تمتلك إسرائيل جيشا يعد من أقوي جيوش المنطقة من حيث العدد والعدة والعتاد، وهو مدعوم ومعزز من قوي خارجية كبري تمده بكل ما يحتاجه للحفاظ علي قوته. ووفقا للاحصاءات الواردة في نشرة "الميزان العسكري"Military Balance عام 2005- 2006 يبلغ عدد الجيش الاسرائيلي، عند الاستنفار العام، ستمئة الف مقاتل (576300 مقاتل) من الرجال والنساء (168300 في الجيش النظامي و408000 في الاحتياط)، موزعين في تشكيلات قتالية من فرقتين مدرعتين (15 لواء) و4 فرق مشاة (12 لواء) و8 ألوية مظليين و12 فوجا من مدفعية الميدان والمدفعية الذاتية الحركة. ويمتلك 3657 دبابة قتالية رئيسية من مختلف الانواع، و408 مركبات استطلاع، وعشرة آلاف و419 ناقلة جند مدرعة، و5432 مدفعا وقاذفة صواريخ من مختلف العيارات (بما فيها 620 مدفعا ذاتي الحركة و224 قاذفة صواريخ متعددة الفوهات)، واكثر من اربعة آلاف مدفع هاون من مختلف العيارات (4132 مدفع هاون)، مع كميات ضخمة من الصواريخ (ساغر ودراغون: 1225 صاروخا، وتاو2: 300 صاروخ، وقاذف غير مرتد RCL: 250 قاذفا، وسام 1250 صاروخا، واستراتيجي: 100 صاروخ). ويمتلك سلاح البحرية الاسرائيلية ثلاث قواعد في كل من حيفا وأشدود وايلات، كما يمتلك 3 غواصات دولفن و3 مراكب بحرية من طراز "إيلات"، و51 خافرة سواحل، ومركبي إنزال، و5 طائرات هليكوبتر بحرية و300 عنصر كوماندوس بحري. ويعتبر سلاح الجو الاسرائيلي أقوي اسلحة العدو واكثرها حداثة، وقد اعتمد علي هذا السلاح في معظم معاركه مع العرب الي درجة يصح معها القول انه مدين، في انتصاراته، لهذا السلاح.
وتمتلك اسرائيل اكثر من اربعمئة طائرة قاذفة ومقاتلة وقاذفة مقاتلة (414 طائرة) تجتمع في 14 سربا، كما تمتلك طائرات استطلاع (13 طائرة) وطائرتي انذار مبكر وطائرات حرب الكترونية (31 طائرة) وطائرات بحرية للاستكشاف (3 طائرات) وطائرات تمون وقودا في الجو (5 طائرات) وطائرات نقل (16 طائرة) وطائرات اتصال (32 طائرة) وطائرات تدريب من مختلف الانواع (260 طائرة)، وطائرات استطلاع بدون طيار (494 طائرة).
وتمتلك اسرائيل كذلك سلاحا للهليكوبتر قوامه 266 طوافة (منها 95 طوافة للهجوم و5 طوافات ضد الغواصات و166 طوافة دعم وخدمات)، ولدي هذا السلاح عدد كبير من صواريخ أرض أرض، وصواريخ ارض جو من مختلف الانواع والعيارات. ولدي اسرائيل عدد كبير من المدافع المضادة للطائرات (815 مدفعا) من انواع وعيارات مختلفة. وتمتلك اسرائيل سلاحا استراتيجيا هو كناية عن مئتي رأس نووي، وصواريخ لرمي هذه الرؤوس النووية (صواريخ اريحا 1 حتي مسافة 500 كلم، وصواريخ اريحا 2 من 1500 حتي 2000 كلم).
وبلغت ميزانية الدفاع الاسرائيلية للعام 2005: 7 مليارات و870 مليون دولار اميركي، يضاف اليها مساعدات عسكرية خارجية (من الولايات المتحدة) بلغت ملياري دولار و200 مليون دولار اميركي، فيكون مجموع ميزانية الدفاع الاسرائيلية لعام 2005 ما يزيد علي عشرة مليارات دولار اميركي. لكن سرعان ما تم رفع الميزانية الاسرائيلية العسكرية الي 12 مليار دولار بعد حربها علي لبنان الصيف الماضي.
