أسارع للتنويه بأن عنوان هذا المقال ليس قولي، بل هو قول للسيد هلال الأطرش وزير الإدارة المحلية والبيئة في ندوة "السقف المفتوح" التي عقدها مع صحفيي جريدة الثورة في السادس من الشهر الجاري في إطار الترويج للانتخابات المحلية. وقد وجب التنويه السريع قبل أن يأخذ علي الناس أني أقول قولا مجحفا في حقهم، ويأخذ علي المهتمون ويعتبروني بدأت أقول كلاما مغالطا.

ليس في ما قاله السيد الوزير طوال تلك الجلسة غريب عن الخطاب الرسمي السوري، فجميع المسؤولين يعتبرون أن دورهم ينحصر في التأكيد على جودة السلطة والحكومة، ويعطون لأنفسهم شهادات جودة شبيهة بتلك التي تتسابق عليها القطاعات الصناعية والتجارية. طبعا يصطف المسؤولون الإعلاميون في إعلامنا الحكومي ضمن الجوقة فيقبلون من الوزير كلاما وأرقاما يعرفون جيدا أن لا معنى لها، ويقبلون منه تبريره لـ"بعض" عيوب الأداء الحكومي، مكتفين منه بالوعد "المعهود" أن الحكومة تعمل على حل كل الإشكاليات لكنها تحتاج من أجل ذلك لبعض الوقت. إن الكلام الحكومي عن "بعض الوقت" وانتظار انقضاء هذا الوقت، مهما طال، قبل الحكم على المشاريع والبرامج بات كلاما مهينا لذكاء الناس ولكرامتهم. فلقد انتهت فاعلية التسويفات وانتهت فاعلية تنصل كل وزارة من إخفاق سابقتها، وما عاد الناس مستعدون لتصديق مثل هذا الكلام: "اتخِذت خطوات جدية وحثيثة بهذا المجال [النظافة]، حيث ستكون سورية الدولة الأولى في المنطقة التي تضع نظاما متكاملا لإدارة النفايات. غير أن هذه المسألة تحتاج لوقت طويل واعتمادات كثيرة"؛ لكن على ما يبدو أن السيد الوزير مازال يجد من يصدقون مثل هذا الخطاب، لذلك ذهب إليهم وقال فيهم: "… ومنذ فترة لم أعد أسمع من وسائل الإعلام أو غيرها بوجود تقصير بمسألة النظافة". هذا الخطاب يهين ذكاء الناس، بل ويهين وطنيتهم وأخلاقهم. فعن أي نظافة يدور الحديث!؟

الأمر الآخر أن الخطاب الحكومي يطلب منا بعد كل إخفاقاته أن نثق بوعوده، وأن ننتظر نتائج المشاريع والبرامج المستقبلية وبعدها يمكن أن نحكم عليه؛ لا بل أن نحاسب أصحاب كما بات أغلبهم يقول! وكأن بمقدورنا محاسبتهم! لكن كما يعتبر أصحاب القرار الحكوميين أنه بمقدورهم وضع الخطط والبرامج والوثوق من صوابيتها وإمكانية تحقيقها، فإن نخبة واسعة من الناس غير الحكوميين قادرين هم بالمقابل على معرفة عدم جدارة مثل هذه البرامج والخطط، وقادرين على تصور انعدام إمكانية تطبيقها أو عدم مقدرتها على تحقيق الغايات المعلنة المرجوة منها. ومع ذلك يمكن القبول بالتحاكم على أساس النتائج ولكن ليس استنادا لأرقام الحكومة بل استنادا إلى مشهدية الواقع. ويمكن أن نتحاكم منذ اللحظة مع السيد وزير الإدارة المحلية والبيئة على مسألة النظافة والتنظيم وديمقراطية عمل المجالس المحلية استنادا إلى التصوير الفوتوغرافي.

