في وقت كشفت فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية عن لقاء سري عُقد بين رئيس وزراء حكومة تسيير الأعمال في رام الله سلام فياض، ورئيس الدولة العبرية شمعون بيريز في مكتب الأخير في القدس الأسبوع الماضي، وصل عدد الشهداء الفلسطينيين خلال اقل من 24 ساعة 12 شهيداً من بينهم طفلان. ويشهد قطاع غزة تصعيداً إسرائيلياً ضد فصائل المقاومة، وسط استمرار التهديد بضربات قاسية ضدها، وفضيحة انقطاع التيار الكهربائي التي لم تنته فصولها بعد.

اللقاء لم يتعرض لما يجري في غزة أو للأوضاع الإنسانية المأساوية فيه، واستمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي وانقطاع التيار الكهربائي عنها، وإنما تركز حول التحضير للاجتماع الإقليمي في الخريف المقبل، و قدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على السيطرة في الضفة ومواصلة التنسيق الأمني، وغيرها من المواضيع التي تدور حول الدعم الاقتصادي وعملية إنعاش الضفة الغربية.

الأزمة الفلسطينية الداخلية تزداد سوءاً وتعقيداً، ويتخذ طرفا النزاع مواقف أكثر صلابة على طريق تكريس عملية الفصل بين أبناء الشعب الواحد، وإثقال كاهل المواطن بالعديد من القضايا اليومية المعيشية التي أصبحت الشغل الشاغل للفلسطينيين في غزة.

الفلسطينيون لهم تجربة سيئة مع اللقاءات السرية، التي أسفر عنها التوقيع على اتفاق أوسلو. اللقاء السري الذي عقده فياض ليس الوحيد، فقد عقد منذ توليه رئاسة الوزراء أكثر من لقاء، من بينها لقاء مع يوفال ديسكن رئيس جهاز الأمن العام الاسرائيلي " شاباك"، وغيره من المسؤولين الاسرائيليين السياسيين والأمنيين. وحسب بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تحدثت عن لقاءات سرية أخرى قام بها مسؤولون فلسطينيون آخرون أمثال رئيس الوزراء الفلسطيني السابق احمد قريع، وياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورفيق الحسيني رئيس ديوان الرئيس عباس، التقوا ولا يزالوا مسؤولين إسرائيليين، بالإضافة للقاءات التي عقدها الرئيس عباس مع أولمرت وكانت ثنائية.

الهدف المعلن حسب وسائل الإعلام الإسرائيلية هو التوصل لاتفاق إعلان مبادئ فلسطيني إسرائيلي، والحديث عن تفاهمات قبل التوجه الى نيويورك لحضور الاجتماع الإقليمي في الخريف المقبل، وعلى رغم تناول وسائل الإعلام الإسرائيلية، بشكل يثير الاستغراب والدهشة كعادتها، عندما تريد تسويق ما يخدم المصلحة الإسرائيلية وكأنه تم التوصل لاتفاق، والمثير للاستفزاز والدهشة لم نسمع أي نفي أو تأكيد من المقربين من الرئيس عباس الذي يدير المفاوضات عبر تلك اللقاءات.

المعلومات التي تسربها وسائل الإعلام عامة تشير الى انه جرى التوصل للاتفاق على العديد من القضايا وان البحث يتم في قضايا الحل النهائي الأساسية مثل اللاجئين والمستوطنات و الحدود والقدس، يجري ذلك والساحة الفلسطينية تشهد تصعيداً خطيراً من تعزيز الانقسام وزيادة الهوة التي أصبح من الصعب جسرها. والعودة للفلسطينيين والعمل على إعادة الاعتبار لهم ولقضيتهم أصبح من المستحيل في الفترة الحالية.

بعض المصادر أكدت على أن البحث في القضايا الجوهرية، خاصة تلك التي تتعلق بقضية اللاجئين، اصطدمت بتعنت ورفض من الرئيس عباس، إلا أن تلك المصادر أكدت أيضا انه بات من الوشيك التوقيع على تفاهمات حول تلك القضايا، ومنها تلك التي ستدخل في إطار التسوية الدائمة المنتظرة قضيتي اللاجئين والمستوطنات، ولن يتم البحث في قضية القدس الكبرى، ويمكن منح الفلسطينيين السيطرة على بعض القرى التي تقع في محيط القدس.