جبهة الجولان هل تشتعل مع نهاية العام؟
كتب - أنور الخطيب: قد يكون نوعاً من ضرب الودع القول باحتمالات نشوب حرب سورية-إسرائيلية علي جبهة الجولان إلا أن تحريك هذا الملف باتجاه التصعيد يرتبط بالضرورة بالتطورات السياسية علي أكثر من ملف فعلي الصعيد السوري يبرز ملف المحكمة الدولية التي قد تجد سوريا نفسها مضطرة معها إلي محاولة خلط الأوراق خاصة إذا اقتنعت أن المحكمة جري تسييسها من خلال توجيه الاتهام لشخصيات سورية بالمشاركة أو العلم بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.
ما قد يشعل جبهة الجولان من الطرف السوري أيضا النتائج التي يمكن أن يتمخض عنها مؤتمر السلام في الخريف المقبل خاصة إذا جري استبعاد سوريا وحقق هذا المؤتمر نتائج مرضية علي صعيد الملف الفلسطيني - وان كان هذا مستبعدا- حيث ستجد دمشق أن لا مناص لها سوي الاستفادة من تجربة المقاومة الشعبية لاستعادة الجولان حيث سنري سلسلة عمليات فدائية محسوبة في الجولان ضد الاحتلال الإسرائيلي خاصة أن الشعب السوري قد جرت تهيئته لمثل هذا الخيار لكن السؤال الذي يبحث عن إجابة له كيف سترد إسرائيل علي مثل هذا النوع من العمليات التي تهدف إلي جرها لحرب استنزاف بالدرجة الأولي لإجبارها علي العودة إلي طاولة المفاوضات وهل تقف مكتوفة اليدين تجاهها؟
أما علي الصعيد الإسرائيلي فإن تل أبيب التي خرجت من هزيمة ثقيلة في الصيف الماضي خلال حربها علي لبنان تتحسب ولا شك لأي مغامرة من هذا النوع حتي لا يتكرر الفشل مرة أخري خاصة ان مفهوم الحرب الخاطفة التي تجري خارج الحدود قد سقط الصيف الماضي وأصبحت معها الجبهة بالتالي كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال الصواريخ التي تعرف إسرائيل أن سوريا تستطيع من خلالها أن تصل إلي العمق الإسرائيلي وبسهولة! فهل إسرائيل قادرة علي دفع هذا الثمن وبشكل أكبر من المرة الماضية مرة أخري في حرب غير مضمونة النتائج؟
التحدي الآخر الذي قد يواجه خيار إسرائيل بشن حرب علي سوريا يتمثل في قدرتها علي الرد علي جبهتين أو حتي ثلاث جبهات مجتمعة فحزب الله بالضرورة لن يقف مكتوف الأيدي ان جري استهداف إسرائيلي لسوريا وهو قادر علي إنزال ضربات موجعة في عمقها كما أن جبهة غزة هي الأخري لن تكون هادئة وسنري تصعيدا عسكريا من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية لا سابق له.
إسرائيل لم تخف طوال الشهور الماضية استعداداتها لمواجهة أي محاولات سورية لإشعال جبهة الجولان المحتل وتمثل ذلك في المناورات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في هضبة الجولان والزيارات المتكررة لمسؤولي حكومة الاحتلال الإسرائيلية العسكريين والسياسيين إلي الهضبة السورية المحتلة والتصريحات المتضاربة حول احتمالات نشوب حرب هذا الصيف والتي تهدف بالضرورة ليس لاستعادة جاهزية جيش الاحتلال الذي لقي هزيمة منكرة الصيف الماضي بل توجيه رسالة للقيادة السورية أن الجيش الإسرائيلي استخلص الدروس من حرب الصيف الماضي وانه جاهز لسيناريو سوري مشابه.
