اصبح اساسيا وجديا بعد ان ادركت هذه القوى عدم قدرتها على استكمال انقلابها بالسيطرة على جميع مفاصل مواقع الحكم وخاصة رئاسة الجمهورية ومؤسسة لجيش اللبناني ولهذا بدأت عملية التسلح والاستعداد لتحصين مواقع نفوذها والعمل على شحن النفوس طائفيا ومذهبيا واستعادة لغة الحرب والدعوة الى الكانتونات والتي صاحبها بروز دعوات للامن الذاتي اثر كل انفجار او جريمة اغتيال وكأن من ينظم الاغتيالات وعمليات التفجير يريد الى جانب الهدف السياسي منها تبرير التسلح واحياء مشروع التقسيم والفيدرالية باعتباره قارب النجاة لكل من رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
على ان هذه الدعوات كانت تصاحبها ايضا مطالبة بتدويل الوضع اللبناني وتعزيز الوصاية الاجنبية والاستقواء بالتدخل الاميركي - الفرنسي من اجل نشر قوات دولية اطلسية في لبنان وعلى الحدود في اطار تستهدف استكمال الانقلاب في لبنان وتحويله الى مقر وممر للتآمر على سوريا.
ثمة دلالات واضحة تؤشر على تسلح قوى اساسية في فريق 14 شباط وعلى دور اميركي غير ملتبس في تمويل شراء السلاح وتهريب اسلحة تستخدم في عمليات سرية.
المؤشرات الاولى على تسلح قوى 14 شباط ظهرت في جانب القوات اللبنانية التي عمدت في اطار خطة منظمة الى اعادة تنظيم ميليشياتها عبر تجميع عناصرها التي انضوت في صفوفها خلال الحرب الاهلية وتوزيعهم على مجموعات عسكرية واجراء تدريبات بالذخيرة الحية في الارز وجرد وفي منطقة شعتول في فتوح كسروان وسرعان ما تأكد ذلك عندما ضبطت قوة من الجيش اللبناني تسعة عناصر من القوات في فتوح كسروان يتدربون على السلاح والرماية وتم اعتقالهم ومصادرة اسلحة كانت بحوزتهم هي عبارة عن بنادق "ام تي 5" و"ام16" و"ايكي اف" ومجموعة مسدسات حديثة من طراز غلوك بالاضافة الى اجهزة لاسلكية متطورة جدا وكذلك ثلاث سيارات جيب تحمل رقما واحدا ودهنت بالبني والاسود.
وقد اقر الموقوفون التسعة بانتمائهم الى جهاز الحماية في القوات اللبنانية لكن ما لفت الانتباه واثار الاسئلة الكبيرة هو اكتشاف خريطة لمنطقة الرابية كانت موجودة في احدى السيارات بالاضافة الى صورة شمسية لشخصية سياسية لبنانية بارزة يعتقد انها تعود للنائب ميشال عون الى جانب اعتراف ستة من الموقوفين بانهم كانوا قبل حل القوات في العام 1994 من عداد قوة الصدم التي كانت وقتذاك تضم اكثر من اربعين مقاتلا وقد استعادت القوات حسب المعلومات حوالي الثلاثين منهم منذ سنة تقريبا ومعظمهم كانوا خارج لبنان بينهم مسؤول الامن الشخصي لسمير جعجع في الارز حاليا.
وافادت المعلومات ان التحقيقات الاولية مع هذه المجموعة ادت الى اعتقال 22 عنصرا من القوات اللبنانية بعد ان اعترف عليهم رفاقهم. وبالرغم من ان القوات سارعت الى الادعاء ان العناصر التسعة هم من ضمن قوة الحراسة الشخصية لمدير عام المؤسسة اللبنانية للارسال الا ان عدم وجود تراخيص بالسلاح والتدريبات والمكان وضبط بعض الوثائق في السيارات وارقام موحدة للسيارات المصادرة عزز الاعتقاد في اتجاهين:
الاول: عمل القوات على الاستعداد عسكريا من خلال تجميع عناصر القدامى والقيام بتدريبات عسكرية.
الثاني: احتمالات ضلوعها في تنفيذ الاغتيالات والتفجيرات التي حصلت في اكثر من منطقة لبنانية وخاصة اغتيال الوزير بيار الجميل في وضح النهار وبشكل يؤكد ان المجموعة المنفذة نفذت العملية بحرية كاملة وهي تعرف المنطقة جيدا وبعد العملية اتجه افرادها الى عمق المتن ولم يقتصر الاثر على هذه الواقعة بل هناك وقائع اخرى تؤشر الى دور القوات في استقدام الاسلحة الى مناطق وجودها وسيطرتها.
