8000 جندي يحرسونها لكنهم يفتقرون إلى التدريب والتسليح
أمن الحدود.. معضلة أمام القوات الأممية في لبنان

برفق يصب ’’علي محمد’’ وعاء آخر من الديزل في برميل، يخرج منه خرطوم مطاطي، يصب في خزان مخبأ في مؤخرة عربة شحن ستنطلق بعد قليل من الوقت على الطريق المؤدي إلى بيروت حيث يتم بيع الديزل السوري المهرب في سوقها السوداء.

ومن المعروف أن العشرات من القرى اللبنانية النائية الواقعة في البقاع الشرقي، والهاجعة في أحضان الجبال الوعرة التي تشكل الفاصل الحدودي بين سوريا ولبنان، تعتمد على تهريب البضائع من سوريا مثل الديزل والسجائر والإسمنت للاستفادة من فروق الأسعار بين الدولتين.

لم يكن ذلك يمثل مشكلة، ولكن المشكلة بدأت بسبب ما يتردد عن عمليات تهريب للأسلحة ونقل للمقاتلين من سوريا إلى لبنان، وهو ما لفت انتباه الأمم المتحدة، وجعلها تفكر في نشر قوات تابعة لها على امتداد الحدود المليئة بالثغرات بين الدولتين.

ففي الأسبوع الماضي أعرب مجلس الأمن الدولي عن ’’قلقه العميق’’ بشأن البلاغات المتكررة عن عمليات تهريب للأسلحة وإعادة تسليح للمقاتلين في لبنان’’.

ويذكر أنه يوجد هناك زهاء 8000 جندي لبناني على امتداد الحدود مع سوريا، ولكنهم يفتقرون إلى التدريب والتسليح اللازم الذي يمكنهم من إحباط عمليات تهريب الأسلحة، علاوة على أن المراقبين في لبنان يقولون إن الجيش اللبناني، يفتقر إلى الإرادة اللازمة لمنع عمليات تهريب الأسلحة إلى ’’حزب الله’’ القوي في لبنان.

ويقول زعماء ’’حزب الله’’ إنهم قد تمكنوا من تعويض ما فقدوه من أسلحة في حرب الصيف الماضي مع إسرائيل، بل وحصلوا على المزيد من الأسلحة. ويعتقد على نطاق واسع أن الأسلحة الجديدة التي حصل عليها ’’حزب الله’’ قد جاءت عبر الحدود السورية، على الرغم من أن فريقاً لتقصي الحقائق تابع للأمم المتحدة أفاد في يونيو الماضي أن قوات حرس الحدود اللبنانية لم تضبط سوى بعض البضائع التجارية المهربة فقط. ويذكر أن الولايات المتحدة وإسرائيل تدفعان نحو نشر زهاء 13,300 جندي من جنود قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة(يونيفيل)- التي تعمل حالياً في جنوب لبنان- وذلك على امتداد خط الحدود مع سوريا للحيلولة دون تهريب الأسلحة ولكن الخبراء يقولون إن الأمم المتحدة قد تتجنب نشر قوات في القرى اللبنانية النائية الواقعة في المناطق الحدودية الجبلية بين البلدين، بسبب معارضة ’’حزب الله’’ وسوريا لهذه الخطوة، خصوصاً وأن الأخيرة قد وصفت نشر مثل تلك القوات على حدودها بأنه يمثل’’ عملاً عدائياً’’.

