لم يجف بعد حبر الاتفاق الذي أعلنته القوى الرئيسية الأربع في العملية السياسية العراقية، وهما الحزبان الكرديان الرئيسيان الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني والديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والحزبان الشيعيان الرئيسيان المجلس الاعلى الاسلامي بزعامة عبدالعزيز الحكيم والدعوة بزعامة نوري المالكي، حتى بدأت تصدر إشارات مختلفة عن هذا الفريق او ذاك بشأن الدوافع والاهداف والحيثيات التي أملت على هذه الكتل توقيع مثل هذا الاتفاق.

وهو الاتفاق الذي لم يرتق بناء على توصيفات الموقعين الى مستوى الجبهة وهي جبهة الاعتدال التي كانت منتظرة بسبب عدم انضمام الحزب السني الأهم وهو الحزب الإسلامي بزعامة طارق الهاشمي اليها. واذا كان الفريق الكردي هو الاكثر تجانسا من الجميع لكون المسائل المختلف عليها كرديا مع بغداد متفق عليها كليا بين الاطراف الكردية الى حد التفاصيل الدقيقة احيانا، فإن الفريق الشيعي يبدو في وضع بالغ الصعوبة بسبب وجود خلافات جوهرية بين اطرافه سواء التي يتشكل منها الائتلاف العراقي الموحد مثل التيار الصدري الذي يملك 30 مقعدا في الائتلاف والبرلمان او الفضيلة الذي انشق عن الائتلاف والذي كان يملك 15 مقعدا.

وطبقا لمضمون الاتفاق الجديد بمواده الاساسية التي بلغت 17 مادة ومواده الفرعية العشر، فإن هناك قضايا تم الاتفاق عليها لايزال مختلفا عليها سواء بين مكونات الائتلاف الموحد او بين باقي المكونات السياسية.

ففي الوقت الذي تم الاتفاق على اسس عامة وقابلة للتفسير والتأويل مثل تفعيل المشاركة السياسية والمشاركة بالسلطة والالتزام بالعملية السياسية وتوحيد الموقف الوطني وتقوية المؤسسات الدستورية والالتزام بها وغيرها من المواد والأسس التي يمكن ان يتضمنها أي اتفاق بين أي شريكين. غير ان هناك قضايا لاتزال قيد النقاش والخلاف معا وهو مايجعل موقف قوى الائتلاف التي وقعت على الاتفاق وهما الحزبان الشيعيان ضعيفا، بينما يبدو موقف الحزبين الكرديين قويا.

ففيما يتعلق بالفقرة السابعة من الاتفاق والتي تنص على مايلي: الإسراع في انجاز مراحل تطبيق المادة 140 من الدستور وتفعيل ودعم اللجان المعنية بالتطبيق ومحاولة الالتزام بالجدول الزمني للمادة المذكورة بفقرتيها المتعلقة بتسوية الأوضاع في كركوك وفي المناطق المتنازع عليها وفي حدود المحافظات وفق الدستور. فإنه وطبقا للسياسات التي تنطلق منها الكتل السياسية داخل الائتلاف ومنها الكتلة الصدرية، فإن موقفها من هذه المادة مختلف عن باقي مكونات كتل الائــتلاف وربما شخصيات مستقلة داخل الائتلاف ذاته، مما يجعل في مرحلة لاحقة أي مسعى جدي من قبل المالكي في الإسراع بتطبيق الماد 140 على وفق الجدول الذي يطالب به الاكراد وفق الدستور يصطدم بمعوقات داخل الائتلاف ذاته الذي ربما يكون مرشحا لانشقاقات جديدة.