ففي قضية اللاجئين فإن وجهة النظر الإسرائيلية، والتي تتطابق مع وجهة نظر بعض المسؤولين الفلسطينين تتلخص في أن يتم نقل عائلات بعض العاملين في مكتب م. ت.ف في لبنان الى الضفة الغربية، وعدد من القوات التابعة لحركة فتح، وكذلك نقل عدد من اللاجئين الفلسطينيين في العراق، لا يزيد عددهم عن 100ألف واستيعابهم في المدينة التي ستقام بين رام الله ونابلس.

وكذلك منح الفلسطينيين الذين عادوا الى الأراضي الفلسطينية بتصاريح زيارة في بداية قدوم السلطة والبالغ عددهم حوالي 50 ألف، بطاقات هوية واعتبارهم مقيمين دائمين، بالإضافة الى منح الفلسطينيين المقيمين في دول الخليج ويقدر عددهم بالآلاف جنسيات الدول المقيمين فيها، وسيتم ذلك باعتباره تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وعلى رأسها حق العودة.

أما بخصوص المستوطنات، فالجانب الإسرائيلي قدم خطة التجميع التي على أساسها فاز أولمرت وحزبه كاديما في الانتخابات البرلمانية، التي تنص على الانسحاب من أجزاء من الضفة الغربية مع احتفاظ إسرائيل بالكتل الاستيطانية الكبرى، ومبادلة أراضٍ فلسطينية التي تقع شرق جدار الفصل العنصري في الضفة العربية.

وهناك الكثير من القضايا الفرعية التي يجري التطرق لها، من رفع للحواجز العسكرية في الضفة الغربية وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، والوعود بالانتعاش الاقتصادي، و فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي وإمكانية إجراء الانتخابات الفلسطينية المبكرة التي طرحها الرئيس عباس، إلا انه من الواضح أنه لا يستطيع تنفيذها، خاصة في غزة.

ما يتم تسريبه والحديث عنه خطير جداً ويتفق ذلك مع العديد من التحليلات، التي تؤكد على أنه إذا حدث ذلك فإنه سيفضي إلى ضياع القضية الفلسطينية واندثارها، خاصة في ظل الانقسام الشديد والشرذمة، التي تشهدها الساحة الفلسطينية، والعجز العربي الذي تخلى عن مبادرته، وأصبح دوره كوسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين بدلاً من اتخاذ مواقف أكثر جدية في الضغط على طرفي النزاع والعودة للحوار والوحدة الوطنية.

والسؤال هنا: هل سيعود الفلسطينيون إلى أوسلو جديد؟! أم أن المقصود من هذه التسريبات إنجاح اجتماع الخريف، وزيادة الانقسام والشرخ في الساحة الفلسطينية؟ ولماذا حتى الآن لم نسمع من الرئيس عباس أو المسؤولين في رام الله أي نفي، أو التوجه للشعب الفلسطيني ووضعه في تفاصيل ما يجري؟ أم قدره أن يبقى ينتظر حتى يقرر جزء منه مصيره ومن دون علمه؟

التاريخ يعيد نفسه مرات ومرات في حياة الفلسطينيين وقضيتهم، وبدلاً من العودة للحوار والعمل على إعادة اللحمة لأبناء الشعب الواحد، يمضي كل فريق في طريقه ومصالحه من دون الأخذ في الاعتبار أن هناك شعباً من حقه أن يطلع عما يجري ومن دون أن يمنح تفوضاً لأحد في التفاوض على حقوقه.

الحكومة الإسرائيلية لا تزال تعمل على استغلال الفرصة الذهبية التي يمر بها الفلسطينيون من انقسام ونزاع، وتعمل على تمرير مشاريعها بالخلاص من القضية الفلسطينية، من دون النظر لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بناء على ما تكفله لهم المواثيق والاتفاقات الدولية. وهناك من يوجد في القيادة الفلسطينية لا يزال يصر على أن الحل المنفرد والاتفاقات الخلفية هي السبيل الوحيد للحل، معتقداً أن بوسعه تمرير مثل تلك الاتفاقات السرية كما حدث في العام 1993، متناسياً أن الظروف الداخلية الفلسطينية اختلفت بدرجة مائة بالمائة عما سبق وأن هناك شركاء جدد.