جاءت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس إلى منطقة الشرق الأوسط مع سلة مليئة بالهدايا المقلقة. كما يبدو للوهلة الأولى، وضع الدول المؤيدة للغرب في المنطقة سيتحسن من الآن فصاعدا. إسرائيل ستحصل على 30 مليار دولار كمساعدة لعشر سنوات حتى تشتري عتادا عسكريا. ومصر ستحصل على 13 مليار خلال عشر سنوات وهي أيضا تأتي في إطار الدعم العسكري. دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية، قطر، الكويت، البحرين، عمان والإمارات المتحدة) ستحصل معا على 20 مليار دولار.
الرسالة التي صرحت بها رايس: هذا الرد سيمكن هذه الدول من التغلب على التهديد الإيراني والسوري، وكذلك الآتي من تنظيم القاعدة وحزب الله (حماس لم تذكر لسبب ما). إذا فلماذا تبدو وجوه قادة المنطقة متجهمة رغم ذلك، لأنهم بدأوا يدركون حجم الكارثة.
كل هذه الحلوى المعطاة لهم تأتي ببشارة واحدة بسيطة: الولايات المتحدة لا تنوي مهاجمة إيران عسكريا، وما تقوله الآن لحلفائها في المنطقة هو: نحن سنعطيكم السلاح ولن ننسى تشجيعكم. فلتنجحوا في مساعيكم ضد إيران وليعطكم الله الصحة والعافية.
أميركا فقدت الاهتمام
ليست هناك احتمالية أخرى لتفسير هذا السخاء الفجائي من قبل الولايات المتحدة الذي يرمي إلى بلورة حزام عسكري في الشرق الأوسط وكذلك حزام دبلوماسي، كما يتجسد من خلال مؤتمر دول المنطقة المزمع عقده في الخريف المقبل. لكن هذا حزام من إنتاج شرق أوسطي، وسيكون مضطرا لمواجهة إيران وتسلحها التقليدي والنووي.
لشدة الدهشة، لا تبدي الولايات المتحدة أي رد فعل تجاه إيران، ولا حتى إصرارا دبلوماسيا، فيما تبدو بريطانيا وفرنسا وألمانيا أكثر تصميما منها في كل ما يتعلق بالتشدد في العقوبات. ’أميركا بوش’ تبدو وكأنها قد فقدت اهتمامها بهذه المسألة.
هل مؤتمر السلام جدي حقا؟!
من هنا ندرك نحن أيضا انه لا يوجد إصرار كذلك في قضية مؤتمر السلام المزمع: هناك عمل كسول يجري بتباطؤ وتثاؤب من جهاز التحكم عن بعد. ما هكذا يعدون العدة للمؤتمر، ومن اجل المقارنة نذكر أن وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر قد تجول في المنطقة نصف عام على الأقل، في عام 1991، تحضيرا لمؤتمر مدريد. كان يهدد هنا ويضغط هناك ويربت على الأكتاف هنا وهناك ويعزز المواقف في مكان آخر إلى أن تمكن من عقد ذلك المؤتمر الناجح الذي حرك العملية السياسية.
هذه أنباء سيئة للشرق الأوسط. الخط اللين الذي تتبعه رايس انتصر على النهج المتصلب لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني. وبما أن الولايات المتحدة ليست معنية بالتخلي عن حلفائها، فهي تقوم بالتغطية على هجرانها ورحيلها لقطع متنوعة من الحلوى. ولكن ليس هناك أي شك في ذلك: هذه عملية تخل وهجران.
الولايات المتحدة تتطلع إلى الفرار من المنطقة بعد فشلها المدوي في العراق، وبعد إخفاقها في ترسيخ الديموقراطية الضعيفة في الأنظمة وإضعافها لها إلى درجة التهديد بإسقاطها. فقبل تدخل الأميركيين في العراق كانت هذه المنطقة أكثر استقرارا بكثير.
ولكن في إيران أيضا سيبدأون في استيعاب التخلي الأميركي هذا، وبناء عليه سيزيدون من وقاحتهم وتصلفهم وتحدياتهم. معنى ذلك: زيادة شدة الإرهاب الإيراني في لبنان والعراق ومناطق أخرى. الولايات المتحدة دخلت إلى دوامة شرق أوسطية جديدة سرعان ما سترتد على المنطقة كلها كارثة أخرى، وستكون خيبة الأمل والغضب متناسبة طرديا مع حجم التوقعات من نظام بوش العدمي.
الخيارات المتوافرة
ما الذي يمكن فعله الآن؟ الموافقة على الحصول على المال هي في واقع الأمر موافقة على الرحيل الأميركي وتخلي الولايات المتحدة عن الصراع ضد إيران، ولكن ليس هناك مجال لاسترجاع ما ضاع. يوم الخميس الماضي وقعت إسرائيل على اتفاق الحصول على الدعم العسكري، ومن الآن أصبحت إيران مشكلتنا نحن.

مصادر
القبس (الكويت)