يكثر في هذه الأيام وخصوصاً في الصحافة الإسرائيلية تسريب معلومات عن الاستعدادات العسكرية السورية، وتضخيم الحديث عن شراء أسلحة صاروخية متطورة، وأن دمشق تمتلك حالياً أكبر منظومة دفاعية في العالم، كما تم تسريب منذ حوالي الشهرين معلومات عن أن سوريا أنشأت مدناً وتحصينات ضخمة للصواريخ تحت الأرض.

وأعلنت أن هذه التسريبات المقصودة من إسرائيل تتناغم دائماً مع تصريحات لمسؤولين إسرائيليين عن أن احتمالات الحرب بين سوريا وإسرائيل مستبعدة، هذا ما أكده إيهود باراك وزير الدفاع الجديد خلال الأيام القليلة الماضية، وكان رئيس الحكومة، أولمرت بدوره قد استبعد أكثر من مرة في الأسابيع الماضية خيار الحرب، بل دعا دمشق إلى مفاوضات ترسيخ السلام في منطقة الشرق الأوسط.

في ظل هذه الأجواء، خرج علينا المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية ألون ليئل، ليقول إما التفاوض مع دمشق أو الحرب بعد ثلاثة أشهر، موضحاً أن حالة التوتر التي تعيشها المنطقة قد تؤدي إلى حرب ما لم تبادر إسرائيل إلى تقديم خطوة إيجابية تدعم المفاوضات مع سوريا خلال هذه الفترة، ستقف دمشق أمام وضع لن تكون لها فيه فرصة للتراجع مع إيران، وستكون ملزمة بعدم فك الشراكة معها، مما سيدفع أكثر باتجاه تعقيد المفاوضات وربما الوصول إلى الحرب.

وفيما يؤكد أحد المحللين الإسرائيليين تكثيف الدعوة إلى الحرب، فإن الحرب باعتقاده بعيدة ولن تقع، ولكن مع ذلك فإن مسؤولين كبارا في جهاز الأمن الإسرائيلي نقلت بعض التقارير عنهم قلقهم من خطر حرب وشيكة مع سوريا بسبب حالة التوتر بين الطرفين، وكُشف في إسرائيل عن أبحاث سرية أجرتها أجهزة الاستخبارات.

وشارك فيها أولمرت، ووزير الدفاع إيهود باراك ورئيس الأركان غابي اشكنازي، لاستكمال الاستعداد لاحتمال حرب مع التركيز على ضرورة ضمان الكمامات الواقية للسكان ومواجهة احتمال إصابة خليج حيفا الذي ترتكز فيه مصادر الطاقة لإسرائيل من انبعاث مواد خطرة. وتتفق كل التقديرات بين كبار الاستراتيجيين.

وإن تفاوتت بعض الشيء، ان قضية الحرب هي واحدة من الخيارات المطروحة بشدة أمام صانعي القرار في إسرائيل، وهي على ما يبدو ليست للتهويل والضغط النفسي كما يفسر بعض المراقبين العرب، ولذلك تأتي تصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الواضحة والدقيقة عندما أعلن ان بلاده لن تبادر إلى الحرب ولكنها تستعد لها.

وعن علاقة بلاده بإيران التي تقلق الإسرائيليين فان الشرع كانت له إجابة في غاية الأهمية عندما قال بأنها علاقة استراتيجية ولكنها ليست «عمياء»، وهذه الكلمة في العلم الدبلوماسي لها دلالات كثيرة لمن يعرف ويقرأ بين الأسطر وهي بقدر ما تؤكد على الاستقلالية فإنها ترد على موجة الاتهامات والتحليلات التي كثرت في السنتين الماضيتين على أن سوريا أصبحت في المحور الإيراني، وانها أصبحت مستسلمة لمشيئته، وخياراته، ورد على الأصوات التي اعتبرت ان المحور الإيراني السوري هو مصدر القلق في المنطقة.

في مطلق الاحوال فإن نفير الحرب المعلن في إسرائيل لا يمكن أن تغطيه بعض المواقف الداعية إلى التهدئة، فالجيش الإسرائيلي منذ هزيمته امام المقاومة اللبنانية في حرب يوليو الماضي وهو يكثف تدريباته ومناوراته العسكرية كأن الحرب ستقع غداً، وهذا يؤكد أن قادة إسرائيل لم يقتنعوا حتى الآن بأن خيار الحرب لن يجلب الأمان للمنطقة، بل المصائب والكوارث، وإن استعادة هيبة الردع الهدف الذي حمله باراك معه إلى وزارة الدفاع سيكلف المنطقة الكثير من المغامرات التي لا يعرف أحد نتائجها الكارثية والمأساوية على المنطقة وعلى شعوبها.

فإذا كانت الحرب المقبلة وهي على ما يبدو باتت على الأبواب، وان الإسرائيليين لن يهدأوا ويقتنعوا بالسلام كمنهج استراتيجي كما قال المفكر عزمي بشارة منذ فترة إلا بعد هزيمة مدوية جديدة لإسرائيل، عندها سترضخ للأمر الواقع، اما الآن فإن جنرالات إسرائيل لا تتحرك في رؤوسهم سوى أصوات الطائرات والصواريخ المدمرة وطبول الحرب المتوحشة إذا لم تعلمهم تجربة لبنان الأخيرة.. فإن التجربة المقبلة ستكون أعظم واقسى... وعلى الباغي تدور الدوائر».

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)