لا خلاف على أن الطرف الفلسطيني الذي تبنى الأجندة الإسرائيلية الأمريكية هو الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن تبعات الأحداث التي انتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة. في نفس الوقت، فأن جملة القرارات والخطوات التي اتخذها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أعقاب ذلك تأتي للتساوق مع المشروع الإسرائيلي الامريكي. لكن هذا التشخيص لا يعفي حركة حماس من المسؤولية عن ضرورة التصرف بوعي سياسي أكثر نضجاً ومسؤولية وطنية أكبر، في ردها على خطوات أبو مازن وسياساته، وهي الحركة التي تشدد على أن المقاومة والتحرير تقع على رأس أولوياتها. وواضح تماماً أن انشغال حماس في الرد على ممارسات أبو مازن، فضلاً عن التحديات الجسام التي تواجه الحركة بعد سيطرتها على القطاع، تباعد بين حماس وبين هذه الأولويات. وما يتوجب التشديد عليه هنا، أنه يتوجب على حركة حماس ألا تقع أسيرة إغراء الفكرة القائلة بأنه من الممكن أن تبقى القوة الوحيدة التي تمسك لوحدها بزمام الأمور في قطاع غزة لأمد بعيد لإعطاء نموذج جديد للحكم، لأنه من المستحيل على حماس أن تنجح في إدارة شؤون القطاع في ظل ظروف الحصار الخانقة التي يتعرض لها، الى جانب المشاكل الخاصة التي يعاني منها القطاع وعلى رأسها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل جنوني. من هنا على الحركة أن تبادر الى طرح المبادرات السياسية التي تضمن تحقيق هدفين أساسيين:

1- ضمان عدم عودة الواقع السياسي والأمني الذي سبق سيطرة حماس على قطاع غزة، مع كل ما يتطلبه ذلك من إعادة صياغة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أسس مهنية ووطنية جديدة، وغربلة هذه الأجهزة من كل العناصر المرتبطة عضوياً بأجندة الاحتلال والإدارة الأمريكية. والاحتكام الى نتائج صندوق الانتخاب، مع إقامة أسس جديدة للعلاقات بين مركبات الحلبة السياسية الفلسطينية تقوم على الاحترام المتبادل، مع تقليص تأثير الأطراف الخارجية على هذه العلاقات الى أبعد حد ممكن.

2- تخلي حماس عن انفرادها بإدارة قطاع غزة لوحدها، على إعتبار أن استمرار ذلك لفترة طويلة سيبعد الحركة عن خيار المقاومة. لأنه أصبح في حكم المؤكد أنه في الحالة الفلسطينية – على الأقل - من المستحيل الجمع بين الحكم والمقاومة. فلا يمكن أن تطلق حركة مقاومة الصواريخ على المستوطنات اليهودية في منطقة النقب، وبعد ذلك تتوقع أن تقوم إسرائيل بفتح المعابر والتخفيف عن كاهل الناس.

صحيح أنه لا يبدو أن أبو مازن مستعد للتعاطي مع مبادرات تقوم على هذين الأساسيين وذلك بسبب الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، لكن يتوجب ألا يكون ذلك دافعاً لليأس من طرح مواصلة طرحها.

ولكن حتى تتوفر الفرصة لإجراء حوار جدي بين ابو مازن وحماس، يجدر بحكومة هنية أن تحذر من أن تؤدي ردود فعلها العاطفية على قرارات أبو مازن الى زيادة معاناة الجمهور الفلسطيني. فمثلاً ليس من الحكمة على الإطلاق اصدار حكومة هنية جملة من التعيينات الإدارية في بضع الوزارات والمؤسسات الحكومية، وتحديداً في وزارة الصحة بشكل منح أبو مازن وحكومة فياض المبرر لأن توعز للكثير من الطواقم الإدارية بالتوقف عن العمل وإلتزام البيت، وبالطبع فأن هذه الطواقم ستلتزم بتعليمات حكومة فياض على اعتبار أنها هي التي تتولى دفع الرواتب لها. صحيح أن حكومة هنية تحاول سد الفراغ الناجم عن تغيب الموظفين عن طريق تجنيد المتطوعين، لكن كان بالإمكان تجنب هذا العناء لو تم الإبقاء على الهياكل الإدارية على حالها، واختيار وقت أفضل لتغييرها أن كانت هناك ثمة ضرورة

وليس من الحكومة على الإطلاق أن يعاني الجمهور الفلسطيني من التضارب بين حكومتي غزة ورام الله في عمل المؤسسات التي تقدم الخدمات للجمهور، وضمن ذلك التضارب في الإجازات الأسبوعية، وإجراء القرعة لاختيار المرشحين لأداء فريضة الحج لهذا العام، وغيرها من مظاهر التضارب التي يعاني منها الجمهور الفلسطيني بشكل خاص، والتي تكرس عملياً الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

وحركة حماس مطالبة بإعادة تقييم خطابها الإعلامي في الفترة الحالية واعتماد خطاب وحدوي غير مستفز للشرائج المجتمعية والحركات السياسية الاخرى. ومن أجل تحقيق ذلك يتوجب على قيادة حماس ألا تسمح لبعض قياداتها المتشنجة باحتكار الحديث بإسمها، وعلى رأس هذه القيادات الدكتور محمود الزهار، الذي لا خلاف على أن تصريحاته الأخيرة ذات تأثير منفر ومستفز لدى معظم الأوساط. واللافت للنظر أن كاتب هذه السطور استطلع آراء العديد من قيادات حركة حماس حول أداء الزهار الإعلامي، وأجمعوا على أن الرجل يعلب دوراً سلبياً، و تساهم تصريحاته بشكل عام في اعطاء انطباع مضلل بأن الحركة غير معنية بالحوار والتفاهم مع الأطراف الأخرى، ومع ذلك، فأنه يواصل احتكار التعبير عن معظم الخطاب الإعلامي وتحديداً المتعلق بالنظرة للعلاقة مع حركة " فتح "، الى جانب عدم مراعاة الرجل لحساسية علاقة حركته بدول الإقليم، عن طريق توجيه الانتقادات للأنظمة العربية، مع أن حماس معنية بزيادة عدد الحلفاء أو على الأقل المتفهمين لها تحديداً في هذه الساعات العصيبة.

إذا كان يجوز لنا أن نصوغ تحذيراً لحماس من المفردات التي يستخدمها المعلقون الرياضيون: فحذار حذار أن تمزق شباك حماس أهدافها الذاتية!!!!.