تعد حكومة أولمرت من أضعف الحكومات التي شكلت في إسرائيل منذ إنشائها، وأكثرها فسادا. إذ أن شعبية الأخير تكاد تقترب من الصفر، بسبب ما حَمَّلَتْه لجنة "فينوغراد" من مسؤولية الهزيمة العسكرية – المخابراتية التي منيت بها إسرائيل في حرب تموز – آب 2006، وبسبب تورطه والعديد من وزراء حكومته في فضائح الفساد والرشاوى.

ويتوقع العديد من السياسيين الإسرائيليين بأن لا يطول عمر هذه الحكومة، وبأن تجري انتخابات برلمانية مبكرة، عاجلا أم آجلا. بل إن بعض الرموز القيادية في حزب "كاديما" الذي يتزعمه أولمرت تقول بأن على حزبها أن يكون مستعدا لمواجهة احتمال اضطرار أولمرت الاستقالة.

وفي حال بدأت حملة انتخابية برلمانية جديدة ومحمومة، ماذا سيكون موقف وسلوك فلسطينيي 1948 والأحزاب "العربية الإسرائيلية" من هذه الانتخابات؟

لقد احترفت الأحزاب الأخيرة ما يسمى "النضال البرلماني"، وأجاد نوابها في "الكنيست" توجيه مئات الاستجوابات للوزراء الإسرائيليين حول الأوضاع المعيشية الصعبة للعرب، التمييز العنصري، مصادرة الأراضي، التمييز في ميزانيات المجالس المحلية العربية، أزمة السكن وعدم منح رخص للبناء، غياب الخرائط الهيكلية للقرى العربية، الخدمات الصحية السيئة وغير ذلك العديد من المواضيع التي تناولتها استجوابات الأعضاء العرب في "الكنيست"، فضلا عن الاستجوابات الكثيرة التي طالبت المسؤولين والوزراء الإسرائيليين بسن "قوانين" تهدف إلى "تحسين الظروف المعيشية للعرب"، لم يسن منها سوى بضعة قوانين هامشية لا تتجاوز عدد أصابع اليد، هذا عدا عن المناقشات والمداخلات البرلمانية حول ما يسمونه "النزاع العربي الإسرائيلي". ولم تحاول تلك الأحزاب التي اتخذت من رفع الاستجوابات للوزراء الإسرائيليين مهنة حزبية، ولو لمرة واحدة، مراجعة الجدوى الواقعية والعملية لنشاطها في البرلمان الصهيوني الذي لم تتمكن من خلاله تحقيق أي شيء يذكر من مئات المواضيع التي دأبت على عرضها ومناقشتها في "الكنيست"، على مدى عقود من الزمن، سوى منح الشرعية للمقولة الصهيونية بأن إسرائيل هي "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". بل إن السلوك الإسرائيلي المؤسسي العنصري – الفاشي والإقصائي ضد العرب استفحل وتفاقم في السنين الأخيرة، وبقي فلسطينيو 1948 على هامش المجتمع الإسرائيلي.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يقدم أي ضابط أو شرطي إسرائيلي للمحاكمة في جريمة القتل المتعمدة التي اقترفت في هبة أكتوبر 2000 وراح ضحيتها 13 فلسطينيا. كما لم نسمع عن أي تحرك شعبي حاشد ضد المشاريع التي تحاك في العلن والخفاء لاقتلاع من تبقى من الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب. ومن أبرز الخطط الاقتلاعية الأخيرة تلك التي أعدها طاقم من "الخبراء" الصهاينة يتكون أساسا من حزب "كاديما" الحاكم، حيث سينقل بموجبها الفلسطينيون بمنطقة المثلث، والبالغ عددهم نحو 300 ألف نسمة (حوالي ربع فلسطينيي 1948)، إلى مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، مقابل ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية إلى إسرائيل (هآرتس، 27/4/2007). ويذكرنا هذا المخطط بمشروع حزب العمل الذي طرحه غداة التوقيع على اتفاقات أوسلو. علاوة على مخطط "أفيغدور ليبرمان" الذي يدعو إلى طرد العرب بالقوة من إسرائيل إلى الدول العربية، علما بأن "ليبرمان" هو وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة أولمرت ويعد حزبه ("يِسْرائِل بِيتينو") مكونا أساسيا من مكونات الحكومة التي يشارك فيها أيضا حزب العمل "الاشتراكي" الصهيوني.

يضاف إلى ذلك، أن العقلية الصهيونية العنصرية الهادفة إلى الحفاظ على "يهودية" إسرائيل، وصلت إلى درجة التدخل في شؤون زواج فلسطينيي عام 1948، إذ قررت "الكنيست"، بالنيابة عنهم، من يتزوجون ومن يطلقون، كما هو حاصل عمليا في ما يسمى "التعديل على قانون المواطنة الإسرائيلي" الذي يمنع فلسطينيي 1948 من الزواج من فلسطينيي الضفة والقطاع، وإلا فلن يتم توحيد شمل العائلات (يديعوت أحرونوت، 22/3/2007).

وبالرغم من تفاقم كل هذه التجليات المؤسسية الصهيونية العنصرية – الإقصائية البشعة، لا نزال نجد الرموز العربية الرسمية في إسرائيل، تتذمر وترفع نفس الشكاوى، تماما كما دأبت منذ عشرات السنين، دون جدوى. ففي الذكرى الأخيرة ليوم الأرض، على سبيل المثال، سمعنا أوساطا في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية تعلن ما حرصت على تكراره منذ عقود في "الكنيست" وخارجها، بأن سياسة التمييز ضد الجماهير العربية في إسرائيل لا تزال متواصلة، وخاصة في مجال ميزانيات السلطات المحلية العربية والتهديدات بحلها، فضلا عن "استمرار التوجه لسلب الأراضي من التجمعات السكانية العربية ومنع توسعها.