تعليقا على ذلك يقول ’’تيمور جوسكيل’’ المحاضر الجامعي في بيروت والذي خدم ضمن قوة ’’اليونيفيل’’ في جنوب لبنان:’’ إن نشر قوات على امتداد الحدود السورية اللبنانية سيستلزم إجراء تعديل على التفويض الممنوح لليونيفيل، ولا اعتقد أن الحكومة اللبنانية أو الحكومات المساهمة في قوة اليونيفيل تريد نشر قوة جديدة على امتداد الحدود تحسباً لردود فعل سوريا وحزب الله’’. ومن المعروف أن المناخ السائد في جنوب لبنان الذي اعتاد سكانه على وجود قوات حفظ السلام الأجانب يتميز بالهدوء، مقارنة بالمناخ السائد على الحدود الشرقية للبنان مع سوريا، حيث تلعب الولاءات السياسية والعصبيات القبلية دوراً أكثر أهمية من الدور الذي تلعبه أجهزة الدولة اللبنانية في المنطقة. وكان فريق الأمم المتحدة المكلف بتقصي الحقائق على الحدود السورية- اللبنانيــة قد قدم اقتراحاً يتضمن تنفيذ برامج اقتصادية واجتماعية، لتوفير مصادر بديلة للدخل لسكان المناطق الحدودية حتى يتوقفوا عن عمليات التهريب، ولكن المشكلة أن سكان تلك المناطق لا يصدقون وعود الأمم المتحدة.

وأي قوة أمنية تابعة للأمم المتحدة ستكلف بالعمل عبر الحدود لن تجد نفسها مضطرة إلى التعامل مع المهربين فقط، ولكن أيضاً مع مقاتلي ’’حزب الله’’ الذين تعج بهم معسكرات التدريب التابعة للحزب في المنطقة، وكذلك مع القواعد العسكرية للمنظمات الفلسطينية التي تدين بالولاء لسوريا مثل ’’الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين’’- القيادة العامة، وهي قواعد تتصل بالأراضي السورية بواسطة دروب ترابية غير محروسة تستخدم عادة في تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى لبنان. ويقول فريق الأمم المتحدة المكلف باستقصاء الوضع في منطقة الحدود أن تلك القواعد الفلسطينية تمثل ’’عقبة كبيرة’’ أمام نشر قوات تابعة للأمم المتحدة في المنطقة على الرغم من أن الحكومة اللبنانية قد قررت بعد أن حصلت على موافقة بالإجماع من مجلس النواب إغلاق تلك القواعد خلال 6 شهور، ولكنها لم تتمكن من الالتزام بوعدها، كما أنه من غير الواضح ما إذا كان الجيش اللبناني المكلف بأعباء تفوق طاقته والذي يخوض حرباً دامية ضد تنظيم ’’فتح الإسلام’’ في مخيم نهر البارد بالقرب من طرابلس، ستكون لديه القدرة على خوض مواجهة جديدة أم لا.ومما يفاقم من حجم المشكلة أن الحدود بين سوريا ولبنان والتي تمتد لمسافة 198 ميلا لم يتم أبداً ترسيمها بشكل رسمي أبداً ولازالت حتى الآن تعتمد على الخرائط التي رسمها جغرافيون فرنسيون عسكريون عام .1920 ويذكر في هذا الصدد أن جماعة لبنانية مناهضة لسوريا قد نشرت الشهر الماضي تقريراً قالت فيه إن سوريا لا تزال تواصل احتلال 177 ميلاً مربعاً من الأراضي اللبنانية الواقعة على امتداد الحدود بين البلدين، وهو ما يمثل 4,5 في المئة من المساحة الإجمالية للبنان على الرغم من أن الأمم المتحدة قد أكدت أن سوريا قد سحبت كل قواتها من ذلك البلد. ويذكر أن النزاعات على الحدود بين لبنان وسوريا كثيراً ما تؤدي إلى نشوب معارك بالسلاح بين سكان القرى الواقعة على الحدود، خصوصاً وأن هناك قرى تابعة للبنان يتم فيها زراعة محاصيل زراعية مثل المشمش بواسطة مزارعين سوريين يعملون تحت حماية قوات بلادهم.

يعلق عمدة إحدى القرى اللبنانية الواقعة في تلك المنطقة على ذلك الوضع بقوله:’’ قد تجد أحياناً أراضي تابعة للبنان داخل سوريا وفي أحيان أخرى تجد أراضي تابعة لسوريا داخل لبنان، وهو ما يؤدي إلى نشوء الكثير من المشكلات ومن المهم جداً أن يتم وضع علامات على الحدود حتى يكون الجميع على علم بها’’.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)