كتبت صحف روسية، امس، ان موسكو بدأت تسليم أنظمة دفاع جوي متطورة الى سوريا، رافضة التكهنات حول احتمال وصول بعض هذه الاسلحة سرا الى ايران. ونقلت "نيزافيسمايا غازيتا" عن معلومات من وكالة انباء عسكرية محلية، ان "القسم الاول من تسليم الانظمة لسورية، بدأ".
من ناحية ثانية، بدأت الولايات المتحدة واسرائيل "سباقا مع الزمن" للحيلولة دون اقامة قاعدة بحرية روسية في سوريا.
وأقر تقرير لصحيفة "نيزافيسمايا غازيتا"، بان تسليم نظام مضاد جوي قصير المدى "بانتسير-اس 1 اي" يرتدي حساسية خصوصا في ضوء المزاعم الاسرائيلية السنة الماضية، بان الاسلحة الروسية التي تباع لسوريا تنتهي في ايدي "حزب الله".
ونقلت "نيزافيسمايا غازيتا" عن مسؤول ضالع في سياسة تصدير الاسلحة، ان "المخاوف من اعادة تصدير انظمة الدفاع الروسية الى ايران تعتبر اشاعات سخيفة". وقال فيتالي شليكوف، عضو لجنة السياسة الخارجية والدفاع الرسمية: "هذا غير ممكن"، مضيفا: "احد الشروط في كل صفقة هو حظر نقل الاسلحة الى دولة ثالثة".
ورسميا فان العقد يتعلق ببيع 50 نظام "بانتسير" بقيمة نحو 900 مليون دولار. واشارت تقارير اعلامية الى ان عدد الوحدات الذي بيع لسوريا هو نحو 36.
في غضون ذلك، أفاد محللون سياسيون بريطانيون، امس، بان "الشرق الأوسط مقبل خلال فترة قصيرة جداً على تحولات استراتيجية هائلة محورها سوريا من شأنها أن تغير وجه المنطقة تغييراً جذرياً، وتؤثر على التطورات السياسية والاقتصادية والعسكرية ليس في المنطقة فحسب، بل على مستوى العالم".
ويتزامن حديث المحللين مع ما ذكرته صحيفة "الغارديان"، أمس، من أن "الولايات المتحدة وإسرائيل دخلتا في حالة ذعر شديد ومستمر منذ الشهر الماضي، عقب تصريح أدلى به قائد سلاح البحرية الروسي فلاديمير ماسورين تحدث فيه عن نية بلاده إنشاء قاعدة دائمة للبحرية الروسية في المتوسط لم يفصح عن مكانها، لكن تل ابيب وواشنطن واثقتان من أن هذه القاعدة ستكون في سوريا".
ويعتقد المحللون البريطانيون أن "الخوف من انشاء قواعد روسية في سوريا كان سبباً رئيسياً في اسراع واشنطن (الخميس) الى توقيع اتفاق لزيادة المساعدات الأمنية الأميركية لإسرائيل ليصل حجمها إلى 30 مليار دولار تصرف على مدى عشر سنوات بدءاً من العام 2008". ويرون أن "الخوف من القواعد الاستراتيجية الروسية في سوريا هو السبب وراء الحراك السياسي الحاصل حالياً في الشرق الأوسط، بما في ذلك التوتر الأمني على الحدود بين إسرائيل من جهة وسورية ولبنان من الجهة الأخرى، إضافة إلى التوتر الحاصل في العلاقات بين سوريا وعدد من دول المنطقة ومن ضمنها السعودية".
ويرى سايمون تيسدول، المحلل السياسي في "الغارديان"، ان "تل أبيب وواشنطن دخلتا في سباق مع الزمن لمنع الروس من بناء قاعدة بحرية لهم في سوريا، لأن مثل هذا التطور إذا حصل سيجلب تحديات لا حصر لها للأميركيين والإسرائيليين على حد سواء، إذ إنه سيُعّقد المساعي التي تبذلها واشنطن حالياً للتوصل إلى تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين والمساعي لتسوية الأزمة اللبنانية، كما أنه سينهي انفراد الأسطول السادس الأميركي في السيطرة على المتوسط ويهدد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وخطوط نقل النفط العالمية عبر البحرين الأحمر والمتوسط وعبر منطقة القفقاس وشمال أفريقيا".
