جرأة ادبية وأخلاقية كبيرة تحسب لمجلة روز اليوسف المصرية في تناولها لملف الشارع القاهري (العدد 4130)، جرأة غير معهودة بالنسبة لصحيفة ناطقة بالعربية أولا ، وقطاع عام ثانيا ، وجرأة هذا الملف هو انتقاله من حالة التنبيه والتحذير (نقد بناء على ما يسمى) الى حالة التأريخ لخراب وقع في الراس كفاس، والشارع هنا بمعنييه: الظاهري الفيزيائي، والمعنوي الاخلاقي الثقافي .. الشارع الذي تحول الى غاب بلا شرعة برعاية التكنولوجيا وقانون حجب المنفعة لدرء ضرر. انه انذار بالاحتضار كما سماه الصحفي رجب المرشدي، او على تسمية وائل لطفي (صار متبلدا متجهما متطرفا) .

خطير هو ملف شوارع القاهرة ، ولأنه وقبل سنوات كان يتم التنبيه الى تنامي انفلات البنية الاجتماعية ( كنقد بناء!!! ) ولكن لا من مجيب أو مهتم فادارة الازمة أهم من حلها، ولكن الازمة ولدت ازمات والازمات ولدت مجتمعا مفتوحا على الخلاص الفردي من اصغر حاجة الى اعتاها دون المرور بقانون أو اخلاق او حتى تعاطف. سوى قانون العضلات والبطش والبلطجة.

جريء هو ملف شوارع القاهرة، وكتابه يصرخون هذه المرة على الرغم من الدعاية السياحية والاستثمارية والخطط الحكومية، أن هذه الشوارع ( بعنييها ) لم تعد صالحة للاستمرار البشري فكيف بالسياحي والاستثماري .

صريح هو ملف شوارع القاهرة، يرصد الواقع بكل عجره وعجره، وبجره وبجره ، بلطجة، زعرنة، تحرش جنسي،عنف،تسول بالاكراه او بالاختيار، تطرف ديني، اعتداء على الخصوصيات، سرقة بالاكراه ، احتلال اماكن ركن السيارات بالقوة، زبالة متركمة ، ازدحام غير معقول، غياب للقانون، غياب للأحزاب كدور اجتماعي، غياب الدولة كمؤسسات، رشوة وفساد، سلوكيات اغتصاب الحقوق . الخ ...الخ .

كل هذا وغيره قدم بجرأة ادبية عالية، ومتانة أخلاقية حقوقية واعية فيها اخلاص شديد للوطن والمواطنة .. ولكن ما الفائدة من هكذا ملف على خطورته ؟؟ فالعواصم والمدن العربية تسير في نفس الطريق والنقد البناء (شغال على ودنو) ، والنتائج لم تعد خافية على أحد ..فما العمل ؟؟

ان ملف شوارع القاهرة الذي قدمته الصحيفة هو دليل لكل الشوارع في العواصم والمدن العربية ومصيرها الواضح والقريب..انه الانذار الاخير او بالاحرى الاعلان الاخير قبل المحطة الاخيرة التي سيصل اليها القطار حتما.

فخارطة الازمات المدارة ليس لها وجه واضح ولا بداية ولا نهاية انه خراب في روح الاجتماع البشري الذي سوف يأكل نفسه في حال استمراره في عشوائية العيش لأن يهدم اسس الاجتماع البشري البسيط ،فكيف بأجتماع بشري تتآكله السرعة والتكنولوجيا الخطيرة على المتخلفين ؟؟؟

اضاءة برسم كل المدن العربية التي لم تعرف لماذا وجدت ولا ما هي صانعة بنفسها ، وكأنها هي نفسها كتلة من نار اشعلتها بيديها ووضعتها هي نفسها في حضنها ...فـ ...دبروها .. ولكن من دون منع منفعة لتدارك ضرر...