الواقعة الاولى: اكتشاف الشبكة الاسرائيلية التي كان يرأسها محمود رافع والذي كان يقيم في شاليه في منطقة طبرجا قرب جونيه حيث كانت اسرائيل تزوده بالاسلحة والعبوات الناسفة التي افادت التحقيقات بانه كان يسلمها الى جهات محلية فيما تبين انها من ذات النوع الذي استعمل في بعض الاغتيالات التي حصلت وقد اعترف باغتيال الاخوين مجذوب في صيدا وافاد موقع اسرائيلي بان رافع استقبل عميلين اسرائيليين في بيروت دخلا بجوازات مزورة قاما بزرع باب متفجر في سيارة مجذوب وسافرا بعد ا تمام العملية "ديلي ستار 6/2/2007 .
واذا كان لا يوجد دليل موثق على الجهات المحلية التي كانت تتسلم العبوات الناسفة من العميل رافع الا انه من الطبيعي ان تتجه الانظار صوب القوات اللبنانية المعروفة بعلاقتها بـ "اسرائيل واستمرارها في ذات سياستها القديمة التي تعتبر ان سوريا هي العدو.
والواقعة الثانية: الحديث عن تلقي القوات اللبنانية شحنات اسلحة خلال حرب تموز وان هذه الشحنات وصلت عبر البحر.
وسط الصراع السياسي وبعد ان شعر جنبلاط بان النيل من المقاومة ومحاولة تحويل الجيش اللبناني الى اداة في خدمة مشروع الانقلاب الاميركي الفرنسي لضرب ومحاصرة المقاومة غير ممكن بدأ العمل على اعادة احياء ميليشياته المسماة الجيش الشعبي حيث عمد الى استدعاء عناصره ودفع الرواتب الشهرية لهم في وقت ترافق ذلك مع تسريب معلومات عن اجتماع عقد بين السفير الفرنسي والنائب جنبلاط طلب خلاله الاخير تزويده بالسلاح عبر مرفأ الجيه ودعم مشروع اقامة الكانتونات في لبنان.
ومع ان هذه المعلومات غير موثوقة فان تصريح جنبلاط الاخير من واشنطن 28/2/2007 اكد هذا التوجه لديه حيث لم يتردد في القول خلال محاضرة له انه جاء الى العاصمة الاميركية للحصول على المساعدات السياسية العسكرية لمواجهة ما زعمه بالاحتلال السوري غير المباشر للبنان وحزب الله الذي اتهمه بان رأس حربة للنفوذ السوري وعندما سئل جنبلاط في خلال لقاء صحفي عما اذا كان حزبه يتسلح فرد قائلا دون ان ينكر تلقيه السلاح، انه اساسا لم يسلم كل سلاحه بعد اتفاق الطائف، وقد أبقى على الكثير من مخازن السلاح في الشوف، وقد سجلت العديد من الوقائع التي تؤكد هذا التوجه الجنبلاطي:
1 ــ اقامة معسكرات تدريب وتأهيل لعناصر الحزب في العديد من مناطق الجبل، وقد كشف الوزير السابق وئام وهاب عن اجراء تدريبات عسكرية استخدمت فيها الذخيرة الحية في منطقة الباروك.
2 ــ تسيير دوريات أمنية واقامة حواجز طيارة في العديد من مناطق الجبل تقوم بايقاف المواطنين والتدقيق في هوياتهم وتفتيش سياراتهم، بما يذكر بالعودة الى سلطة الإدارة المدنية السابقة التي سادت خلال الحرب الأهلية.
3 ــ ارسال مئات العناصر الى بيروت وتوزيعهم في منطقتي كلمينصو ووطى المصيطبة وبعض فنادق بيروت.
4 ــ مصادرة شاحنة سلاح للحزب التقديم أواخر شهر فبراير في منطقة بشامون بمنطقة اليهودية، وكان من اللافت انه جرى التعتيم على الخبر من قبل السلطة التي عادة ما تسارع الى الإعلان وشن حملة إعلامية عندما يتعلق الأمر بمصادرة شاحنات أسلحة للمقاومة كما حصل مع شاحنة الأسلحة التي صودرت مؤخرا في مستديرة الصياد، وكذلك عندما تم مداهمة مستودع سلاح قديم للحزب السوري القومي الاجتماعي في منطقة الكورة كان يستخدمه في مقاومة الاحتلال "الاسرائيلي".
