شكسبير ابو الدرامة والمسرح يراه تولستوي تافها، وهذا لا يفسد للنقد قضية فالفن ومنذ فجر التاريخ عرضة للتقييم النقدي او غير النقدي من الآراء والرؤى المنطقية والاخلاقية والايديولوجية والمصلحية ومع هذا ظل شكسبير ملك الدرامة، ولم يكن الفن يوما يأبه لهذه الاحكام فهو يعتمد على التقبل وتسديد الحاجة، والحاجة ليست معرفة او علم فقط وانما متعة وفرح وسعادة وهذه لا يحددها الا الفرد المتلقي حسب اختياراته التي ليس مضطرا لإعلانها كما أنه ليس مضطرا لقبول او رفض النصائح التي تسدى له في قبول او رفض عمل فني راق او منحط، هذا اذا لم نلتفت الى التأثير العام الناتج عن الشهرة، او صعود وهيمنة موضات وصرعات فنية ما .

ولكن وفي السياق الاخير لا تستطيع سمعة الفنان او طباعه وميوله الشخصية ان تحدد قيمة فنه في اللحظة التاريخية.

لقد كان للتجارب الفنية العربية والتي حظيت بالكثير من الانتقاد والتقييم الاخلاقي والايديولوجي أثر بالغ في النظرة الى الفن المحدث، فمن يطلع على أدبيات الفن في الخمسينيات أو الستينيات يرى كمية هائلة من الهجوم على الفنانات انطلاقا من منظرهن الخارجي ولكن مع مرور الزمن نكتشف انهن تحولن الى تراث أو الى استاذات في الفن وهذا ما سوف ينطبق على هيفاء وروبي واليسا ايضا …

انهن جميلات ويملأن الشاشة بمقاييس هذا العصر ولهن من المعجبين والمعجبات ما لا يمكن اهماله الا بإهانة ذوق الناس واختياراتهم التي هي في المقام الاول مسألة حقوقية فمن هو الوصي على اختيار اي كان ان تكون هيفاء وهبة بشكلها الذي تريد هي مطربته المفضلة وليس أم كلثوم ؟

انه زمن الانتاج والسؤال هل نحن قادرين على انتاج فن نستطيع فرضه على العالم بقوته الذاتية ؟هنا السؤال، ولا ينفع معه ان نمنع اي كان (أي كان) عن عرض بضاعته ، ولا ينفع معه ان نوعي الجماهير على خطورة هكذا نوع من الفن وهذا بحد ذاته مصادرة والغاء للفن بصفة عامة .

اعطني بديلا ولا تقل لي لا تستمع الى فلان او فلانة، اعطني بديلا ولا تهن الفن بمنع فلان او فلانة ، والمقدرة الادارية البيروقراطية لم تستطع عبر التاريخ (حتى المكارثية) من منع اي من الصرعات الفنية قيمة كانت أم تافهة .

الجمهور ليس قاصرا وليس بحاجة الى اوصياء وهو حر اذا لم تقدم له البديل الاكثر امتاعا.

اليوم تطفو همروجة هيفاء وروبي واليسا على اساس منعهن من الغناء في سوريا، ولكن المنع ليس الا قرارا اداريا يمكن شطبه وتغييره وحتى معاكسته ولا اعتقد ان الفنانات المذكورات لديهن مشكلة مع صاحب القرار، وانما صاحب القرار سوف تكون لديه مشكلة مع قراره ربما عند زفاف احد انجال احد المسؤولين والذي يفضل احداهن للغناء في حفل زفافه ..فما العمل ؟؟؟؟ وهذا اصغر الاحتمالات …فكيف ونحن في عصر الفضاء المفضوح .

لا يبق لنا الا ان نهنئ اصحاب هكذا قرارات جريئة ونرجوا منهم ان يستصدروا قرارات بمنع استخدام اشعار ابو نواس في الغناء أو تفصيل مطربين على قد المطلوب من العفاف الاجباري المتوفر في نفوس البشر. .