من كان له تجربة اعتقال في سجون السلطة يعي بسرعة أن ما نسبه الشاب مؤيد بني عود لنفسه من ارتباط بالمخابرات الإسرائيلية غير حقيقي بالمطلق، فوسائل التعذيب الفظيعة والسادية التي يتم بها التعامل مع المعتقلين في هذه السجون تدفع الكثير من المغلوبين على أمرهم الى قول أي شئ لمجرد الخلاص من وطأة العذاب الشديد الذي يتعرضون له بمنهجية. فكل الفلسطينيون يذكرون قصة الشاب إبراهيم الحلبي من حركة الجهاد الاسلامي الذي عرض تلفزيون السلطة في العام 1997 شريط تلفزيوني يظهر فيه ذلك الشاب وهو يدلي باعترافات تفيد بأنه عميل لإسرائيل، وبعد ذلك تبين للقاصي والداني في فلسطين أن الحلبي لم يكن عميلاً، وأنه قدم هذه الاعترافات تحت وطأة التعذيب والإكراه. كما أن أمين عام الرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم ظهر في العام 1998 على شاشة تلفزيون السلطة واتهم الأخوين عماد وعادل عوض الله، وهما من قادة الجناح العسكري لحركة حماس بأنهما عميلان للاحتلال، وقامت أجهزة السلطة في حينه بتعذيب عماد عوض الله بشكل وحشي. وبعد شهر على إفتراءات عبد الرحيم، قامت جيش الاحتلال باغتيال هذين الأخوين المجاهدين الطاهرين، حيث تبين أن اعتقال عماد جاء من اجل اجباره على تقديم اعترافات حول مكان اختباء شقيقه عادل لنقلها لمخابرات الاحتلال.

وقد علق رئيس اركان جيش الاحتلال في ذلك الوقت الجنرال امنون شاحك على اغتيالهما قائلاً أنهما كانا من أخطر المقاومين وأكثرهما فعلاً ضد أهداف الإحتلال في وسط وجنوب الضفة الغربية، ولم ينس أن يكيل المديح لأجهزة السلطة التي ساعدت في تعقبهما واغتيالهما!!!.

من هنا، فأن لهذه السلطة البائسة تاريخ غير مشرف في محاولة تلويث سمعة الشرفاء، لكن يأبي الله ألا أن يفضح هذه المحاولات ويعيد سهم الخائنين الى نحورهم.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا العرض المسرحي الهابط والمؤلم: ماذا أراد أبو مازن وحكومته وأجهزته الأمنية تحقيقه من خلال عرض اعترافات بني عودة المفبركة ؟ هل يريدون التدليل من خلال ذلك على أن حركة حماس قد تسلل إليها العملاء، في حين أن أبو مازن وزمرته هم الذين يتصدون لهؤلاء العملاء ويفضحونهم ويتعقبونهم ؟.

قبل الإجابة على هذا السؤال، دعونا نتفق على تعريف بسيط للعميل، حتى نستطيع تحديد مكان أبو مازن وقادة أجهزته الأمنية. فالعميل حسب الأدبيات الوطنية الفلسطينية هو ذلك الشخص الذي يقدم للاحتلال الإسرائيلي معلومات تساعد على احباط عمليات المقاومة، أو يقوم شخصياً بإحباط عمليات المقاومة بالتواطؤ مع المحتل.

وبناءاً على هذا التعريف دعونا نستمع الى ما قاله يوام طوربوفيتش، رئيس ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت والذي كان حاضراً في لقاء الأخير مع أبو مازن مؤخراً في أريحا. يقول طوربوفيتش في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية بتاريخ 10-8-2007 " لقد قدم لنا أبو مازن وطاقم مساعديه تقريراً مفصلاً عن الخطوات التي قامت بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد حركة حماس وبناها التحتية في أرجاء الضفة الغربية، وابلغونا عن نجاحهم في الكشف عن مواد متفجرة كان يخطط لاستخدامها في عمليات تستهدف العمق الإسرائيلي، وتشديدهم على أنهم ينوون تكثيف الحملة العسكرية ضد نشطاء حماس ". وخلال جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست التي عقدت الخميس الماضي، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين لأعضاء اللجنة " أننا نلاحظ أن أبو مازن عازم على تصفية البنية التحتية للإرهاب الفلسطيني في الضفة الغربية، وهو يريد الإثبات لنا أنه بالإمكان الاعتماد عليه ". وبتاريخ 15-6-2007 نشرت صحيفة " هآرتس " تقريراً أكدت فيه أن معلومات قدمتها الأجهزة الأمنية التابعة لأبو مازن للمخابرات الإسرائيلية " الشاباك " ساعدت في احباط عدة عمليات خططت لتنفيذها " سرايا القدس "، الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي في الضفة الغربية. وفي الأسبوع الماضي قال ديفد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشبكة التلفزة الأمريكية بالكوابل " سي أن أن "، أنه حسب التقارير التي يرفعها الطاقم الأمني الأمريكي الذي يعمل مع الأجهزة الأمنية التابعة لأبو مازن، فأن هذه الأجهزة تقوم ب " عمل رائع ضد بنى حركة حماس التنظيمية والعسكرية ". ونوه وولش أن أجهزة السلطة وعدت بالإنتقال للعمل ضد جميع الأذرع العسكرية لبقية الفصائل الفلسطينية بعد " سحق " حركة حماس في الضفة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك ثمة عميل يمكن أن يقوم بتلك الأعمال، ويقدم كل هذه الخدمات للإحتلال أفضل مما تقوم به أجهزة الأمن التابعة لأبو مازن.

اللافت أن المنطلقات والقناعات التي تعشش في ذهن أبو مازن ورئيس وزرائه سلام فياض تجعل من اقدامهم على جريمة بحجم الشريط المسجل لبني عودة جرماً ثانوياً. فكلنا شاهد أبو مازن في الشريط التلفزيوني الذي بث مؤخراً وهو يأمر عناصر الأمن الوطني بإطلاق النار على المقاومين بقصد قتلهم، وهو يقول " طخه، اقتله ". وأبو مازن هو الذي يصف عمليات المقاومة ب " الحقيرة "، وغيرها من الأوصاف. أما فياض فهو الذي قال في مقابلة مع شبكة التلفزة سي أن أن قبل اسبوعين أنه " يشعر بالقرف عندما يسمع من يقول أنه لا يمكن حل القضية الفلسطينية إلا بالمقاومة المسلحة ".