يبقي تساؤلان مهمان في الإجابة عن احتمالات التصعيد علي جبهة الجولان المحتلة الأول هل تسمح القوي المؤثرة في المنطقة والمناخ الدولي السائد في حصول مثل هذا التصعيد؟ والي أي مدي يمكن أن تغض الطرف عن نشوب حرب قد تكون تكتيكية في المنطقة يمكن أن تفقد السيطرة عليها بما يهدد إلي تحولها إلي حرب إقليمية؟ والسؤال الثاني هل ستسمح إيران حليفة سوريا بالاستفراد بها إسرائيليا؟
في المحصلة العامة لا تبدو إسرائيل مستفيدة من خوض حرب مع سوريا فهي تحتل هضبة الجولان بأكملها وهي تتفوق عسكريا واستراتيجيا علي خصمها السوري وخوضها حرباً مع دمشق لن يزيد بمكاسبها أما سوريا فتجد أن استثناءها من مؤتمر السلام في الخريف المقبل وعدم الحماس أمريكيا لقيام تل أبيب بإعادة فتح أبواب المفاوضات مع دمشق رغم أن سوريا وافقت علي عودة المفاوضات معها بدون شروط مسبقة وبدون استحضار ما عرف بضمانة رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي فقد حياته علي يد مستوطن إسرائيلي عام 1995 يضعها في الزاوية الحرجة بحيث تري أن لا مفر من اللجوء لسيناريو يعيد طرح قضية هضبة الجولان المحتلة بقوة بعد أن تحرك قطار السلام في المنطقة بدونها هذه المرة.
سوريا اعتمدت قدرات الحرب غير المتماثلة للمواجهة
مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأهرام ... التقرير الاستراتيجي العربي: نظرا لأن سوريا ما زالت في حالة حرب مع إسرائيل، فقد ظلت القيادة السورية حريصة دائما علي الاحتفاظ بقوات مسلحة كبيرة وجيدة التسليح. وانخفضت قدرة سوريا علي الاستمرار في سباق التسلح مع إسرائيل بدرجة كبيرة منذ أواخر الثمانينات.
القدرات العسكرية السورية
319 القوات النظامية (بالألف)
354 قوات الاحتياط (بالألف)
3 الفيالق العسكرية
12 الفرق العسكرية
4700 دبابات القتال الرئيسية
5025 ناقلات الجنود المدرعة
1630 قطع المدفعية المقطورة
450 قطع المدفعية ذاتية الحركة
480 الراجمات متعددة الفوهات
6050 منصات الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات
850 منصات الصواريخ أرض أرض
2050 المدفعية المضادة للطائرات
4055 منصات الصواريخ المضادة للطائرات
589 إجمالي الطائرات القتالية
90 الهليكوبتر القتالية
2 فرقاطات
10 زوارق الدورية الصاروخية السريعة
8 زوارق الدورية
5 قطع مكافحة الألغام
ولذلك، وجدت دمشق صعوبات في الحفاظ علي كفاءة القوات المسلحة، أو مواصلة عملية التحديث العسكري، أو الصمود في سباق التسلح مع إسرائيل. وتذهب بعض المصادر الغربية إلي أن القيادة السورية باتت تركز في عمليات البناء العسكري علي ما يمكن وصفه ب قدرات الحرب غير المتماثلة، حيث ركزت علي اقتناء الصواريخ الباليستية بعيدة المدي وأسلحة الدمار الشامل، بهدف بناء ذراع هجومية طويلة المدي، ومن أجل تحييد التفوق التقليدي الإسرائيلي، علاوة علي أن ذلك يمنح سوريا قدرة ما علي مواجهة القدرات النووية الإسرائيلية. وإعطاء الأولوية لوحدات الكوماندوز والقوات الخاصة التي يمكن استخدامها في الدفاع عن الأهداف الرئيسية في سوريا، والتي قد تتعرض لهجمات مفاجئة من جانب إسرائيل. ويتسلح الكثير من هذه القوات بقدرات متطورة في مجال الأسلحة الموجهة المضادة للدبابات والأسلحة المحمولة الحديثة الأخري، والتي تتيح لهذه القوات الانتشار بسهولة وفاعلية، دون الاعتماد علي الأسلحة الثقيلة الأخري التي يمكن لإسرائيل استهدافها بسهولة أكبر. والحفاظ علي قوات كبيرة من دبابات القتال الرئيسية باعتبارها رادعا لأية محاولة إسرائيلية لاختراق الأراضي السورية. والاعتماد علي حزب الله في جنوب لبنان باعتبارهما وكيلين للسياسة السورية في الهجوم علي إسرائيل.
