من شجرة التين يتعلم الإنسان المثل، فمتى لانت أغصانها وأورقت، أدرك المرء أن الصيف قريب، ومتى تحدث بوش بقوة وزخم عن مؤتمر للسلام وعن قيام دولة فلسطينية مستقلة، وضع المراقب للمشهد يده على قلبه من الهول القادم، لا سيما أن ذات الحديث تكرر في أواخر العام 2002 قبل غزو العراق، وها هو يتلى مجدداً على أسماع العالم، غير أن سوريا هذه المرة هي المرشحة لدفع الثمن.

صدقية ما نقول به تتأتى من تحرك الآلة الإعلامية “الإسرائيلية” بأكاذيبها المعهودة وزيفها المعروف وبث سمومها لتهيئة الأجواء العالمية للحرب القادمة مع سوريا، فها هي الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلية” تملأ الدنيا صخباً وضجيجاً تحت دعاوى قيام سوريا ببناء مستودع أسلحة ذات رؤوس بيولوجية وكيميائية وصواريخ سكود وكاتيوشا بإمكانها الوصول إلى تل أبيب وإصابة الآلاف من “الإسرائيليين” حسب زعمها.

المشهد ليس مشابهاً فقط، بل يكاد يطابق حرفياً ما جرى غداة غزو العراق وما تقولت به “إسرائيل” من وجود ترسانة أسلحة دمار شامل لدى صدام حسين بمقدورها إبادة ربع “إسرائيل”، قبل أن يكشف زيف الرواية وكذب الراوي.

ليس هذا فحسب، بل إن صحيفة “يديعوت أحرونوت” “الإسرائيلية”، وفي أحد أعدادها الأخيرة، تجزم بكل يقين أن دمشق دخلت في سباق تسلح غير مسبوق وتقوم بشراء صواريخ أرض جو روسية الصنع، كما أن دمشق باتت تمتلك أكثر أنظمة الدفاع المضادة للطيران كثافة في العالم.

وفي وسط قعقعة السلاح في الشرق الأوسط لم تكن واشنطن بعيدة عما يجري في تل أبيب جهة سوريا، إذ يكتب وليم أركين المتخصص في شؤون الأمن القومي والوطني الأمريكي عبر صفحات “الواشنطن بوست” مشيراً إلى الوثائق والنقاشات الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية بشأن سوريا، تلك التي تضمنت تعليمات تلقتها المخابرات المركزية ومخططون عسكريون لوضع مخطط للأهداف الحالية المحتملة في سوريا لتوجيه ضربة عسكرية لها. وطبقاً لهذه الوثائق، فإن القيادة المركزية الأمريكية كانت قد تلقت أوامر من وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد لإعداد تقرير استراتيجي حول سوريا، وذلك كخطوة أولى في تنفيذ خطة حرب شاملة.

ومن النقاط المهمة التي تناولتها الوثائق حول الخطط الجديدة ضد سوريا إنجاز عمليات ومعلومات تعتمد على عدد من المحللين بتقييم نقاط الضعف في سوريا لضمان تطوير الخيارات المتاحة، بما في ذلك رصد سلوك قادة النظام السوري وأهم الشخصيات صانعة القرار في دمشق، وتصميم وخصائص البنية التحتية لنظام الاتصالات والمعلومات في سوريا وتوليد الكهرباء والمحولات وأنظمة ومرافق التوزيع.

سياسة إدارة بوش تقوم على رفض الحوار مع النظام السوري، وباتت تنظر للقيادة السورية على أن لا أمل في أن تغير مواقفها، وهو الأمر الذي نجده ينطلق وبصراحة منقطعة النظير على ألسنة الكتاب “الإسرائيليين” وفي مقدمتهم عاموس جلبوع من “معاريف” الذي كتب في أواخر يوليو/تموز المنصرم يقول إن الأسد يقوي علاقته مع إيران استعدادا للحرب، ويريد أن يحصل على كل شيء سلفا بلا محادثة ل “إسرائيل”.