واكد المحلل الاستراتيجي البريطاني أ. ستافور في مقال أمس نشر على موقعه الإلكتروني، أن "وجود قاعدة بحرية روسية على شواطئ سوريا سيتيح لنظام الرئيس بشار الأسد فرصة أفضل لتحصين نفسه ضد أي هجوم أميركي أو روسي محتمل أي أن الروس سيقدمون لسورية بوليصة تأمين مغرية". وأضاف: "ومع أن سوريا لا تعوّل كثيراً على الروس لحماية المصالح السورية، إلا أن مجرد وجودهم سيغير أجواء التهديد التي تتمتع بها إسرائيل وسيجعل من تحليق الطائرات على ارتفاع منخفض فوق المنتجع الصيفي للأسد محفوفاً بالمخاطر نوعاً ما".
يشار إلى أن نقطة الإمدادات اللوجستية التي احتفظ بها الروس في ميناء طرطوس أصبحت معطلة بعد العام 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لكنها تظل القاعدة الروسية الوحيدة خارج حدود الدول التي حصلت على استقلالها في ذلك العام.
وكانت تقارير إعلامية تحدثت في العام الماضي عن قيام الروس بتعميق ميناء طرطوس وتنظيف مياهه، فيما ذكرت تقارير أخرى أن الروس يبنون رصيفاً جديداً لهم في ميناء اللاذقية.
من جهتها، ذكرت تقارير روسية بناء على تسريبات استخباراتية أن "الإسرائيليين قلقون جداً من أن تتحول القواعد البحرية الروسية في سوريا مستقبلاً إلى مراكز للمراقبة الإلكترونية، ما يهدد الأمن الوطني الإسرائيلي ويضع حداً لسيطرة سلاح الجو على الأجواء في الشرق الأوسط".
لكن صحيفة "كوميرسانت" الروسية أكدت أن "الخطط الروسية لإنشاء قواعد بحرية في المتوسط لم تبلغ مرحلة التنفيذ إلا بعد فترة طويلة"، فيما يعتقد بعض المحللين أن "احتمال رفض أوكرانيا تجديد اتفاقية استضافتها للأسطول الروسي في ميناء سيفاستوبول على البحر الأسود في نهاية العام 2017 هو السبب الذي يدفع الروس إلى التفكير بسوريا كبديل لإقامة قاعدة لأسطولهم في المياه الدافئة، نظراً للتوتر الحاصل في العلاقات بين موسكو وكييف في السنين الأخيرة".
ويشير المحللون البريطانيون إلى "العلاقة القديمة التي تربط سوريا بروسيا منذ العهد السوفياتي واتفاقيات التسلح المبرمة بين البلدين والتي ما زالت قائمة حتى اليوم، على أنها عامل أساسي في زيادة احتمال توصل البلدين إلى اتفاق في شأن القاعدة البحرية، يضاف إلى ذلك ارتباط سوريا بحلف واحد مع إيران التي تتمتع هي الأخرى بعلاقة جيدة مع روسيا من شأنها أن تمهد الطريق لاتفاق روسي - سوري حول القاعدة البحرية في المستقبل".
ويعتقد البعض أن "مجرد الحديث عن احتمال اتفاق روسي - سوري حول القاعدة من شأنه أن يمنح السوريين شعوراً بالقوة ويدفعهم الى زيادة سقف مطالبهم لتحقيق مكاسب من الغرب وواشنطن بالذات إن كان ذلك في لبنان أو في الجولان". ويرى محللون آخرون أن "الروس يلعبون لعبة القواعد البحرية مع سوريا ضمن لعبة أكبر هدفها تحدي الولايات المتحدة في مناطق نفوذها خصوصا منطقة الخليج".