شهدت سوريا خلال الأيام والأسابيع الماضية تلوثاً بصرياً وضجيجاً سمعياً للمرة الثانية خلال أربعة أشهر، فبعد انتخابات مجلس الشعب التي جرت في نيسان الماضي، اختتم المرشحون لانتخابات الإدارة المحلية يوم أمس الدعاية الانتخابية بضجيج سمعي أخف وتلوث بصري أقل بكثير من السابق، ليس لأن الناس عندنا تهتم أكثر بالوصول إلى مجلس الشعب أكثر من الوصول إلى مجالس المحافظات والمدن بخلاف ما يجري مثلاً في الدول الديمقراطية، حيث تهتم الأحزاب والقوى السياسية بالمجالس البلدية أكثر من مجالس التشريع لأن الناس هناك تريد خدمات أفضل وتهتم بتفاصيل حياتها اليومية ومن ينجح في الوصول إلى المجالس البلدية والمدنية يصبح الطريق مفتوحاً أمامه للوصول إلى البرلمان. وليس لأن أغلبية المواطنين لا يعلمون شيئاً عن انتخابات الإدارة المحلية، وأيضاً ليس لأن قسم كبير من المواطنين يجهل أصلاً وجود هكذا انتخابات، بل لأن أغلبية الناس منشغلة أساساً في تأمين لقمة عيشها في ظل الوضع الاقتصادي المتردي والارتفاعات الهائلة لأسعار المواد الضرورية، وما يُحكى أيضاً عن ارتفاعات قد تطال مادتي المازوت والغاز التي سوف ينعكس ارتفاعها على جميع المواد التي تعمل على هاتين المادتين، وما يُحكى أيضاً عن ارتفاع في أسعار الكهرباء وغيرها من المواد، وهذا بالضبط ما يشغل بال المواطن وما يفكر به ليل نهار، وأما الانتخابات البلدية فهي منسية، إلا لمن يريد حب ظهور ولديه طموح شخصي، وسيولة مالية و مصالح خاصة تتطلب منه التودد لذوي السلطة والنفوذ، كي ينجح في الانتخابات، فتراه "يتعربش" بذيل قائمة الجبهة الوطنية، لعله بذلك ينجح في اقتناص أصوات الجبهة الفائزة حتماً، كما فعل ذلك من قبل ما يسمى بالأعضاء المستقلين الذين نجحوا " بالعربشة" في انتخابات مجلس الشعب، عندما أضافوا أسمائهم إلى ذيل قائمة الجبهة الوطنية التقدمية.

والمتابع على أرض الواقع لسير الدعاية الانتخابية يلمس تماماً كيف أن كل يوم يمر دون أي ضجيج يذكر، وحتى المضافات التي أقامها المرشحون في الشوارع والساحات بقيت خاوية إلا من بعض مريدي المرشح وأقربائه، والناس تمر من أمام تلك المضافات دون أن تعيرها أي اهتمام. وليس مستغرباً عدم اهتمام الناس وانشغالها عن تلك الانتخابات، فلم يسمع الناس يوماً أن مجلس المحافظة أو المجلس البلدي قد فعل شيئاً لصالح الناس، فلم يحرك ساكناً تجاه هذا الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات والمواد الغذائية، كما لم يتدخل للحد من تغلغل العراقيين في أحياء المدينة، أو وضع حد للمشاكل والإزعاجات التي تصدر عن بعض العراقيين الذين يسهرون بصخب في الليل وينامون في النهار.

تتحدث مع الناس عن الانتخابات المحلية، فيجيبونك بالحديث عن انقطاع الكهرباء وعن ارتفاع الأسعار، وعن العراقيين الذين ساهموا بفعالية في رفع الأسعار، فعندما تتأفف مثلاً من شراء كيلو فاصولياء أو بامية بسبب ارتفاع ثمنه ، فيجيبك صاحب البقالية فوراً: " في غيرك بيشتري " وهو يقصد طبعاً الأخوة العراقيون..!!

فماذا فعل المسؤولون في البلدية والمحافظة ومن قبلهم المسؤولين في الحكومة تجاه ما يعانيه الناس.؟ وهل حاول بعضهم التخفيف من تلك المعاناة ولو بالكلام كأضعف الإيمان.؟ وماذا فعلوا تجاه المخالفات التي تشاد يومياً في مختلف أنحاء مدينة دمشق، والحفر التي تزين شوارعنا وطرقاتنا؟ وهل تحرك أحد في المحافظة أو البلدية ليشرح للناس عن أسباب الاحتفاظ بالمخططات التنظيمية للمناطق والأحياء المخالفة التي تحيط بالمدن الكبرى كما في دمشق وحلب.؟ أو هل بادر أحدهم لتنظيم إسكان الأخوة العراقيين بعيداً عن مراكز المدن.؟ أو هل بين لنا أحدهم السبب الحقيقي لكثرة تغير أرصفة الشوارع...؟ أوهل تحرك أعضاء مجلس الشعب الذين يدعون تمثيل الشعب للدفاع عن مصالحه، أو الدفاع عن مصالح الناخبين الذين انتخبوهم على الأقل، فقد تضاعفت الأسعار منذ انتخابات مجلس الشعب، ولم نسمع أن هذا المجلس قد تحرك لمناقشة هذا الأمر.؟ أسئلة كثيرة وتساؤلات أكثر يتداولها الناس فيما بينهم تنتظر أحداً من أولئك المسؤولين أن يجيب عليها أوعلى بعضها على أقل تقدير، نرجو أن لايطول الانتظار، إن الانتظار مملُُ ..!

فلو كان المعنيون في البلدية والمحافظة والحكومة ومجلس الشعب يهتمون بأوضاع الناس ويستمعون لشكاويهم ويشعرون بمعاناتهم، لما كنا شاهدنا أساساً هذا الفتور واللامبالاة من جانب أكثرية المواطنين تجاه هذا الاستحقاق الانتخابي، بل على العكس من ذلك لكنا شاهدنا أغلبية الناس تشارك بفعالية في هذا الاستحقاق الانتخابي الهام، ليس من أجل انتخاب الشرفاء والأكفاء والمحبين لبلدهم وحسب، بل من أجل قطع الطريق على الوصوليين والانتهازيين من الوصول إلى تلك المجالس المحلية.. لذلك سيبقى الناخب مطنش، مادام لا أحد يهتم به أو يعينه في مصابه أو يستمع إليه من أولئك الذين يطلبون وده، ويتحدثون باسمه عند حاجتهم إليه.!!