دمشق تسعي لاستعراض القوة قبالة الجولان من دون إشعالها

الدوحة - أيمن عبوشي: ربما تكون جبهة الجولان هادئة بعض الشيء إلا من حشود عسكرية متبادلة، توحي بأن الأجواء ملبدة بغموض النوايا من الطرفين.. لكن هذا التوتر الخجول الذي يرمز إلي استعدادات خفية علي شاكلة حرب أكتوبر، لن يفرز حربا سورية إسرائيلية، بالقدر الذي يؤكد أن الجانبين لا يأمنان بعضهما، بحجم ما تدفع الظروف السياسية الحالية دمشق وتل أبيب إلي الاصطدام والتريث في آن معا.
هذه المعادلة المتوازنة، هي نفسها التي خلقت حالة اللاحرب واللا سلم المستقرة.. لكن الصفعة القاسية التي تلقتها إسرائيل في حرب الصيف الماضي، لا تزال تستثير في القيادة العسكرية الإسرائيلية ذلك الغيظ، والترقب، والحذر، وتحثها علي الانتباه لجبهتها الشمالية.. بينما لا يسع سوريا إلا تسخين جبهة الجولان بالقدر الذي لا يشعلها.
ويستبعد المحلل العسكري المصري، اللواء الركن حازم عبد الرحمن العبد حربا بين البلدين، مهما روج البعض لها، مستندا إلي حقيقة أن سوريا الآن ليست لقمة سائغة، يمكن لإسرائيل أن تبتلعها في حرب خاطفة.. ويذهب المحلل العسكري المخضرم في وجهة نظره إلي أن التحرك الإسرائيلي علي جبهتها الشمالية، مرده سعي القيادة العسكرية هناك إلي تطعيم الجيش، ووضعه في أجواء المعركة من دون شنها.. وعلل اللواء العبد إشعال إسرائيل لحرب العدوان علي لبنان بسياسة إسرائيل التي تسعي دوما لاختلاق الحروب كي تواصل آلتها العسكرية تدريبها الميداني والفعلي.
ويؤكد البروفيسور الإسرائيلي، والمتخصص في التاريخ العسكري مارتين فان كريفيلد ، هذه النظرية، مؤكدا أن رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال جابي أشكنازي يؤمن بأن القيادات العسكرية يجب أن تقضي جل وقتها في الوحدات العسكرية، عوضا عن الانشغال بالأعمال المكتبية.
كما تنتهج إسرائيل خطا احترازيا علي الدوام، لوجودها المحاط بدول عربية أربع نصفها لا يبرم اتفاقية سلام معها، وهي بالتالي حريصة علي إشعال حرب محسوبة الأطراف بين الفينة والأخري، للإبقاء علي جاهزية الجيش في أعلي مستوياتها، أو تصعيد التوتر كحد أدني، من أجل بث الدماء في كوادر الجيش، كي لا يستكين أفراده لحالة الهدوء المؤقتة.
لكن تاريخ الحروب بين العرب وإسرائيل، يقول إن الدولة العبرية لا تترك ثغرة ينفذ خصومها منها، مهما صغر حجمها، وإذا كنا قد طوينا صفحة الحرب المشرفة التي قادها حزب الله ضد الترسانة الإسرائيلية باقتدار، فإن إسرائيل تأخذ وقتها الكافي في التحضير للانتقام.. وهي تعي جيدا أن السماء هي البوابة المشرعة أمام صواريخ حزب الله المجربة، أو السورية التي تثير قلقا جديا، لقدرتها علي الوصول إلي أية بقعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويري المحلل كريفيلد أن إسرائيل التي تحشد قواتها في الجولان، تمارس الخطأ نفسه الذي اقترفته في حربها عام 1973، مشددا علي أن الصواريخ السورية بعيدة المدي، هي التي تتطلب إيجاد حل لكيفية مواجهتها.. آخذا في الاعتبار التداعيات الكارثية التي خلفها قصف حزب الله للمدن الشمالية في فلسطين المحتلة عام 1948 .
