عاد هدير الغارات الجوية من الجيش اللبناني على مواقع «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد شمال لبنان، بعد إخلاء عائلات مقاتلي التنظيم من نساء وأطفال أول من أمس، ليطغى على هدير الغارات الإعلامية والسياسية التي تبادلها قادة الأكثرية والمعارضة والتي انخفضت وتيرتها أمس قياساً الى الأيام الثلاثة الماضية، فيما غادر موفد وزارة الخارجية الفرنسية جان كلود كوسران لبنان بعد ظهر أمس مختتماً لقاءاته مع قيادات الفريقين، مع توقعات بأن تتأخر زيارة وزير خارجيته برنار كوشنير الى بيروت، الى حين اتضاح إمكانات إحداث اختراق في جدار التصلب السياسي بحيث يمكن للزيارة أن تساهم في عودة لغة الحوار من أجل مخرج يتيح الاتفاق على إجراء انتخابات الرئاسة الأولى في موعدها الدستوري في الخريف المقبل.

وتفاعلت في بيروت أمس الأنباء عن إشارات تلقتها أجهزة الأمن السعودية عن خطة لاعتداء إرهابي على السفير السعودي في بيروت الدكتور عبدالعزيز خوجة أو مصالح سعودية في لبنان. وفيما آثر السفير خوجة تجنب الحديث عن الموضوع وقال انه يمضي اجازة في جدة حالياً، ذكرت مصادر لبنانية رسمية لـ «الحياة» أن الإشارات التي التقطت حول هذه التهديدات، قبل أسابيع، استدعت طلب السلطات السعودية من خوجة أن ينتقل الى المملكة، وأنه حين زار بيروت في 15 الشهر الجاري اضطر لذلك من أجل إقامة حفل التكريم المتفق عليه لنظيره المصري حسين ضرار لمناسبة مغادرته لبنان في اليوم التالي. ثم عاد فغادر الى المملكة في 17 الجاري. وقالت المصادر ان إشارات إضافية وردت عن تهديدات لسفير دولة خليجية أخرى.

وذكر مصدر لبناني لوكالة «فرانس برس» أن السفارة السعودية وجهت رسالة الى الخارجية اللبنانية بوجود التهديدات ضد منزل السفير أو السفارة أو مصالح سعودية في لبنان.

وفيما توزع نساء مقاتلي «فتح الإسلام» فجر وصباح أمس، وأطفالهم بعد إخراجهم من مخيم نهر البارد أول من أمس بين مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا، ومخيم البداوي ومدينة طرابلس في الشمال، أكد مصدر أمني لـ «الحياة» أن مديرية المخابرات في الجيش لم توقف أياً من النسوة اللواتي بينهن ابنتا قائد التنظيم شاكر العبسي وزوجته وصهره أيضاً، وزوجة «أبو هريرة» المسؤول العسكري السابق الذي قُتل، والتي نقلت فجراً الى مخيم عين الحلوة حيث يقطن جزء من عائلتها...

وأفاد عضو «رابطة علماء فلسطين» محمد الحاج، الوسيط الذي أمن إخراج النساء والأطفال، أن بعض النسوة هن من التابعية الفلسطينية اللواتي تقيم عائلاتهن في سورية وقد ينتقلن الى دمشق. وأفاد الحاج أن قادة «فتح الإسلام» نبهوا النسوة الى ضرورة عدم إجراء مقابلات مع رجال الصحافة والإعلام وأنهن يرفضن التحدث الى وسائل الإعلام.

أما على الصعيد السياسي، فقد ذكرت مصادر متفرقة لـ «الحياة» أمس أن عدداً من الموفدين الأجانب والسفراء والسياسيين المحليين نقلوا رسائل متعددة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال الأيام القليلة الماضية.

وأفادت «الحياة» مصادر ثقة أن وزير خارجية البرتغال لويس أمادو حين زار بري قبل يومين، سمع منه كلاماً يتعلق بمطلب المعارضة قيام حكومة وحدة وطنية قبل انتخابات الرئاسة، بأن موضوع الحكومة لم يعد أولوية في الوضع الراهن مع اقتراب المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي وما دام البحث سيبدأ بتناول اسم رئيس الجمهورية المقبل. وذكرت هذه المصادر أن بري قال هذا الكلام لأمادو ملمحاً أن هذا ما يقصده بالحديث عن التزامن بين الرئاسة والحكومة، وأن هذا يعني أن حديث الحكومة لم يعد هو الطرح الرئيس من قبله. وأضافت المصادر أن أمادو وجد في كلام بري جديداً ونقله الى بعض قادة الأكثرية والى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الذي طرح أسئلة عما يعنيه رئيس البرلمان بأن الحكومة لم تعد أولوية وكيف يتم ضمان اجراء انتخابات الرئاسة وقال: على كل حال هذا كلام يستدعي الاهتمام (interesting).