أما تيار المستقبل الذي لم يكن لديه ميليشيا في السابق، فقد عمل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بشكل حثيث على انشاء ميليشيا عبر تدريب وتجنيد المئات من الشباب الذين قدم لهم اغراءات مالية الى جانب توفير الضمان الصحي الاجتماعي، وقد تقاطعت جميع المعلومات حول ذلك أكثر من مصدر داخلي وخارجي.
داخليا: أول مرة اكتشف فيها أمر المباشرة في تنظيم ميليشيا للمستقبل عندما راجت معلومات في بيروت والعديدمن المناطق عن طلبات انتساب للتفرغ في تيار المستقبل، توزع على الشباب، وتبين في وقت لاحق صحتها، حيث يطلب من المنتسب املاء بيانات مفصلة عن وضعه، وفيما لوحظ ان هذه الطلبات مدون عليها عبارة "يقدم الى القائد أحمد الخطيب" المعروف بانه كان قائدا لجيش لبنان العربي خلال الحرب الأهلية، واضطر أخيرا الى اصدار بيان يعلن فيه نفيه ان يكون قائدا عسكريا لميليشيا المستقبل. لكن هذا النفي لا يمكن ان يلغي واقعة موثقة في طلب الانتساب.
وبعد ذلك بفترة قال النائب ولي عيدو: سنبيع دماءنا لشراء الأسلحة لمواجهتهم "المعارضة" ولن ندعهم أبدا يسيطرون على البلد.
خارجيا: أكدت العديد من المصادر المعلومات عن تدريب لعناصر من تيار المستقبل في الخارج:
1 ــ الشركة الأمنية الخاصة ستراتفورد اصدرت تقريرا في يناير الماضي ذكرت فيه ان التكتل السني في لبنان الذي تقوده عائلة الحريري ويحظى بدعم دول عربية أرسل عددا من مقاتليه الى الأردن والسعودية ومصر لتلقي تدريبات عسكرية.
وذكر التقرير انه تم نقل فريق من الرجال من مناطق الشمال الى بيوت آمنة حول وسط بيروت وجرى تزويدهم بالسلاح لاستخدامهم في صدامات كالتي وقعت في 23 و25 يناير 2007 "راجع جريدة القبس الكويتية تاريخ 5/3/2007.
2 ــ نقل الصحفي الأميركي سيمور هيرش عن مصادر أميركية بأن هناك أموالا بعضها أتى من العراق من أموال النفط التي اختفت، لتنفيذ عمليات سرية ضد الدول الأخرى، مشيرا الى ان الولايات المتحدة دعمت ثورة الأرز بالكثير من المال والمساعدة، وبشكل غير مباشر يعرف الأميركيون ان هناك أموالا وزعت على مجموعات أخرى، وان هناك ثلاث مجموعات حتى الآن في لبنان تم دعمها من خلال اطراف داخل بعض أجهزة الأمن.
3 ــ تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في 20/3/2007 بان "هناك حركة تدريب وتسليح جارية تحت عناوين مختلفة من الدفاع المدني ومنها شركات أمنية والأعداد أصبحت بالآلاف".
4 ــ إعلان الرئيس السوري بشار الأسد عن ضبط الجمارك السورية شاحنة أسلحة في منطقة العريضة الحدودية آتية من العراق لقوى 14 شباط.
دور السفارة الأميركية في تهريب السلاح
لم يتوقف الأمر على دور الأطراف الرئيسية في قوى 14 شباط على زيادة تدريبات عناصرها والتزود بالسلاح الذي يشتريه المال كما قال الصحفي سيمور هيرش، بل ان السفارة الأميركية في بيروت كان لها قسطها ايضا، حيث عملت على تهريب السلاح النوعي الذي يستخدم للقيام بعمليات سرية في خدمة المخطط الأميركي، وذلك عبر طرود وصلت عن طريق مطار بيروت اكتشفت بالصدفة يوم 7/2/2007 حيث أكدت الجمارك في المطار ان هناك 750 طردا جاءت تحت اسم معدات كهربائية تبين لدى معاينتها انها تحتوي دروعا واقية للرصاص ومعدات أخرى منها عصي كهربائية وأشياء لم يعرف ما هي، وقد اعترفت السفارة بذلك وزعمت ان هذه المواد طلبتها قوى الأمن لعناصرها وان الولايات المتحدة فخورة بمساعدة الحكومة اللبنانية.
