دعوة رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش، لعقد مؤتمر دولي في الخريف القادم، تمخضت كما يبدو للوهلة الاولى عن أفق سياسي. الساحة السياسية العلنية ومثلها السرية ايضا، تضطرمان وتحتدمان بالنشاط المحموم، وكأن العرّاب الامريكي يحاول حياكة مؤتمر يتلاءم مع مقاسات كل مشاركيه. هذا المؤتمر قد يكون حفل وداع لحقبة بوش، ولذلك يجب أن ينجح وفقا للرؤية الامريكية.

الاسباب التي دفعت بوش الى المبادرة الى عقد قمة دولية ترتبط قبل كل شيء بمحاولة ايجاد تعويض عن الاخفاقات الامريكية المتواصلة في الشرق الاوسط. من المتاح القول بأن الشرق الاوسط في عهد ما بعد صدام ليس منطقة مستقرة أو أكثر أمنا. بل على العكس: الفوضى في العراق، وتزايد قوة ايران والشيعة في العالم العربي بما في ذلك حزب الله؛ سيطرة حماس على غزة؛ استمرار نمو خلايا القاعدة – كل هذه الامور تبرهن على أن المنطقة ما زالت تهديدا محتملا وكامنا للنظام العالمي. أضف الى ذلك أن قضية تواصل تدفق النفط بأسعار معقولة هام جدا للغرب، ولكن من الناحية الفعلية يزداد ثمن البرميل من يوم الى آخر.

في ضوء كل هذه المشكلات يمكن للتقدم على طريق حل الصراع الاسرائيلي – العربي، وفقا للرؤية الامريكية أن يساعد في تقليل التهديدات على الجبهات الاخرى وزيادة الاستقرار الاقليمي. القمة الدولية اذا هي وسيلة لتحريك المفاوضات السياسية على أمل أن تفضي الى التقدم في حل مشكلات اخرى في الشرق الاوسط.

فكرة المؤتمر ليست سيئة. هي تضمن بأن لا يتحدد جدول الاعمال الاقليمي وأن لا يكون في يد الأطراف الاسلامية الراديكالية. هذه فرصة مريحة للاصوات المعتدلة في العالم العربي للتحالف معا – علانية وبالخفاء – من اجل مكافحة تلك الأطراف التي تعتبر في نظرهم ايضا خطيرة. وبالفعل، تشير زيارة وزيري خارجية الاردن ومصر كممثلين للجامعة العربية لاسرائيل (رغم أن الامر لم يطرح كذلك من الناحية الرسمية)، وانعقاد اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في مصر، وزيارة رايس وغيتس الى المنطقة، وصفقة السلاح الامريكية – السعودية، الى نهضة سياسية غير اعتيادية ترمي الى اعداد الارض لانعقاد تلك القمة.

هناك مؤشرات كثيرة تُدلل على أن المملكة السعودية ستشارك في ذلك المؤتمر بثمن صفقة السلاح الامريكية السعودية البالغة 20 مليار دولار. ما من شك بأن مشاركة السعوديين في القمة ضرورية جدا لانها ستوفر الغطاء الاسلامي الشرعي لأية خطوة. السعوديون معنيون بدفع مثل هذا المؤتمر الى الأمام الأمر الذي يعزز مكانتها في واشنطن باعتبارها الحليفة العربية الأكثر أهمية، ويُرسخ مكانتها في العالم العربي. كما أن المؤتمر يُعتبر امتدادا طبيعيا لخطة السلام العربية التي بدأت مع المبادرة السعودية في عام 2002.

تهميش حماس

مع ذلك يثير المؤتمر ايضا عدة مصاعب. يبدو أن الولايات المتحدة واسرائيل عازمتان على التركيز على المسار الفلسطيني، ومن اجل محاولة التقدم في هذا المحور يقترح اهود اولمرت الآن التفاوض حول اتفاق مبادىء فقط يُعتبر ركيزة للمفاوضات المستقبلية حول التسوية الدائمة. بذلك يكرر اولمرت النهج الاسرائيلي المعروف الذي يركز على التفاوض في المسار الفلسطيني ويعطيه أولوية بالمقارنة مع المسار السوري.

هذا التفضيل الذي يتم بصورة علنية وفظة، قد يدفع بسوريا مرة اخرى الى التشدد في موقفها. السياسة السورية اليوم تتحرك في الواقع على مسارين متوازيين: الاول، الدعوة للتفاوض مع اسرائيل، والثاني، اتصالات مكثفة مع ايران وحزب الله. هذان الخطان لا يتناقضان مع بعضهما البعض وانما يرميان الى استكمال بعضهما البعض، حيث يرمي تعزيز التحالف مع ايران وتمويل مشتريات السلاح من روسيا وتحريك حزب الله الى تعزيز قدرة سوريا على المساومة أمام الولايات المتحدة واسرائيل.

