أنعى اليكم بمزيد من الأسى والأسف والحزن... ما يسمى "مثقفين". المثقفون في لبنان ماتوا، انتهوا.

أنعى اليكم بمزيد من الأسى والأسف والحزن... ما يسمى "مثقفين".

المثقفون في لبنان ماتوا، انتهوا.

أقول مثقفين لا الثقافة التي هي انتاج حضاري وابداع حر وتغيير مستمر. المثقف كما أفهمه هو شاهد على العصر وناقد لكل سلطة وصاحب موقف جريء ورأي سديد ورؤية مستشرفة.

في لبنان تحوّل المثقف الى مستشار لرب عمله (صاحب السلطة) وموظف على أبواب السياسيين ومرتزق في بلاط الامراء، وانتهازي يبدّل رأيه ويتنقل في مواقفه كما يبدّل أحذيته وملابسه.

قيل "أنا أفكر اذن أنا موجود". وقيل ايضاً: "أنا أفكر اذن أنا أقول لا". باختصار، التفكير هو النقد والرفض والتغيير واعادة البناء. والمثقف هو المفكر الذي يقول لا للاستكبار وللسلطان المستبد، زعيم طائفة أم رئيس حزب أم مسؤولاً سياسياً. لا من يتفنن ويتفذلك ويتذاكى بشتم الآخر المختلف عنه ويتعامى عن أخطاء جماعته وقبيلته وعشيرته وحزبه وطائفته فاذا به أكثر شراسة وعنصرية وفاشستية من قيادته.

شبح الحرب يخيم على البلاد، خطابات السياسيين حوار طرشان. والذين يدعون بأنهم مثقفون، يتفرجون غائبين، يعبئون جماعتهم غريزياً بكل ما لديهم من أدوات فكرية يمينية كانت أم يسارية من أجل الغاء الآخر.

السياسيون يتحاورون أحياناً، أما من يسمون أنفسهم مثقفين فلا يتحاورون. لا حوار، لا نقد ذاتياً، ولا تواصل في ما بينهم، بل يؤججون القطيعة بكتاباتهم

واطلالاتهم التلفزيونية وأحاديثهم في المقاهي والمنتديات.

سؤال بسيط: لماذا لا يتحاور المثقفون لايجاد حل أو مخرج للمأزق السياسي؟

الجواب: لأنهم ماتوا، انتهوا، لم يعودوا موجودين. اصبحوا مثقفي طوائف وعصابات متقاتلة وعائلات وشركات متوحشة، خاصة أولئك الذين كانوا مثقفين يساريين وما زالوا يحملون في قلوبهم وعقولهم خيبات الفشل وحقد الاحباط وديالكتيكية الديماغوجية الى حد الكذب والانتهازية والسفسطة والتبرير.

هل هي العولمة وفرت للانسان المعاصر كثرة المعلومات وسعة أوقات الفراغ، ما أضعف ملكة التفكير والنقد والجرأة والأمل بالتغيير، فأغرقته في عالم الثرثرة واللهو والسخافات؟

أم أن هذه الحالة محصورة في لبنان الذي يواجه وضعاً من الفوضى والضياع والابواب المغلقة، ما أفقد المثقف الوعي وارادة التغيير، فانصرف عن العمل والنضال الى الكسل والانهزام ومسايرة أمراء الواقع؟

المثقفون في لبنان انتهوا، لكن الثقافة لن تنتهي، لأن ثقافة الحياة كانت دوماً الأقوى.

مصادر
النهار (لبنان)