قبل شهر من الآن ونتيجة استمرار انقطاع التيار الكهربائي، ومارافق ذلك من احتجاجات وانتفادات كثيرة من قبل المواطنين، كتبت جميع الصحف الرسمية وغير الرسمية وكذلك مواقع النشر الالكترونية بأن السيد رئيس مجلس الوزراء وأمام أعضاء مجلس الشعب أمهل وزير الكهرباء مدة خمسة عشرة يوماً لحل أزمة الكهرباء.

مضت مهلة الخمسة عشر يوماً ومضى شهر وأكثر على ما قاله السيد رئيس مجلس الوزراء، وأزمة انقطاع التيار الكهربائي مازالت مستمرة، وإن تحسنت بعض الشيء في مدينة دمشق، إلا أن انقطاع التيار في المحافظات والأرياف البعيدة عن العاصمة يصل إلى اربع وخمس ساعات أحيانا في اليوم الواحد.

ومؤخراً فاجأنا السيد رئيس مجلس الوزراء بأن الأسباب الحقيقية لانقطاع التيار الكهربائي تعود لأسباب سياسية، هذا ما نشرته نشرة كلنا شركاء بتاريخ 2/8/2007 التي جاء فيها: " أنا أمامكم الآن لأروي لكم هذه الأسباب : هناك محطات التركيب الجديدة في ( دير علي ودير الزور ) طاقتهما 1500 ميغا ، 750 ميغا ( دير علي ) رست على شركة سيدروز والثانية على شركة ألستون ( مجموعة ألستون ) والذي يحتكر المجموعات ... كل مجموعة 250 × 3 = 750 ميغا هم 3 أو 4 شركات ، ( ميتسوبيشي ) التي قامت بتركيب المجموعة الحالية و( جنرال الكتريك ) الأميركية الحالية و( ميتسوبيشي ) تتلقى تعليماتها من ( جنرال الكتريك ) ... وهي تقول : نعم ... أو لا ، فلا الشركة الأولى قدمت لنا شيئا ولا الشركة الثانية قدمت شيئا ، ولم يبق أمامنا إلا شركتي ( ألستون وسيمنس ) ... الأولى خرجت من المنافسة بفعل الضغوط التي مورست عليها والذي مارسه ( جاك شيراك ) خلال المرحلة الماضية ، فبقيت ( سيمنس ) وهي بصراحة بدأت " تغنج " ... أقولها بصراحة وبحجج ورفع أسعار ..الخ . وقال رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد ناجي عطري خلال ترأسه لإجتماع عمل في مبنى محافظة اللاذقية : الخيارات التي كانت أمامنا كانت بمنتهى الصعوبة ... عندما تجد أمامك في العالم سوى هذه المجموعات الأربع وهي الشركات التي تحتكر الأمور كلها في هذا المجال..)). وأضاف .. وزير الكهرباء تحدث أمس ( الأربعاء ) في التلفزيون السوري عن إنقطاعات التيار الكهربائي ولكنه لم يشر إلى السبب الحقيقي ... قال : لم نقدم ... تأخرنا في تنفيذ محطات التوليد ... ولكنه لم يشر إلى الأسباب الحقيقية " يجوز " ... حاذر.)).

وطالما أن السيد رئيس مجلس الوزراء يعرف حقيقة أزمة الكهرباء كما أعلنها من اللاذقية، فلماذا إذا وجه إنذاراً إلى وزير الكهرباء بضرورة حل الأزمة خلال مهلة خمسة عشر يوماً ؟! هل يريد التعليم عليه في هذه الأزمة وهو يعرف مسبقاً الأسباب التي أدت إلى حصول تلك الأزمة التي يتحمل هو وحكومته ووزير الكهرباء والحكومات المتعاقبة مسؤولية هذا التقصير الفاضح الذي أوقع البلاد في هذه الأزمة؟ فلو أن هذه الأزمة حدثت في بلد أخر لما بقي وزير الكهرباء في منصبة ساعة واحدة.وقد سمعنا منذا أيام بحادثة تلوث المياه في أحدى القرى الأردنية النائية أصيب على أثرها عدد من سكان القرية بالتسمم، هذه الحادثة دفعت بكل من وزيري الصحة والمياه في الأردن إلى تقديم استقالتهما بسب تلك الحادثة الفضيحة، بينما تناوب انقطاع الكهرباء لم يقتصر على القرى والمحافظات السورية البعيدة، بل شمل أيضاً مختلف مناطق العاصمة دمشق ؟!

ونسأل سيادته لماذا تلك الشركات الأربع؟ وطالما أننا دولة مواجهة وممانعة فلماذا نلجأ إلى شركات أميركية وفرنسية أو شركات تدور في فلكهما، ألا يوجد في العالم غير تلك الشركات.؟ ماذا عن الشركات الصينية، أوالروسية مثلاً ؟ أليست قادرة على مدنا بالكهرباء ؟ خاصة وأن روسيا ساعدتنا على إقامة سد الفرات كما ساعدت مصر من قبلنا على إقامة السد العالي.. أم أن تلك الشركات الأربع على حد قول سيادته تحتكر صناعة الكهرباء أيضاً حتى في روسيا والصين واليابان ودول أوروبا، وبالتالي فإن الشركات الروسية والصينية تخضع لاملاءات تلك الشركات الأربع. ولهذا السبب تم رفض عرض مغري لتركيب محطة باستطاعة 500 ميغا التي تقدمت بها أحدى الشركات الروسية قبل أن يستلم وزير الكهرباء الحالي وزارة الكهرباء.؟!

ونسأل سيادته أيضاً ماذا فعلت حكومته والحكومات المتعاقبة وكذلك وزارة الكهرباء تجاه الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية ؟ فهل وضعت الخطط الآنية والمستقبلية التي تلحظ باستمرار هذا الطلب المتزايد لاستجرار الطاقة الكهربائية نتيجة النمو السكاني المتزايد؟ كأن تزيد من إقامة محاطات لتوليد الطاقة الكهربائية، وتهتم بصيانة مراكز التوليد والتحويل والتوزيع وتطويرها وتحديث القديم منها؟ أما كنا تجنبنا تلك الخسائر الكبيرة التي أصابت وما تزال تصيب المواطنين والاقتصاد الوطني نتيجة هذه الأزمة المستمرة، التي كان يجب أن لا تحدث على الإطلاق لو أن الحكومة الحالية ومعها الحكومات المتعاقبة قامت بواجبها الذي يفرض عليها دائماً النظر بعين ثاقبة ومتابعة مستمرة للحاجات الوطنية المتزايدة في مختلف المجالات ولاسيما الكهرباء منها التي تتطلب تطويرا مستمراً ومطرداً يتناسب ونسبة التزايد السكاني الحالية والمتوقعة في البلاد، وما يرافق ذلك من توسع في مشاريع السكن وبعض المشاريع الصناعية والزراعية والخدمية التي تحتاج إلى الكهرباء على مدار الساعة.

فإذا كانت الحكومة تشعر أنها عاجزة عن تلبية متطلبات وحاجات شعبنا وبلادنا، فلتقدم استقالاتها وتفسح المجال لحكومة جديدة منتقاة بشكل جيد ومدروس. فشعبنا العظيم لم يعد تقنعه تلك الأقوال والتبريرات التي تضع اللوم تارة على المناخ وتارة على السياسية، ولم نعد نعرف الحق على مين في أزمة الكهرباء هو على الطليان أم على الفرنسيين؟