لم يثر الرجال الأربعة الذين كانوا يعتمرون الكوفية الفلسطينية، الشكوك لدى أحمد ( 27 عاماً )، عندما شاهدهم يقفون بالقرب من مزرعته الواقعة الى الشرق من البلدة " التي تقع اقصى شمال قطاع غزة، فعلى ما يبدو قد ظنهم بعض تجار الخضار الذين يفدون للمنطقة لشراء الخضار عادة في وقت مبكر، لكن ما أن اقترب منهم، حتى عاجله إثنان منهم بإطلاق النار على رأسه من مسدسات مزودة بكاتم للصوت، ففارق الحياة على الفور.

لم يكن الرجال الأربعة المتنكرين في الزي الفلسطيني الشعبي سوى عناصر في أحدث فرقة موت شكلها الجيش الإسرائيلي مؤخراً في قطاع غزة لمواجهة المقاومين الفلسطينيين، حيث ظن الأربعة أن خليل عنصراً في حركات المقاومة كان في طريقه لتنفيذ عملية ضد أحد أهداف الإحتلال، كما زعمت المصادر العسكرية الإسرائيلية. قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي أوضحت أن تشكيل هذه الفرقة جاء تجسيداً لقرار المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون الأمن والذي حث هيئة أركان الجيش على إتباع سياسة أكثر هجومية ضد المقاومة في القطاع لإجبارها على وقف عملياتها ضد إسرائيل، سيما عمليات إطلاق الصواريخ محلية الصنع على المستوطنات المحيطة بالقطاع.

فرقة الموت الجديدة التي يطلق عليها الجيش الإسرائيلي وحدة " شمشون "، هي نسخة جديدة من وحدات المستعربين، التي يعمل أفرادها ضد حركات المقاومة في عمق الأراضي الفلسطينية وهم متنكرين في زي عربي حتى لا يثيروا الشكوك والشبهات حولهم. في المنطقة المحاذية للخط الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة ينشط عناصر هذه الوحدة في اختطاف المزارعين وتسليمهم لمحققي جهاز المخابرات الداخلية " الشاباك "، الذين يقومون بإستجوابهم والضغط عليهم لتقديم معلومات تفيد في ضرب المقاومة الفلسطينية. صحيفة " يديعوت أحرنوت " كشفت النقاب مؤخراً أن بعض الفلسطينيين الذين تقوم هذه الوحدة بإختطافهم يتم ابتزازهم من قبل محققي " الشاباك "، لدفعهم للعمل كمخبرين لجيش الاحتلال.

. مثل هذه الوحدة تعمل منذ وقت طويل في الضفة الغربية ويطلق عليها " دوفيديفان "، و تعتبر مسؤولة عن معظم عمليات التصفية التي تستهدف قادة وعناصر حركات المقاومة الفلسطينية هناك. وقد عرض التلفزيون الاسرائيلي فيلما وثائقيا حول كيفية اعداد هذه الوحدة وكيفية قيامها بعمليات التنكر، حيث تم استقدام خبراء في عمليات المكياج والتخفي للعمل على مدار الساعة مع عناصر هذه المجموعة في المعسكرات التابعة لها . ويتدربون على التحدث باللغة العربية باللهجة الفلسطينية، إلى جانب قيامهم بتشرب العادات والثقافة العربية لكي يسهل عليهم التصرف أثناء العمليات التي ينفذونها. ومن وسائل التخفي التي يتبعونها لتسهيل عملياتهم التنكر في زي تجار خضار فلسطينيين يرتدون الزي الشعبي الفلسطيني ويتنقلون في سيارات شحن من نوع مرسيدس " كابينه " وهي السيارة التي يستخدمها التجار الفلسطينيون. والى جانب وحدات المستعربين، قام جيش الاحتلال مؤخراً بتدشين المزيد من فرق الموت للعمل ضد الفلسطينيين.

ومن أجل زياد فاعلية عملياته ضد حركات المقاومة، قام الجيش الإسرائيلي مؤخراً بتفعيل