وحتى تكتمل عملية تشويه صورة النظام لدى الدوائر الأوروبية والأمريكية المعنية بالعملية السلمية، يضيف أن الأسد يتلهى بالسلام ولا يرغب فيه، بل يسعى إلى إملاء شروط على “إسرائيل”، ولهذا يجب على تل أبيب أن تستعد باستراتيجية ردع عامة، والتوقف أمام جملة رئيسية قالها الأسد في خطبته الأخيرة: “سنة 2007 مصيرية”.

هكذا تقلب “إسرائيل” وكعادتها الأدوار، ففيما تقوم بأضخم وأكبر مناورات لها في الجولان منذ خمس سنوات، تحاول أن تظهر للعالم أن نظام الأسد هو الذي يود المبادأة هذه المرة. غير أن تصريحات للواء الاحتياط “ايال بن رؤوفين” نائب قائد منطقة الشمال في حرب لبنان الثانية يفضح المؤامرة “الإسرائيلية” العسكرية القادمة، عندما يقطع الشك باليقين بقوله إن المواجهة مع سوريا ممكنة والانتصار العسكر ي عليها مؤكد، ويخلص في دراسة شبه سرية إلى أنه قبل ثلاث سنوات كانت بلاده تستبعد فكرة الحرب مع سوريا، غير أنها اليوم أصبحت تراها واردة وبقوة، وعليه فمن المهم أن نؤكد أن الجيش “الإسرائيلي” يستطيع أن يواجه سوريا وأن ينتصر عليها على حد قوله.

وطبول “إسرائيل” لا تنقطع عن القرع، لا سيما أنها تتهم سوريا اليوم بإعادة إحياء الأحلاف القديمة وتقسيم المنطقة إلى أماكن نفوذ روسي وأمريكي من جديد، وذلك من خلال التقول بأن سوريا تنوي وضع موانئها تحت تصرف روسيا، وهو ما نفته سوريا التي ذهبت إلى أنه ليست هناك أية نية لمنح ذرة من التراب السوري لأية دولة أجنبية، غير أن أبواب الدعاية الصهيونية ما فتئت تتهم سوريا بأن وجود الأسطول الروسي في مياهها سوف يسهل تنفيذ عمليات تجسس ضد “إسرائيل”، وخاصة في مجال التجسس الالكتروني الذي يهدف إلى رصد منظومات السلاح المتطورة، علاوة على رصد تدفق المعلومات في القنوات التي يستخدمها الجيش “الإسرائيلي” وأجهزة الأمن “الإسرائيلية”.

هل تستعد تل أبيب بمشاركة ومباركة واشنطن لإشعال المنطقة من جديد؟ يبدو أن الأمر كذلك، فرغم تطمينات أولمرت الوهمية لسوريا بأن لا حرب اليوم أو غداً، فإن سياق الأحداث واعتراف وزير البنية التحتية في الحكومة الأمنية المصغرة ووزير الحرب السابق بنيامين بن اليعازر بأنه لا يستبعد نشوب حرب “إسرائيلية” على الجبهتين اللبنانية والسورية، يؤكدان وجود خطط سرية تم استدعاؤها على عجل من ملفات العسكرية والمخابرات “الإسرائيلية” والأمريكية.

هذه الخطط تسربت لأطراف عربية مقاومة مثل حزب الله الذي أعلن زعيمه حسن نصر الله أن جماعته تملك وسائل ردع لا تتوقعها “إسرائيل”، ولم يكن ليوجه ردعاً قاسياً بهذا الشكل لو لم تكن الأنباء أضحت شبه مؤكدة بل هي شبه مؤكدة بالفعل، والدليل ذلك الاجتماع السري الذي عقد في منزل أولمرت أوائل أغسطس/آب الجاري للطاقم الوزاري الخاص الذي بلغت سريته إلى أنه طلب من الوزراء ترك هواتفهم النقالة في مدخل قاعة للاجتماعات، وهو ما يعلي تساؤلاً شبه نهائي: هل اتخذ قرار الحرب ضد سوريا بالفعل؟ وهل خطط لضرب سوريا ومن ثم إيران قادمة في الطريق، ولا يقوى أحد على وقفها كما في حال العراق؟

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)