لن أدقق في كل ما قاله السيد الوزير تحت السقف المفتوح، ولا في كل ما جاء في مناسبتين أخريين مع جريدة الثورة تعرض فيهما بالحديث عن قانون الإدارة المحلية الجديد، الذي روجت الحكومة له منذ ثلاثة سنوات على أثر تعاونها مع UNDP لتطوير وتحديث القانون وآليات عمله. فحيث يؤكد السيد الوزير في اللقاء المذكور أعلاه بتاريخ 6/8/2007 "أن قانون الإدارة المحلية بشكله النهائي انتهى تقريبا وهو بين أيدينا، ولن يتم إصداره إلا بعد تقييمه وإبداء الآراء حوله من خلال عقد ندوات واطلاع الجهات المعنية عليه من سلطات محلية ومركزية، وأيضا عرضه على الانترنت ليعطي المواطن رأيه فيه…"، كان قد قال تحت نفس "السقف" بتاريخ 18/3/2007: "وهو [أي قانون الإدارة المحلية] الآن في مراحله الأخيرة وسيعرض على مجلس الشعب"، في حين أنه قال في حوار مع جريدة الثورة أجراه معه الأستاذ هيثم يحيى محمد، والمنشور في 13/6/2006: "وحالياً تم الانتهاء من إعداد المشروع [مشروع القانون] بصيغته النهائية ورفع للجهات المعنية لدراسته وإقراره تمهيداً لإصداره, ونتوقع صدوره قبل موعد انتخابات 2007".

لكن السيد الوزير يرى "أن القانون السابق [لم يصبح سابقا بعد] لم يكن يحوي الخلل والخطأ بل قام بدوره بشكل كبير" تحت آخر "سقف مفتوح"، كما كان في "سقف" اللقاء السابق في 18/3/2007 حيث كان رأيه: "إن قانون الإدارة المحلية في سورية أكثر تطورا مما هو موجود في عدد كبير من الدول المجاورة، فمثلا في تركيا، رغم افتخارها بقانون الإدارة المحلية إلا أنه لا يرقى إلى مستوى القانون السوري، وكذلك في عدد من الدول العربية مثل اليمن"؛ حتى أن "الأوروبيين اعتبروا قانون الإدارة المحلية السوري ديمقراطيا أكثر من غيره بكثير، فهو يهتم كثيرا بمسألة المجتمع ووجود عدد كبير من جميع الشرائح فيه". فالغريب بالأمر إذن أن نصرف المال والوقت ونشحد من أصدقائنا في UNDP، ونجرجرهم معنا (من كيسهم) في ندوات عديدة في عدة مدن سورية لمدة ثلاث سنوات لحد الآن (والحبل على الجرّار) لكي نحدث قانونا يتمتع بهذا التفوق وحائزا على شهادة الجودة "الأوروبية"، إلا إذا كنا انتهينا من حاجاتنا في تحديث القوانين والأنظمة والمؤسسات ووصلنا إلى مستوى الترف القانوني.

ولكن إذا عدنا إلى حواره المذكور أعلاه مع مراسل الثورة وما أجاب به محاوره عن سبب فشل المجالس المحلية في كسب ثقة الناس حتى الآن، فإن السيد الوزير يرى أن "… السلطات المحلية تسعى دائماً للتفاعل مع الجماهير …" و"… أن المهم بالمسألة هو أن يكون لدى الجماهير الثقة بمجالسها المحلية …"، وإذا تذكرنا العنوان "إذا كان رئيس البلدية جيدا فلأن انتخابه جاء من أشخاص جيدين…" فأخشى أن يكون القانون الموعود سينص على تغيير الناخبين إلى ناخبين جيدين ليتمكنوا من انتخاب رؤساء بلديات جيدين، ولتكون لديهم (رغماً عنهم) الثقة بمجالسهم المحلية التي تقوم بواجبها على أكمل وجه في مسعاها للتفاعل مع الجماهير.