حتمية الحرب
ويعتقد اللواء العبد أن الفوضي التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، في العراق، والتوتر علي الجبهة الإيرانية، والمتغيرات الدولية، تدفع باتجاه تقليل فرص الحرب مع سوريا، لافتا إلي تحالف شنغهاي حديث التكوين، والذي يعد - في نظره - أداة ردع جديدة، قد تحد من طموحات الإدارة الأمريكية في المنطقة، وتمنع حدوث حرب بين سوريا وإسرائيل وحتي بين إيران والولايات المتحدة.
لكن المحلل السياسي الأمريكي، جيف لايز يري أن الإدارة الأمريكية اتخذت مؤخرا ما يكفي من قرارات، توحي بأن ثمة ضربة عسكرية خاطفة تستهدف إيران أو سوريا أو الاثنين معا.. ويدلل لايز علي النوايا الأمريكية، بالاتجاه العام لخطابات الرئيس الأمريكي جورج بوش، والتي يتهم فيها مرارا طهران ودمشق بالوقوف وراء ارتباك الموقف الأمريكي في العراق، مهددا ولو بشكل ضمني باحتمالية توسيع رقعة الحرب.. ويشير لايز إلي نشر بطاريات صواريخ باتريوت الأمريكية في بعض بلدان المنطقة، وإضافة حاملات طائرات في الخليج العربي، وتعيين الأدميرال ريتشارد فالون عوضا عن جنرال عسكري، لما لفالون من خبرة ميدانية في الحروب الجوية والبحرية، منذ فيتنام وحتي الحرب الأمريكية العراقية عام 1991 كلها عوامل تدفع باتجاه تخمين الحرب المفترضة، بالإضافة إلي تكثيف الشراكة الاستخباراتية للمعلومات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وعدد من دول المنطقة.
لكن قراءة أخري يستحيل معها شن حربين متزامنتين ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا.. والحربان اللتان قد تغضبان شيعة العراق بالضرورة، سوف تخلقان أزمة عالمية، أشبه بحرب شاملة.
ويستبعد اللواء العبد شن أي من الحربين ولو بشكل متباعد، مرجحا تغيرات سياسية قد تشهدها المنطقة تحول دون الاصطدام العسكري، وتبشر بشيء من الاعتدال. بيد أن حربا واحدة علي إحدي الدولتين قد تكفي لعزلة الأخري.
علي الجبهة السورية
لا تستطيع سوريا أن تمرر أجندتها السياسية في لبنان، باتخاذ قرار الحرب أمرا واقعا، فالمناورة السورية، أو استعراض القوة حديث العهد مع إسرائيل، لن يطال لحظة الصفر، أو يشكل تهديدا فعليا بشن الحرب، كما أن الاتجاه نحو التشاحن مع الدولة العبرية، للإفلات من الضغوط الأمريكية، سوف يفاقم من آثار الأزمة السياسية حتي الآن.
فكل من إيران وسوريا، لا تستطيعان إطلاق الرصاصة الأولي، تماما كما لم يستطع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، أن يبادر بشن حرب فرضت عليه، ولا فكاك منها إلا بانسحاب الطرف المقابل. فالحرب تشكل المرحلة الحاسمة في معركة الوجود للنظامين السوري والإيراني، وخسارتها تعني خلخلة عنيفة لأسس الحكم.
إلا أن منطقة الشرق الأوسط، دخلت في خانة يصعب التنبؤ بحالتها الظرفية، ومنذ أن شنت الولايات المتحدة حربين متقاربتين علي أفغانستان والعراق، باتت القرارات الصادرة عن البيت الأبيض تقود لكل الاحتمالات.