ومع ان الطرف السني يعلن أنه مع تطبيق المواد الدستورية فإنه يرى أن التعديلات الدستورية لم تتم بعد، وبالتالي فإن الالتزام بهذه المادة الحساسة هو أمر يتحمله المالكي وحكومته لاسيما بعد انسحابهم منها. واستنادا لما نقله أحد وزراء المالكي من كتلة الائتلاف طبقا لما نشره موقع الكتروني قريب من احد اجنحة حزب الدعوة فإنه لم يعد امام الائتلاف الشيعي سوى التضحية بكركوك من اجل انقاذ المالكي وحكومته ازاء اصرار الاكراد وخصوصا الزعيم الكردي مسعود بارزاني الذي هدد صراحة بأنه ليس بوسعه عمل شيء طالما لم يتم الاتفاق بصورة واضحة ومحددة على البدء بتطبيق المادة 140 وفق جدول ملزم للحكومة وبلا أدنى تأخير أو تعطيل أو مساومة.

وإذا كانت المادة 140 هي عامل القوة الأكبر بالنسبة للتحالف الكردي وعامل الضعف الأكبر بالنسبة للتحالف الشيعي فإن الاتفاق نص أيضا على سحب جزء من صلاحيات رئيس الوزراء مقابل تفعيل صلاحيات مجلس الرئاسة مع اعتبار مجلس الرئاسة هو الطرف الساهر على تطبيق الدستور، وهي إشارة بالغة الأهمية على ان صلاحيات رئيس الجمهورية لم تعد موضع مساومة او تعليقات يتداولها مستشارو المالكي الذين كانوا يرون ان منصب الرئيس بلا صلاحيات في العراق، وهو عكس مانص عليه الاتفاق والذي جاء فيه تفعيل اجتماعات أسبوعية أو دوريــــة بين مجلس الرئاسة ورئيس مجلـــــس الوزراء للتداول حول سياسات وانجازات الحكومة مع التقيد بالصلاحيات الدستورية لمجلس الرئاسة باعتباره الساهر على تنفيذ الدستور وصلاحيات رئيس مجلس الوزراء باعتباره المسؤول التنفيذي المباشر والقائد العام للقوات المسلحة وصلاحيات مجلس الوزراء والوزراء حسب الاختصاصات والصلاحيات التي حددها الدستور.

الهاشمي.. ’’نصف قبول’’

واذا كان مجمل ماورد في الاتفاق يبدو وكأنه محاولة لإنقاذ العملية السياسية في البلاد فإن ماورد في العديد من مواده وبالذات المادتين المتعلقتين بكركوك وصلاحيات الرئاسة يمكن ان تضع المالكي وحليفه المجلس الاعلى في وضع لايحسدان عليه، ليس امام خصومهما من القوى الاخرى مثل التوافق والعراقية، بل من قبل حلفائهما الذين ربما يبدأون البحث عن حجج من قبيل لماذا الاستعجال بشأن تنفيذ المادة 140 قبل إقرار التعديلات الدستورية او لماذا التهاون بشأن الصلاحيات بحيث بات الوضع الآن حكومة برأسين.

ومع أن وضع الصلاحيات يلائم جدا نائب الرئيس طارق الهاشمي الذي طالما أصر على تفعيل صاحيات مجلس الرئاسة فإنه لم يسارع في الانضمام الى الجبهة ربما حتى لايتحمل مع الحكومة مسؤولية أي تداعيات مستقبلية، مع أنه سوف يستفيد من تفعيل هذه الصلاحيات بوصفه عضوا في مجلس الرئاسة وله مثل طالباني وعادل عبدالمهدي حق الفيتو على أي قرار يمكن أن يصدره رئيس الوزراء.

إن الهاشمي الذي سارع في تهنئة طالباني على الاتفاق ولم يبارك لزميله في مجلس الرئاسة عبدالمهدي او رئيس الوزراء المالكي أراد أن يبيض صفحته امام الاكراد الذين صب الاتفاق استراتيجيا لمصلحتهم، إلا أنه لم يرد مشاركة عبدالمهدي اوالمالكي اللذين وقعا الاتفاق مسؤولية أي خلل قادم طالما ان الاتفاق يمكن ان يصب في مصلحة حكومة المالكي تكتيكيا، الا أنه لايبدو كذلك على المدى الاستراتيجي، حيث انه يمكن ان يساهم في اجهاض العملية السياسية. غير ان هذا لم يعد موضع اهتمام في العراق طالما ان الجميع يراهن على الزمن الذي تجري رياحه بعكس سفن الجميع.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)