وحدة " ايجوز " ، أو " النواة " ، والتي تم تشكيلها في العام 1993 لتكون رأس الحربة في مواجهة مقاتلي حزب الله أثناء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وينتمي أفراد هذه الوحدة الى لواء " جولاني "، وهو أحد ألوية المشاة المختارة في الجيش الإسرائيلي. وقد تم تفكيك هذه الوحدة في أعقاب الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب في العام 2000. ومؤخراً استأنف الجيش عمل هذه الوحدة، وتم تكليف عناصرها بتسيير دوريات في محيط التجمعات السكنية الفلسطينية في أرجاء الضفة الغربية في محاولة للاصطدام بمجموعات المقاومة الفلسطينية التي تتوجه لتنفيذ عمليات اطلاق نار على المستوطنات اليهودية أو الأهداف العسكرية الا سرائيلية الأخرى. كما يقوم عناصر " ايجوز " بنصب كمائن مسلحة وحواجز طيارة على الشوارع الرئيسية في الضفة الغربي في مسعى للالقاء القبض على مطلوبين للأجهزة الأمنية الاسرائيلية. ومن أجل تأمين الطرق المؤدية للمستوطنات في أرجاء الضفة الغربية، أقدم الجيش الإسرائيلي أيضاً على تشكيل وحدة " خاروف "، ويقوم عناصر هذه الوحدة بإطلاق النار على أي فلسطيني يتحرك في على هذه الطرق ويثير الشبهات. وقد أعقب تشكيل هذه الوحدة تشكيل وحدة أخرى يطلق عليها وحدة " دوخيفات"، وهي وحدة مختارة تتولى عمليات التمشيط التي تسبق الحملات العسكرية التي تقوم بها قوات الاحتلال في المناطق الريفية في الضفة الغربية. في نفس الوقت يحتفظ الجيش الإسرائيلي بعدد من فرق الموت ذات التاريخ المعروف. وعلى رأس هذه الفرق، وحدة " سييريت متكال "، والتي توصف في إسرائيل بأنها أكثر وحدات الجيش نخبوية، وتتبع مباشرة لرئاسة هيئة أركان الجيش، ويشرف عليها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان، وتتولى تنفيذ العمليات المعقدة، وضمنها عمليات التصفية في ظروف صعبة. وقد كان عدداً من أشهر العسكريين والسياسيين الإسرائيليين من قادة وضباط هذه الوحدة، من أمثال هؤلاء: وزير الدفاع الحالي ورئيس الوزراء الأسبق إيهود براك، الذي قاد هذه الوحدة حتى أواخر السبعي نيات في القرن الماضي. وفي نشرة باللغة الروسية وزعها براك على المهاجرين اليهود الروس عشية انتخابات العام 1999 التي فاز بها، أشار الى دوره في عمليات التصفية التي نفذها كضابط وكقائد لهذه الوحدة، والتي طالت عدد كبير من قادة منظمة التحرير. حيث كتب أنه كان يشعر " بسعادة غامرة عندما كان يتطاير بياض عيون ضحاياه الذين يغتالهم ". وضمن الضباط الذين خدموا في هذه الوحدة، كان رئيس المعارضة اليمينية بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن الداخلي الحالي افي ديختر، ورئيس الأركان السابق موشيه يعلون الذي كشفت وسائل الاعلام الإسرائيلية قبل عدة اعوام عن كيفية تخطيطه وقيادته عملية إغتيال أبو جهاد الرجل الثاني في حركة " فتح " في العام 1988.

اللافت للنظر أن قيادة الجيش الإسرائيلي حولت الأراضي الفلسطينية الى ساحة لتدريب عناصر الوحدات الخاصة التابعة لسلاح البحرية وسلاح الجو على عمليات الإغتيال، على الرغم من أن الضفة الغربية وقطاع غزة ليست من الساحات المخصصة لعمل هذه الوحدات، مثل " الكوماندو البحرية " والتي يطلق عليها " القوة ثلاثة عشر " ، وتعتبر الوحدة المختارة التابعة لسلاح البحرية الاسرائيلي . وعلى الرغم من ان مجال عملها الميداني مرتبط بالماء، الا أنها شاركت في تنفيذ العشرات من عمليات التصفية والاغتيال والاختطاف في ارجاء الضفة الغربية وقطاع غزة. ولعل أشهر عملية تصفية قامت بها هذه الوحدة كان اغتيال الدكتور ثابت ثابت، أمين سر حركة " فتح " في منطقة " طولكرم "، في منتصف العام 2002. وقد شكل هذه الوحدة وقادها عامي ايلون، القائد السابق لسلاح البحرية، والذي تنافس مؤخراً على زعامة حزب العمل في مواجهة براك. ومن أجل تعزيز فرصه بالفوز، قال ايالون عشية الانتخابات التمهيدية لحزب العمل أنه شخصياً " قتل من العرب أكثر من جميع اليهود الذين قتلوا على أيدي عناصر حركة حماس ".

يقول شمؤويل رومح، الذي كان من قادة المخابرات الإسرائيلية الداخلية " الشاباك "، أن وحدات النخبة المتخصصة في عمليات التصفية بشكل أساسي تعمل بالتعاون مع " الشاباك "، الذي يزودها بالمعلومات الاستخبارية الدقيقة حول " الأهداف المرشحة " للتصفية قبل إنطلاقها لتنفيذ عملياتها. وينوه رومح الى أن " الشاباك " يحصل على هذه المعلومات عن طريق فلسطينيين مرتبطين ب " الشاباك ".

الجنرال جادي أيزنكوف، قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، والذي شغل في الماضي منصب قائد قوات جيش الاحتلال في الضفة الغربية يقول أن إستخدام وحدات النخبة في عمليات التصفية يحمل رسالة " ردعية " لحركات المقاومة الفلسطينية، أقوى بكثير من إستخدام قصف الطائرات في تنفيذ هذه العمليات. " عندما يعي الإرهابي الفلسطيني أن جنود الوحدات الخاصة قادرون على اطلاق النار على رأسه من مسافة صفر بينما يتواجد في الزقاق المؤدي الى بيته، فأن هذه يعني لبقية الإرهابيين أن يدنا الطويلة بإمكانها أن تصل إلى أي واحد منهم "، قال لصحيفة هآرتس.

اللافت أنه على الرغم من أن الخدمة في الجيش الإسرائيلي اجبارية، إلا أن الخدمة في فرق الموت طوعية، بحيث لا يجبر الجنود على الخدمة فيها. وحسب القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي فأن معظم الذين يقبلون على التطوع للخدمة في وحدات النخبة هذه هم من أتباع التيار الديني الصهيوني، الذين يجمعون بين دافعية قوية للخدمة العسكرية في الوحدات المقاتلة، وتطرف ديني ومواقف عنصرية تجاه الفلسطينيين والعرب.

وتحرص المؤسسات الرسمية في إسرائيل على تقديم إغراءات للشباب اليهودي من أجل اقناعهم بالتطوع في هذه الوحدات. ويقول الخبير العسكري رامي ايدليس أن أحد الاعتبارات الهامة لتبوء المناصب القيادية في الجيش يعتمد بشكل أساسي على الخدمة في هذه الوحدات. وفي حال تسرح ضباط وجنود هذه الوحدات من الخدمة، فأن المؤسسات الرسمية تحرص على استيعابهم في المناصب المدنية، الى جانب منحهم منح دراسية لإستكمال تعليمهم.