يكاد الشرق الأوسط أن يودع فصل الصيف من دون وقوع حرب بين سوريا و”إسرائيل” أو بين هذه ولبنان، بخلاف التوقعات والمقالات والدراسات التحليلية المعطوفة على مناورات وحشود عسكرية والتي ما برحت تنبئ بصراع وشيك بين “إسرائيل” وسوريا أو بين “إسرائيل” ولبنان.

لقد أهدر الطرفان حبراً كثيراً في الحديث عن الحرب. قيل إن الدولة العبرية لا تستطيع أن تتحمل هزيمة كالتي وقعت الصيف الماضي في لبنان ولا تستطيع أن تعيش وسط جيرانها العرب في ظل قوة ردع محدودة الأثر أو معدومة، الأمر الذي يغري جيرانها بالتجرؤ عليها وبالتالي السعي لبلوغ حقوقهم بواسطة القوة المسلحة. وقيل إن “إسرائيل” سرعان ما ستلجأ إلى حرب جديدة تبرهن من خلالها أن قوتها العسكرية لا تقهر وأن هزيمة الصيف الماضي كانت “فشلا” عابراً واستثنائياً. وقيل أيضا إن دمشق ستغتنم فرصة الهزيمة “الإسرائيلية” الشنيعة في جنوب لبنان وستبادر إلى الحرب من أجل استرداد هضبة الجولان المحتلة منذ العام ،1967 وتم الحديث عن سيناريو بل سيناريوهات للحرب على الجبهة السورية، من بينها أن تعمد دمشق إلى توجيه ضربة عسكرية مفاجئة للقوات “الإسرائيلية” تليها حرب استنزاف محدودة يمكن أن تحمل “إسرائيل” إلى طاولة المفاوضات.

وجرى الحديث عن سيناريو على الطريقة اللبنانية كأن تعمد دمشق إلى تشجيع أعمال المقاومة المسلحة في الجولان. فتستدرج ردا “إسرائيليا” واسعاً ومن ثم حرباً محدودة تتوج بمفاوضات انسحاب من الجولان وذهبت بعض الأنباء إلى حد القول إن سوريا وجهت إنذاراً إلى “إسرائيل” مفاده أن عليها أن تبادر إلى مفاوضات سريعة حول الجولان ضمن مهلة تنتهي في الرابع والعشرين من سبتمبر/ ايلول المقبل، وإن تعذر ذلك فستكون دمشق حرة في اختيار الطريقة التي تستعيد بها الهضبة المحتلة. ورغم أن الخبر لم يلمح إلى الطريقة المقصودة فإنها باتت معروفة للقاصي والداني إذ حددها الرئيس بشار الأسد في خطابه الشهير العام الماضي بعيد انتهاء حرب “إسرائيل” على لبنان، عندما قال إن مستقبل المنطقة معقود على إرادة المقاومة وليس على المفاوضات العقيمة والماراثونية مع الدولة العبرية.

والواضح أن حديث الحرب محدود من الجانب السوري لكنه مازال رائجاً وبقوة من الجانب “الإسرائيلي”، فلا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تنشر الصحف ووسائل الإعلام العبرية مقالات وآراء عن حتمية وقوع الحرب مع سوريا في المقام الأول ومع لبنان في المقام الثاني فضلا عن حديث متفاوت الأهمية عن اجتياح قطاع غزة مجدداً.

والملاحظ أن وسائل الإعلام نفسها لا تقيم اعتباراً كبيراً للتطمينات المتبادلة التي ينقلها مبعوثون يتجولون سرا بين البلدين، ما يعني أن القلق “الإسرائيلي” من اندلاع الحرب يعكس حالة خوف غير مسبوقة في “إسرائيل” ولعل هذا الخوف يضاعف مخاطر اندلاع الحرب.

في المقابل يعتقد بعض المحللين الغربيين أنه إن وقعت الحرب فستأتي المبادرة من “إسرائيل” وليس من سوريا بسبب حاجة الدولة العبرية إلى ترميم قوتها الردعية في حرب تقليدية مع دمشق، يسهل ربحها بسبب طابعها الكلاسيكي المناسب للجيش “الإسرائيلي” أكثر من حرب العصابات التي وقعت في جنوب لبنان الصيف الماضي.

أغلب الظن أن نسبة الخوف من الحرب في “إسرائيل” تتساوى مع نسبة الرغبة في خوضها والسبب في ذلك أن الدولة العبرية ترغب في الحصول على المزيد من الوقت لإجراء التعديلات اللازمة في الجيش “الإسرائيلي” وامتلاك الوسائل الضرورية لاستدراك العيوب التي برزت خلال حرب لبنان. ومن جهة ثانية ربما يعتقد قادتها أن فرصة الانتصار في حرب تقليدية مع سوريا متاحة ويمكن أن تمسح كارثة الصيف الماضي بسرعة وبالتالي تسمح ل”إسرائيل” باستعادة ثقة شعبها وحلفائها الغربيين ناهيك عن معاقبة الدولة التي تؤيد حركات المقاومة في المنطقة. في المقابل يبدو أن حظ سوريا باستعادة الجولان متاح هذا العام فقط، وقبل أن تستكمل “إسرائيل” استعداداتها، وقبل أن تحصل على وسائل عسكرية جديدة وقبل أن يستعيد المجتمع “الإسرائيلي” ثقته بجيشه ومؤسساته، لكن هذا الحظ لا يكتمل إلا بمعرفة مدى قدرة سوريا على تطبيق القواعد القتالية التي اعتمدها حزب الله في جنوب لبنان، ومعرفة ردود أفعال المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق في حال اندلاع حرب سورية - “إسرائيلية”، ومعرفة احتمالات التدخل العسكري الأطلسي في هذه الحرب إذا ما تبين أنها تدور لمصلحة دمشق ومعرفة نوع الرد السوري على احتمال استخدام “إسرائيل” أسلحة غير تقليدية، ناهيك عن نوع الرد الإيراني. كل هذه النقاط الغامضة يمكن أن تحسب في حساب المفاجآت الحربية لمصلحة دمشق، كما يمكن أن تحسب ضدها إذا ما تبين أنها افتراضية وغير قابلة للتطبيق.

يسمح ما سبق بالقول إن زمن اندلاع الحرب بحسب التوقعات والسيناريوهات المتداولة آخذ في النفاد، فهل يؤدي الخوف المتبادل من الحرب لدى الطرفين إلى استبعادها، أم أن مفاوضات سرية مكثفة حول الجولان تتم خلف الأضواء وتبقي المدافع في مخابئها؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال في غياب معطيات مؤكدة، رغم ذلك يبدو أن مصير الجولان أصبح اليوم واضحاً أكثر من أي وقت مضى فهو إما أن يعود إلى سوريا الأم بواسطة مفاوضات سريعة كبديل للحرب وإما أن يبقى مع “إسرائيل” لفترة زمنية طويلة إذا ما خسرت سوريا الحرب وإما أن يبقى مصيره معلقاً على فوهة المدافع خلال حرب استنزاف سورية - “إسرائيلية” على الطريقة اللبنانية، ما يعني أن مصير المنطقة يتوقف اليوم بكل المعايير على مصير الجولان.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)