لم تخطئ أبدا كل التحليلات التي قالت إن العرب انقسموا إلى حلفين متضادين منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان في الصيف الماضي، فمن جهة ولد حلف ما يعرف بالاعتدال العربي، ومن جهة أخرى ولد حلف مقابل عرف بدول الممانعة العربية، وما بين الإيمان بأن ما قام به حزب الله حين خطف الجنديين الإسرائيليين بأنه مغامرة من قبل دول الاعتدال، والإيمان بأن ذاك حق مقاومة مشروع، تاهت البوصلة العربية وعبثت آلة الحرب الإسرائيلية بدماء أهل لبنان دونما رحمة حتى بالأطفال، وأخذ الخلاف العربي يكبر كما كرة الثلج ويحتقن في الأنفس حتى تفجر مؤخرا على لسان نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الذي فتح النار في كل الاتجاهات، ففي حين صب جام غضبه على السعودية، طال بالتلميح مرة وبالتصريح مرة أخرى باقي دول «الاعتدال» الأردن وسوريا، فهل هناك أقوى من أن يقول الرجل إن الرئيس السوري أراد الاجتماع بـ «زعمائهم» على هامش القمة العربية الأخيرة لكنهم رفضوا تبعا لإملاءات خارجية؟!!

حالة الخلاف السعودي ــ السوري ليست بالجديدة، فلطالما انقسم العرب على بعضهم البعض لا سيما في الأزمات، حتى تلك الأزمات التي يكون فيها الشعب العربي من يدفع الثمن، ولربما لنا في التاريخ القريب عبرة، ففي حين أقدم صدام حسين على «مغامرة» غير محسوبة إذ غزا دولة عربية أخرى، انقسمت الزعامات العربية أيضا الى تحالفين متضادين في الوقت الذي كانت فيه الشعوب تتطلع الى زعمائهم على أنهم الخلاص من حالة التشرذم وعدم التوازن التي أدخلها فيها صدام في ذلك الوقت، فهل تصدق بأن تحرير فلسطين مثلا سيكون عبر غزو الكويت! وهل تصدق أن حرب ثماني سنوات مع إيران كانت أيضا لصالح القضية العربية فيما إيران الآن الوحيدة التي «تتنطح» لاسرائيل ومن ورائها أميركا مهددة بالنووي وبإزالة الشيطان الإسرائيلي من الوجود؟!

لا أعلم حقا إذا ما كانت هناك الآن أية أصوات عربية مخلصة من الممكن ان تضع حدا لهذا «التناطح» العربي غير المبرر في وقت تعاني فيها الأمة «الأمرين»، لكن ما أعرفه تماما وما أنا متأكد منه بأن المستفيد الوحيد من كل هذا «الشطط» هي إسرائيل في الغرب، وأميركا في الشرق، وهنا أقصد في العراق طبعا، وسواء تصارعنا على الأدوار أو على زعامة أحادية للأمة، فليعلموا بأن الأمة تائهة ولا تعرف أساسا من سيخلصها من حالة «اللاتوازن» التي تتخبط في دائرتها.

مصادر
الوطن (قطر)