إن المرتزقة بمعنى من يقاتلون بأجور مالية مباشرة أو بعينية أو معنوية من أجل الآخرين، تجارة معروفة بين البشر منذ عُرفتْْ وسائل التبادل التجاري.

غير أن المرتزقة المراد الحديث عنهم في العراق هو ما تناولته دوريات أجنبية جادة بما فيها دوريات اسكندنافية ونيوزلندية واسترالية وآسيوية. والصورة التي تكونت كما صورها خبراء ومراقبون لا هدف أيدلوجي لهم أسوء بكثير مما تناقلته القنوات والدوريات العربية بما في ذلك المؤدلجة منها.

ويأتي المرتزقة إلى العراق، أو الأصح يؤتى بهم، لأغراض شتى، فإن كانوا مسلمين شيعة يكون الغرض المعلن الدفاع عن المقدسات. وإن كانوا سنّة فهؤلاء من التكفيريين الذين يساقون إلى العراق من خلال وعن طريق دولتين مجاورتين لإغراضهما الخاصة، ومعروف التناقض بين نظاميهما وبين التكفيريين السنة الذين، يكفرون بالطبع كلا النظامين.

أما عصابة «الصحوة» الصهيونية وحلفائهم من ساسة وقساوسة «الصحوة» المسيحية، فيرددون زوراً وبهتاناً، كما يفعل نوت ققرنتش، زعيم أعضاء الكونجرس الجمهوريين سابقاً، وأصدقائه، من أصدقاء نتنياهو، فيزعمون بأن، السعودية، هي التي ترسل التكفيريين إلى العراق وتدفع أجورهم. ويبدو أن أكثر التكفيريين المفجرين الانتحاريين سعوديين، كما يتضح من مواقع قادة فكرهم في الانترنت. غير أن الذي ييسر لهم الطريق ويدفع لهم التمويل للوصول إلى العراق حتماً دول أخرى مجاورة للعراق.

وهل المسلمين الذين يساقون إلى العراق من شيعة وسنة مرتزقة؟ نعم مرتزقة بمعني أن هناك من يدفع لهم ليصلوا ويمولهم ليعيشوا وييسر لهم أدوات التنقل والقتل والتدمير. ولا يختلفون كثيراً عن المرتزقة الذين جندهم القساوسة والطامعين في التوسع من حكام الدويلات الأوربية، باسم الدين بالطبع، ومن جميع مناطق أوربا. نعم، مرة أخرى، معظم المحاربين الصليبيين مرتزقة، حتى وأن بذل القساوسة أقصى الجهود لإقناعهم فكرياً.

وبالنسبة الى المرتزقة المسلمين من شيعة وسنة، فإن تمويلهم وتيسير وصولهم واختفائهم وتموينهم بالسلاح والغذاء لا ينفي انه يتم إقناعهم فكرياً أولا سواء أكانوا سنة أو شيعة، وبعد أن يتم تعبئتهم أو شحنهم فكرياً يأتي دور الأجور نقداً وعيناً كتوفير ملاجئ السكن والأسلحة والذخيرة. ومهما وصل إقناع شاب بوجاهة قتله لنفسه عامداً باسم الجهاد والاستشهاد، فلن تتوفر له أجنحة ذاتية تطير به، من السعودية أو اليمن أو مصر أو الأردن أو المغرب إلى العراق. لابد ممن ييسر مروره. وحتماً، وكما يقول التكفيريون المجرمون أنفسهم في مواقعهم في الانترنت، فإن المرور عن طريق الحدود السعودية مع العراق، محفوف بالمخاطر، ويجب على كل إرهابي متمرس تفاديه ولا ضرورة له، لأن هناك دول حدودية أخرى ترحب بمروره وتيسر له وسائل إيصاله لمن يجندونه في العراق.

ومع كل ما تقدم ذكره، فإن المرتزقة الأهم في العراق، هم من يذهبون إلى العراق باسم الحراسات الأمنية، لتجار الحرب ومؤسساته التجارية. وفي العادة يكون قادتهم من المرتزقة المخضرمين الذين شاركوا في الحروب في إفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية. وجنسياتهم (اي القادة) أوربية وأمريكية. هؤلاء قتلة مدربون يتمتعون بالقتل والاغتصاب، ويقرر مستوى أجورهم مستوى حمايتهم لمن يستأجر خدماتهم من المقاولين والتجار وغيرهم من المغامرين.

وعدد المرتزقة الأجانب، كما يقدره ذو العلم ممن عرفوا قادتهم منذ عشرات السنين، يتراوح بين خمسين وستين ألف مرتزق من جميع الجنسيات ما عدى العرب والمسلمين إلا نادراً. وكلهم يأتون بطرق قانونية وبموافقة المحتل والسلطات العراقية لأنهم يأتون رسمياً باسم مقاولين وحراسات.

ومن الواضح أن عدد المرتزقة التكفيريين السنة، والمحسوبين على المليشات العراقية الشيعية، لا يمكن أن يتجاوز، مجتمعين، عشرة آلاف مرتزق. ولكن لأن أغلب المرتزقة المحسوبين على أهل القبلة يريدون الآخرة، لا كما قادتهم الذين يريدون الدنيا، فإن شحنهم النفسي وتعبئتهم تضمن لهم كفاءة أعلى في القتل والتدمير والتعذيب بما في ذلك أشنع وسائل الرعب والترويع التي ابتكرتها الأنفس الشريرة منذ الخوارج الأوائل وبعدهم التتار وبعدهم الشيوعيون والنازيون ولا «يهون» القائد الضرورة، المهيب صدام حسين.

أما ما يقال عن «البربر» في اللغات الأجنبية وأياً كانت جنسيات هؤلاء البربر الذين روعوا أوربا كما زعم الأوربيون، فكل ما عملوه، يعتبر، نزهة شاقة نوعاً ما مقارنة بالرعب والترويع الذي ينفذه مجرمون قتلة متمردون باسم الإسلام، فبئس ما ألصقوه من سمعة سيئة بالإسلام، ويشهد الله وكل مسلم سوي أن الإسلام منهم براء.

إن وضع العراق، منذ 1969، حينما تولى قيادته، المجرم المخضرم القاتل منذ نعومة أظافره، إلى أن ساعد أمثال احمد الجلبي ورتشارد بيرل، بتزيين وتسهيل الإطاحة به في عام (2003)، والى يومنا هذا في صيف 2007، فينطبق عليه قول الشاعر:

«رُب يوم بكيتُ منه فلما

صرتُ في غيره بكيتُ عليه»

والله من وراء القصد.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)