مع التحفظ الشديد حول التصريحات التي تطلق في مسألة التسلح، فإن الصورة الكاملة لم تضح بعد لمساحة المعركة التي تسبقها هذه التصريحات، فمسألة التسلح لم تعد كما كانت في مرحلة الحرب الباردة، وهي في نفس الوقت خرجت عن إطار الاتفاقات التي أبرمت أوائل التسعينات بشأن "حظر" بيع الأسلحة إلى الشرق الأوسط. فمسائل السلاح تحكمها اليوم عملية "نشر" ثقافة العنف، والهدف منها غالبا ما يتجاوز تجهيز "الجيوش النظامية".

"الشرق الأوسط" وفق التحليلات يبدو متخما بالأسلحة، وربما بالحروب التي تنتشر "دون" مفهوم الدولة، ورغم أن "الصفقات المعلن عنها باتجاه السعودية ومصر والدولة العبرية تدخل في إطار "الأسلحة الثقيلة"، لكنها أيضا تتعامل مع "إعادة" عسكرة "الجغرافية الهادئة"، فمصر والسعودية ليستا في موقف حرب أو ضمن توتر وأزمة إقليمية، وحتى فيما يخص "التهديد" الإيراني، فإن القنوات الديبلوماسية الإيرانية – الخليجية تعتبر ضمن المستوى الطبيعي.

بالطبع فإن صفقات الأسلحة عموما يمكن أن تندرج وفق ما تتحدث عنه التحليلات السياسية على أنه "تدعيم" أطراف الاعتدال، لكن الأمر الأكثر خطورة هو أن خطوات التسلح بذاتها توحي بأمرين:

 الأول أن التواجد الكثيف للقوات الأمريكية في المنطقة لا يعتبر نفسه معنيا بأي حالة توتر جديدة، فهو يسعى إلى تحييد قواته عن أي جبهة صراع "مقترحة" وعلى الأخص مع تصاعد "الحرب السياسية" في المنطقة ومحاولة خلق حروب افتراضية على سياق "المحاور" و "العتدال والتطرف".

 الثاني أن الأجندة الأمريكية حتى نهاية العام، وربما أكثر بقليل لديها احتمالات قوية باندلاع صراعات، ورغم أن المشاهدة السياسية لا توحي بظروف أو مكان مثل هذه الصراعات، إلا أن مسألة التسلح، أو على الأقل التصريحات بشأنها، توحي بإمكانيات حروب مختلفة ربما لا تنشب بين الدول والغرض منها استنزاق الطاقة السياسية عبر زيادة التوتر والتسلح والشحن السياسي.

ربما ليست المرة الأولى الذي يصبح فيه "الشرق الأوسط" متخما بالأسلحة عبر التصريحات، لكن الظروف الحالية ربما تدفعنا إلى خلق مقاربة مع زمن مشابه، سواء عندما اندلعت "حرب أفغانستان" في نهاية السبعينات، أو حتى قبيل الحرب الإيرانية – العراقية في الثمانينات. فهذه المقاربة تدعو على الأقل إلى فهم "أجندة" الحروب التي غالبا ما تبدء بتصريحات "التسلح" و "العسكرة".