قلما شهدنا إدارة أميركية تعاني من أزمات متلاحقة، وتقدم على خطوات متخبطة مثلما تفعل الإدارة الحالية في عهد الرئيس بوش، ولاسيما بعد احتلال العراق، لقد أقدمت أصلا على مغامرات عسكرية واسعة بعد 11 سبتمبر 2001، وروجت لما تسميه بـ «الفوضى الخلاقة» فإذا بكثير من النتائج ترتد سلبا عليها، وإذا بخطابها السياسي يفقد الانسجام المنطقي، ويقع في مستنقع التناقضات، وقد يقول قائل إنها البرغماتية الأميركية التي تتصرف على أساس السعي إلى تحقيق المنفعة بمعزل عن أي شيء آخر، ولكن هذه البراغماتية لم تعد كافية للتستر على المآزق المتلاحقة، كما لم تعد كافية لتفسير وتبرير تعايش الإدارة الأميركية مع الموقف ونقيضه في وقت واحد، تتبدى هذه الصورة بوضوح في موقف الإدارة الأميركية من إيران وسوريا، إذ يكاد ألا يمر أسبوع دون إطلاق مواقف أميركية ضد طهران ودمشق، وتجديد الاتهامات بالإرهاب، والتهويل بالقوة العسكرية، ثم نرى فيما بعد مسؤولين أميركيين يشتركون على مائدة واحدة في محادثات مع الإيرانيين والسوريين حول الأوضاع «الأمنية» في العراق، وهذا ما حصل سابقا في اجتماع بغداد، وما حصل مؤخرا في اجتماع دمشق في إطار ما بات يعرف بـ «لجنة التعاون والتنسيق الأمني لدول جوار العراق»، حيث كانت مشاركة وفد أميركي هي الحدث الذي لا يقل أهمية عن الاجتماع نفسه الذي ما كان ليحصل، خصوصا في دمشق دون موافقة أميركية.

لا يقف أي عاقل ضد الحوار، فألف جولة من المحادثات هي ـ ولا شك ـ خير من جولة واحدة من النار، فإذا كانت الإدارة الأميركية تريد فعلا أن تخرج من مأزقها المتسع في العراق، فإن عليها ألا تنظر إلى المشكلة على أنها أمنية فقط، بل سياسية بالتمام والكمال ناتجة عن الاحتلال، وبالتالي فإن الاجتماعات الأمنية في بغداد، ثم في دمشق لن تؤدي إلى نتيجة نوعية، بل ستبقى إطارا لتبادل الرسائل غير المباشرة بين واشنطن وطهران ودمشق، وإذا كانت واشنطن ترى إيران وسوريا دولتين إرهابيتين كما تقول فلماذا يجتمع الوفد الأميركي مع مسؤولين من هاتين الدولتين؟، إنه تناقض لا يحتاج إلى دليل، وبرهان على تخبط الإدارة الأميركية، وهذا التخبط يحمل مستوى عاليا من الخطورة لأنه قد يعزز الميل لاحقا إلى مغامرات عسكرية جديدة في المنطقة.

إن حربا جديدة ستزيد من مآزق إدارة بوش، وهذا ما يتحدث عنه كثير من الاستراتيجيين الأميركيين أنفسهم، وسيكون ـ ولو بعد حين ـ أمام الإدارة الأميركية مخرج واحد، هو العودة إلى مقترحات لجنة بيكر ـ هاملتون من أجل الانتقال بالحوار من الإطار الأمني إلى الإطار السياسي.

مصادر
الوطن (قطر)