وقالت مصادر أخرى ان بري قال للموفد الفرنسي جان كلود كوسران كلاماً شبيهاً نقله عنه الى عدد من قادة 14 آذار وإن كوسران فهم منه أن الأولوية باتت لانتخابات الرئاسة لا للحكومة التي أصبحت وراءنا.

وبحسب معلومات «الحياة»، فإن سفراء أجانب التقوا بري سمعوا منه شقاً آخر من الكلام على الحكومة، قال فيه إنها لم تعد مشكلة وإن المطلوب التركيز على انتخابات الرئاسة، وأن بعض هؤلاء السفراء سمعوا كلاماً شبيهاً من القيادة العليا في «حزب الله». لكن بعض هؤلاء السفراء سمع استدراكاً من الرئيس بري قال فيه إنه «يجب التركيز على التوافق على اسم الرئيس العتيد، لكن إذا لم نتفق مع الأكثرية على الاسم، فهذا يعني حصول الفراغ بسبب الظروف الإقليمية التي تحول دون انجاز الاستحقاق الدستوري، ونحن ليست لدينا مشكلة مع الرئيس السنيورة لكن يجب أن نتفق على توسيع الحكومة الحالية بحيث لا تتولى قوى 14 آذار وحدها صلاحيات الرئاسة فتدخل «أمل» و «حزب الله» وكتلة زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون اليها ليتم تقطيع المرحلة المقبلة، (حتى تسمح الظروف بانتخاب رئيس جديد) من دون تنازع على ملء الفراغ، إذ من غير المعقول في حال عدم انتخاب رئيس أن تتولى هذه الحكومة بتركيبتها الراهنة الحكم وحدها». وشدد بري في حديثه مع بعض السفراء الذين طرح عليهم هذا الاحتمال بالقول إن همه انقاذ البلد من المأزق الذي قد يصل إليه في حال عدم انتخاب رئيس جديد.

إلا أن بري أبلغ سياسيين محليين التقاهم قبل يومين أن قفز موضوع اختيار الرئيس الجديد الى الواجهة يعني أن موضوع الحكومة لم يعد مهماً لأن أي حكومة ستستقيل فور انتخاب الرئيس ومن المعلوم أن الحكومة في أول كل عهد رئاسي تكون حكومة رئيس الجمهورية أي انها تكون مستقلة. وروى لهؤلاء السياسيين كيف أن الرئيس إميل لحود اتصل به عند انتخابه رئيساً وطلب منه مساعدته على الإتيان بحكومة مستقلة.

أما على صعيد التحرك الخارجي حول الأزمة اللبنانية فقد توقعت مصادر ديبلوماسية أن يزور وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس بيروت في إطار جولة عربية له خلال الأيام القليلة المقبلة لمتابعة جهوده في إطار التنسيق الاوروبي.

الى ذلك، علمت «الحياة» من مصدر فرنسي مطلع على الملف اللبناني، أن برنار كوشنير أجل زيارته إلى لبنان التي كانت مبرمجة أن تتم قريباً، في ضوء ما أتى به مبعوثه الخاص جان كلود كوسران الذي أنهى زيارته أمس إلى لبنان. وعليه، يُرتقب أن يقوم بهذه الزيارة لاحقاً ولكن ليس في الأيام المقبلة، نظراً أيضاً إلى برنامج عمل الوزير في أوائل أيلول (سبتمبر).

وقال المصدر إن زيارة كوشنير، التي كانت مرتقبة لدمشق، أُجلت أيضاً بطلب من الرئاسة الفرنسية التي لا ترى أن الظروف الحالية مواتية لمثل هذه الزيارة. وكان مساعد وزيرة الخارجية الأميركي ديفيد ولش زار باريس الاسبوع الماضي والتقى مستشار الرئيس الفرنسي جان دافيد ليفيت والمبعوث الفرنسي لكوشنير جان كلود كوسران، عشية زيارته لبنان، ومستشار وزير الخارجية كريستوف بيفو للتنسيق حول قضايا الشرق الأوسط، وبالتحديد لبنان ومسألة الرئاسة اللبنانية وموعد الانتخاب الذي توليه الدولتان أهمية كبرى كي يتم في موعده الدستوري وينتخب رئيس جديد.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)