لكن الوقائع كشفت عدم صحة هذه الرواية، لأن السفارة عندما طلبت اعفاءها من الرسوم الجمركية على هذه الطرود، على أساس انها قطع معدات كهربائية، وهو ما يعتبر مخالفة للقوانين اللبنانية وعمل غير شرعي.
2 ــ الحادثة الثانية: ظهور مسلحين تابعين للقوات اللبنانية والحزب التقدمي، في العديد من المناطق، وقيامهم بدور قمع المعارضين المعتصمين في الطرقات يوم 23 يناير الماضي ونقلت شاشات التلفزة صورا لعناصر من التقدمي يطلقون النار على أنصار الوزير السابق وئام وهاب في الجاهلية وكذلك صورا لعناصر من من ميليشيا القوات اللبنانية يحملون السلاح والعصي ويعتدون على أنصار التيار الوطني الحر في الدورة.
الحادثة الثالثة يوم 25 يناير وكانت الاكثر خطورة حيث انتشر مسلحون من تيار المستقبل والحزب التقدمي في الأبنية المحيطة بجامعة بيروت العربية وقاموا باطلاق النار على الطلاب وذويهم وعناصر الجيش اللبناني مما ادى الى استشهاد ثلاثة طلاب وجرح حوالي 40 جنديا وقد تبين أن ذلك أتى ضمن خطة منظمة تهدف الى تفجير الفتنة عبر دفع المعارضة الى الرد على هذا الاعتداء الخطير الا أن المعارضة ادركت الفخ المنصوب لها فقطعت الطريق على المخطط عبر ممارسة عملا تعبويا مكثفا لتطويق ذيول ما جرى.
خلاصلات
يبدو واضحا مما تقدم أن اتجاه قوى 14 شباط نحو تنظيم ميليشيات مسلحة وتدريبها وتسليحها تحت لافتات متعددة همها الاساسي هو:
1- العمل على خلق المناخات المواتية من أجل إحياء مشروع الكانتونات والتقسيم واستغلال كل عملية اغتيال أو حدث تفجير من أجل إحياء الشعارات التي تدعو الى الأمن الذاتي وهو ما ظهر مؤخرا اثر تفجير الحافلتين في عين علق.
2- التصدي لقوى المعارضة لمنع التغيير الديمقراطي السلمي وحماية السلطة القائمة غير الشرعية ونفوذها فيها لأن هذه القوى لم تتمكن من تحويل الجيش الوطني الى اداة في خدمة مخططها وهو ما حصل في يوم الاضراب الذي نفذته المعارضة في الثالث والعشرين من شهر يونيو الماضي.
لكن ما يحول دون تحقيق هذه الاهداف التي تسعى اليها قوى 14 شباط على وجه الخصوص القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي ان اللبنانيين لا يريدون العودة الى الحرب الاهلية ولذلك أظهر استطلاع للرأي اجراه مؤخرا مركز بيروت اثر أحداث الجامعة العربية أن اغلبية اللبنانيين لا يؤيدون المواقف التي يطلقها جنبلاط وسمير جعجع فيما قيادات المعارضة التي تمثل الاغلبية في الشارع اللبناني لديها قرار واضح بعدم الانجرار الى الفتنة والحرب الداخلية وأن تحركها سيبقى سلميا حتى تحقيق مطالبها. ولذلك فإن هذا الواقع جعل من السلاح الذي تتزود به قوى 14 شباط منبوذا باعتباره سلاح فتنة ولا يمكن بأي حال أن يشبه بسلاح المقاومة أو أن يبرر حملة تحت لافتة أن حزب الله يملك السلاح لأن سلاح حزب الله هو سلاح شرعي لمقاومة اسرائيل ولم يستخدم في الداخل بينما سلاح قوى 14 شباط سلاح الحرب الاهلية والفتنة لم يوجه لمقاتلة اسرائيل في اي مرة اعتدت فيها على لبنان خصوصا أن القوات اللبنانية كانت معروفة بعلاقاتها الامنية والسياسية مع اسرائيل أما الحزب التقدمي فإنه رحب بالجيش الاسرائيلي في الجبل وكانت بعض قياداتها تتعامل معه وتسيرفي مقدمة الدوريات الاسرائيلية فيما استقبال جنبلاط شيمون بيريز في قصره