وفي الوقت الذي ينفي فيه مسؤولو الإدارة الأمريكية مجرد التلميح للحرب مع إيران، فإن المناخ الضبابي، يشكل سلاحا بحد ذاته.. فقد يؤدي تحريك قطاعات عسكرية أمريكية، أوحاملات الطائرات إلي الخليج العربي، أو إصدار قرارات بتغيير القيادة العسكرية، إلي مضاعفة احتمالات الحرب.. وقبل ذلك عملت خطة الصدمة والترويع، التي تزامنت مع اجتياح بري مفاجيء إلي الأراضي العراقية عام 2003، علي توقع ما هو أكثر من قصف جوي معتاد.
وعلي غرار ما فعلته واشنطن، فإن الرد العسكري الإسرائيلي القاسي، الذي تجاوز حدود الضربة الخاطفة، إلي الحرب الشاملة علي لبنان، وضع المنطقة تحت تهديد متواصل، وأسقط من حسابات المراقبين، ضوابط الاشتباك المعهودة بين إسرائيل، وحزب الله، والتي كان يكتفي خلالها سلاح الجوي الإسرائيلي المتفوق بقصف أهداف حيوية في العاصمة اللبنانية بيروت لمدة لا تتجاوز اليومين أو تقل..
ويبدو واضحا أن هناك عزما أمريكيا، تساعده الممارسة الإسرائيلية، علي إيهام الخصوم في المنطقة بأن ليس هناك محرمات في القاموس الأمريكي، أو ضوابط تحكم الفعل وردة الفعل بحسب الظروف الدولية، والأخلاقية.
هذه السياسة غير المؤطرة، تجعل من الحرب واحتمالاتها، ضد أية دولة تجاهر بسياسة مناهضة للولايات المتحدة، أمرا واقعا إلي أجل غير مسمي..
وبينما ينفي رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت ، نوايا شن حرب ضد سوريا، يكد الجيش الإسرائيلي في تدريبات مضنية علي خط الجبهة الباردة في الجولان، ويستبعد الإسرائيليون إمكانيةالعودة إلي طاولة المفاوضات.. تاركين الموقف المتأزم عالقا مع فتح الباب أمام جميع الاحتمالات.
الخط المقاوم
تتمسك سوريا بثوابت المقاومة، من خلال تأييدها ودعمها المعنوي والمادي، لكل من حركة حماس، وحزب الله، وبالقدر الذي تشكل فيه فصائل المقاومة أوراق ضغط، فإنها تمثل عبئا تزداد تبعاته، مع زيادة المطالب الغربية لدمشق بالاستقامة في المجموعة العربية المتفقة جزئيا أو كليا مع سياستها.
وفي الزاوية المقابلة للتهديد الضمني بالتصفية الأمريكية السياسية لسوريا، أو الحرب الطاحنة مع إسرائيل، هناك ملاذ يتم دفع دمشق إليه بتؤدة، مع الإغواء بصفقة سلام تمرر همساتها تركيا، بالتزامن مع ضجيج الدبابات الإسرائيلية علي الهضبة.
لكن سوريا تعرف جيدا أن ثمن معاهدة سلام مع إسرائيل سيكون باهظا، خاصة وأن إغلاق ملف قضية الصراع العربي الإسرائيلي، سيتم بشكل كلي مع حل النقاط الخلافية علي المسار السوري، لهذا قد لا تغامر القيادة السورية باندفاع غير محسوب نحو العملية السلمية من دون إيجاد التسوية الإقليمية الملائمة لها.
وليس هناك ما يمنع إسرائيل من إعادة تدشين هذا المسار من جديد، ولو في جولات ماراثونية طويلة، سوي الاجحام الأمريكي عن حلحلة الوضع المتأزم في قضية الشرق الأوسط، وعزوفها عن التدخل بشكل إيجابي، أو حتي ترك المجال أمام إسرائيل لتسوية أوضاعها مع الدول العربية.