إذا كانت الانتخابات اللبنانية شأن داخلي لكن الإدارة الأمريكية استبقت أي نتائج، وأرادت أن تعطي "سمة" العولمة إلى "واقعة" إن صح التعبير، فالرئيس الأمريكي مارس حربا إعلامية، سواء بالتهديد أو بالإيماء، عندما حذر يوم الجمعة، قبل 48 ساعة من بدأ الانتخاب، من المساس بحكومة السينيورة.

بالطبع لإن التصريح لا يعود بنا إلى مرحلة "حرب فيتنام" لأن الظرف السياسي في لبنان مختلف، في وقت لا ترى الإدارة الأمريكية أي مجال للتراجع عن التصريحات. فانتخابات يوم الأحد يمكن ان تقرأ على مساحة من "الإرباك" في الشرق الأوسط، أكثر من كونها منافسة سياسية داخلية، على الأخص أن الزمن الذي يمر بطيئا على منطقتنا يحمل تسارعا خاصا داخل الإدارة الأمريكية، فالمؤشرات الأولى هي في طبيعة التصريحات الأمريكية، أو في رؤيتها للحدث الداخلي، لأنها على ما يبدو تعرف أن الانعكاسات ستمس استراتيجيتها بالدرجة الأولى، وهي في المقابل وضعت الشرق الأوسط في سلة واحدة.

والانتخابات الفرعية في لبنان إقليميا لا يمكن النظر إليها بالأرقام فقط، لأن حجم الحشد السياسي على ما يبدو يضعها ضمن تشكيل الصراع السياسي القائم، فبالنسبة للبنان فإن عائلة "الجميل" ليست الخاسر في هذه الانتخابات، إنما طبيعة الانقسام السياسي الذي خلفته داخل شريحة واحدة في لبنان. فالزخم في التنافس ابتعد عن الشكل السياسي وتم تحميله العديد من المعطيات الاستراتيجية المتعلقة بالمنطقة إجمالا، وحتى مع صدور النتائج فإن أمين الجميل زج بسورية داخل "انتخابات المتن". هذا الأمر أعاد فرز المشتركين على قاعدة إقليمية وليس لبنانية.

الخاسر الوحيد من هذا "الصراع" هو الناخب نفسه الذي وجد نفسه أمام مقعد برلماني لكنه في المقابل يلخص كل عمليات الفرز التي تقوم بها الولايات المتحدة بدء من محور الشر والخير عالميا، ومرورا بالاعتدال والتطرف في الشرق الأوسط وانتهاء بفرز الفلسطينين بين حكومتين على "دولة افتراضية".

لا نعرف بالضبط إلى أين ستنتهي هذه المعارك التي كانت تظهر في بداية رئاسة جورج بوش الأولى "حربا استباقية"، وأصبحت مع نهاية رئاسته الثانية "انكسار" داخل الشارع السياسي في الشرق الأوسط. فالانقسامات التي تحدث اليوم لا يتم بناؤها على قواعد سياسية أو برنامج، بل تتخذ طابعا حديا، ويتم استعادة "الصراعات" المذهبية على قاعدة سياسية، رغم أن كل المؤشرات لا توحي بأن الخلافات لها علاقة بالماضي، بل هي نتائج واضحة إعادة رسم "دول الشرق الأوسط" وفق خارطة لم تتبلور بعد داخل "الاستراتيجية الأمريكية"!!!