في الآونة الأخيرة سُمعت تلميحات غير قليلة عن وجود مفاوضات اسرائيلية سورية سرية تجري بواسطة طرف ثالث. رغم أن هذه القناة لم تتمخض عن النتائج حتى الآن، إلا أنه لا يتوجب على الولايات المتحدة واسرائيل أن تنبذا سوريا وأن تتركاها مراقبة للمؤتمر من الخارج. اذا بقيت سوريا في الخارج فستعمل على وضع العراقيل أمام انعقاد هذا المؤتمر، بل وعرقلته كليا. من الجدير ايضا أن نتذكر أن خطة السلام العربية والتي ستكون ركيزة للمداولات في المؤتمر بكل تأكيد، تتضمن ايضا تطرقا للساحتين السورية واللبنانية.

كما أن المسار الفلسطيني ينطوي على مصاعب كثيرة. خلافا للماضي، عندما كان للفلسطينيين تمثيل منتخب ومتفق عليه، لا يضمن الانشقاق الحالي بين فتح وحماس الخير. كل تقدم مع أطراف السلطة الفلسطينية التي تعترف باسرائيل قد يُجابه بفيتو حماس، التي تمثل قطاعا واسعا من السكان الفلسطينيين. كما أن محاولة امريكا واسرائيل، العلنية والصارخة، لتعزيز قوة أبو مازن قد تكون مجدية له على المدى القصير، إلا أنها ستصبح حربة مرتدة الى نحره على المدى البعيد. حماس قد تستعين بأطراف اقليمية معنية بعرقلة كل مبادرة سياسية – بما في ذلك سوريا اذا بقيت خارج الجدار – وعرقلة كل اتفاق مع أبو مازن والتنديد به باعتباره "خيانة" للقضية الفلسطينية.

الأمل هو أن تؤدي خطوة واسعة المشاركة برعاية عربية شاملة الى إضفاء الشرعية على أي تحرك سياسي، الامر الذي يحشر حماس في الزاوية. في هذه المرحلة يبدو أن حماس لم تنتعش بعد من الصدمة التي أصابتها إثر نجاحها في السيطرة على غزة، ولكن خطوات أبو مازن السريعة المضادة تُظهر بأن حماس ما زالت تدرس خطواتها. حماس بصورة نظرية قد تُتيح لأبو مازن بعض المرونة السياسية من خلال الافتراض بأنه سيحقق لها ما لا تستطيع تحقيقه من دون التنازل عن مبدأ عدم الاعتراف باسرائيل، من خلال الأمل بأن ينجحوا في نهاية المطاف في السيطرة على الضفة الغربية "المحررة" ايضا.

تعزيز قوة السنيورة

صيغة المؤتمر الحالية لا تشير الى تطرق للمسار اللبناني. في لبنان يجري اليوم صراع يُعتبر رمزا للصراع الدائر في الشرق الاوسط كله. الانتخابات الرئاسية القادمة تتضمن صراعا بين مرشحين مدعومين من ايران وسوريا وحزب الله وآخرين محسوبين على المعسكر المعارض لهم حيث أن الانقسام يجتاز خطوط الطوائف.

إخراج لبنان من المؤتمر ربما تم لاعتبارات ترمي الى عدم الرغبة في تصعيد الوضع الداخلي المتأرجح أصلا، ولكن، كما يحاول الغرب بطرق مختلفة تعزيز قوة أبو مازن، هو يرغب كذلك بتعزيز حكومة السنيورة المؤيدة للغرب من خلال دعوتها لحضور المؤتمر. كل قرار يُتخذ في المؤتمر سيتمتع بالشرعية العربية الشاملة تقريبا، وبذلك يمكنه أن يعزز تطبيقه داخل لبنان في مواجهة معارضة حزب الله المتوقعة.

رغم كل هذه المصاعب، ورغم كل المخاطر، يتوجب عقد المؤتمر. قبل عدة اسابيع اقترحت في مقالة في "هآرتس" عقد مؤتمر اقليمي ينفصل لعدة مسارات على غرار مؤتمر مدريد في 1991. مثل هذا المؤتمر يمكنه أن يُركز على المسار الفلسطيني كما يبدو الآن، إلا أن التركيز عليه وحده والذي لا ينطوي فقط على مشكلات اسرائيلية وفلسطينية، وانما وبالأساس على مشكلات فلسطينية داخلية، يزيد من احتمالات الفشل، الحقيقة التي ستؤدي بلا شك الى تسخين الساحة الاقليمية واعطاء تعزيز اضافي للقوى الاسلامية الراديكالية. لذلك من الأفضل توسيع دائرة الدول العربية المشاركة في المؤتمر.

حفلات الوداع لا تحمل البشائر، وانما ترمي الى انهاء فترة وإضفاء الشعور – حتى وإن كان لحظيا فقط – بالتسامي. المشكلة هي أن كل المشتركين يجيئون الى هذا الحفل مرهقين مُنهكين. يحدونا الأمل بأن ينجح المؤتمر على الأقل في توفير فرصة سانحة تشكل قاعدة مريحة لقائد امريكي أكثر جرأة، قادر على شد عجلة المفاوضات في مرحلة الصعود الى القمة بصورة أكثر نجاحا.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)