لأن إسرائيل لا تريد أن تدفع الثمن الحقيقي لسلام كامل مع العرب، يعيد كامل الأرض المحتلة بعد حرب67 مقابل تطبيع كامل للعلاقات العربية الإسرائيلية، وبرغم حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت البالغ إزاء فرص التسوية الشاملة، وإصراره على إشراك السعودية ودول الخليج في مؤتمر الخريف القادم، الذي لا ينبغي له، من وجهة نظر أولمرت، أن يتعرض لقضايا التسوية النهائية، الحدود والقدس والمستوطنات، التي ينبغي أن يظل مجالها الوحيد التفاوض المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتعرض رئيس الوزراء أولمرت لضغوط شديدة من حليفة الجديد إيهود باراك، رئيس حزب العمل، الذي تولى مسؤولية وزارة الدفاع خلفا لعمير بيرتس، الذي لا يطالب فقط بحضور السعودية الى مؤتمر الخريف، ولكنه يصر على أن تقدم الرياض اعترافا مسبقا بإسرائيل كدولة يهودية قبل حضورها المؤتمر. ويبدي تصلبا زائدا في قضية رفع الحواجز عن مدن الضفة لتشجيع التعاون الاقتصادي بين الضفة وإسرائيل، ويطالب أولمرت بألا تركض إسرائيل الى الأمام بسرعة أكثر مما ينبغي، لأن الرئيس أبو مازن ورئيس وزرائه فياض لن يقدرا على تغيير الواقع الفلسطيني الراهن، خصوصا أن الاثنين لا يملكان أي خبرة عسكرية، ومن المحظور على إسرائيل أن تقامر في قضية التسوية السياسية قبل أن تكون لهما قوة حقيقية على الأرض، وجهاز استخبارات ناجح، وقوات قادرة مستعدة لقتال حقيقي ضد حماس!

وبسبب اختلاف الرؤى بين رئيس الوزراء أولمرت ووزير دفاعه باراك الذي يزداد عمقا وتفاقما، وجد أولمرت نفسه مضطرا الى التراجع عن تنفيذ الاتفاق الذي وقعه قبل بضعة أسابيع مع الرئيس الفلسطيني حول التزام إسرائيل برفع أسماء 250 من كوادر فتح من قوائم المطلوبين، إذا قبلوا تحديد إقامتهم في مقار الأجهزة الأمنية الفلسطينية وسلموا أسلحتهم لفترة اختبار تطول الى ثلاثة أشهر قبل أن يتمتعوا بحرية الحركة الكاملة دون أن تلاحقهم السلطات الإسرائيلية ، وكانت حجة أولمرت في وقف تنفيذ الاتفاق الذي لم يجف مداده، أن أبو مازن لن يكون قادرا على فرض هذه الشروط على المطلوبين لأن تسليم الأسلحة يتم مقابل أموال تدفعها السلطة الوطنية للمطلوبين!

وتكاد تقول كل الشواهد، إن مؤتمر الخريف المقبل يمكن أن يكون مجرد قفزة في الهواء، يدفع ثمنها العرب، إذا لم تكن هناك ضمانات واضحة ومحددة تصدق عليها الأمم المتحدة، يلتزم بها جدول زمني معلن، يربط بين خطوط إقامة الدولة الفلسطينية على أرض الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية، والانسحاب من مزارع شبعا اللبنانية وهضبة الجولان السورية، وتطبيع العلاقات الإسرائيلية - العربية، أما أن يتواطأ الأميركيون والإسرائيليون على تجريد العرب من كل أوراقهم التفاوضية بالفصل بين التطبيع والانسحاب الكامل من كل الأرض العربية وقبل أن تصبح التسوية الشاملة واقعا عمليا ونصا لا يمكن قبوله، خصوصا أن الرئيس بوش سوف يغادر غير مأسوف على رحيله بعد 18 شهرا تاركا مصير التسوية معلقا في الهواء.

مصادر
الوطن (قطر)