والسؤال الجوهري المطروح هنا: طالما أن الممارسات والمواقف المؤسسية الصهيونية العنصرية والقمعية - الإجلائية تجاه فلسطينيي 1948 تعمقت وتأصلت، وطالما أن عملية تهميش الأخيرين ازدادت وترسخت، وذلك بالرغم من صيحات "البرلمانيين" العرب عبر السنين الطويلة، فما هي، إذن، الجدوى السياسية و"الوطنية" لمواصلة العمل العربي في البرلمان الإسرائيلي الذي لم يحقق أي إنجاز سياسي – "وطني" يذكر لصالح الفلسطينيين؟

جدوى وفاعلية "النضال البرلماني"

في الحقيقة، حصرت الأحزاب "العربية الإسرائيلية" في "الكنيست"، ما اعتبرته "النضال الوطني" في "النضال البرلماني"، واعتبرت "النضال" في البرلمان الصهيوني أرقى أشكال "النضال" وأكثرها حسما، وأخضعت "نضالها" السياسي بين الجماهير العربية له، وسخرت مواقفها السياسية وممارساتها بالأساس، لخدمة عدد مقاعدها في "الكنيست"، وأصبحت مواقفها السياسية تهدف إلى تسجيل رصيد انتخابي لها يزيد من عدد مقاعدها في "الكنيست".

فإذا كان الحديث يدور عن حزب وطني أو "ثوري"، فقد يجوز له الاشتراك في البرلمان بهدف تسخير النشاط البرلماني في خدمة النضال الجماهيري، وبهدف التثقيف السياسي للجماهير من خلال صراع الأحزاب في البرلمان والحملات الانتخابية. لكن ذلك في مجتمع قومي أو طبقي تبلور بشكل طبيعي عبر تواصل تاريخي من الصراعات الطبقية والاجتماعية والسياسية الداخلية في الوطن الواحد، وليس في مجتمع كولونيالي استيطاني زرع من الخارج قسرا، وعلى حساب وجود شعب حي، وبالتالي فإن طبيعة الصراعات الطبقية والاجتماعية والسياسية في هكذا مجتمع الذي هو امتداد مباشر للغرب الاستعماري وجزء عضوي منه، لا علاقة لها بالصراعات الطبقية والاجتماعية والسياسية الطبيعية التي تبلورت عبر مئات السنين من التواصل التاريخي والحضاري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والجغرافي للمجتمع القومي الواحد على أرضه الوطنية.

إن الأحزاب "العربية الإسرائيلية" في الكنيست، لم تجهد نفسها لتقيم بجرأة تجربتها في العمل البرلماني لتحدد مبرر هذا الشكل من "النضال" ومدى فاعليته وجدواه، وتقارنه نقديا بجدوى وفاعلية أشكال النضال الأخرى فتتبناها، إذا لزم الأمر، وتنظمها وتعطيها التعبير الواعي. كما لم تجر هذه الأحزاب بحثا علميا تفصيليا للوضع الصهيوني الملموس في مرحلة تاريخية معينة من مراحل تطور هذا الوضع، محللة جهاز "الدولة اليهودية" البيروقراطي – العسكري ومدى تطوره، وطبيعة "الطبقات" الصهيونية الحاكمة، وهل من الوارد أصلا أن تتنازل هذه "الطبقات"، "ديمقراطيا"، عن ملكيتها وسلطتها الكولونيالية المدعومة بقوة مسلحة منظمة ومعقدة، دون أن تلجأ إلى العنف الإرهابي المسلح لنسف "البرلمان" و"الانتخابات" و"القوانين"؟

لو سلمنا جدلا بأن المجتمع الصهيوني هو مجتمع قومي وطبقي طبيعي، نجد أنه حتى في هذه الحالة فإن الشعارات التي ترفعها الأحزاب الناشطة بين فلسطينيي 1948، مثل "دولة لكل مواطنيها" أو "المساواة القومية"، هي شعارات غير واقعية ويستحيل تحقيقها بأساليب "النضال البرلماني" في "دولة" هي أقرب إلى القاعدة العسكرية منها إلى الدولة الطبيعية، حيث أنها تأسست على العنف العسكري والإرهاب، وتعد امتدادا عضويا مباشرا للغرب الاستعماري.

وبالإضافة إلى ذلك، تعد "الكنيست" المؤسسة التشريعية التي تشرع القوانين التي تمنح "الشرعية" لعملية قهر واضطهاد شعبنا واقتلاعه من أرضه، ومنها تستمد السلطة التنفيذية (الحكومة) "شرعيتها" في مختلف ممارساتها القمعية الدموية. أو ليست المجازر البشرية واعتقال الوطنيين والمناضلين وهدم البيوت والتشريد والطرد والتوسع الاستيطاني الزاحف يتم تحت غطاء "القوانين" التي سنتها "الكنيست"، علاوة على ما يسمى قوانين الطوارئ البريطانية المشمولة في إطار هذه القوانين والتي تتستر تحتها قرارات "المحاكم" الصهيونية العسكرية الصورية. ومن أين تستمد شرعيتها مختلف القوانين العِرْقِيَة التي تتيح مختلف الامتيازات والتسهيلات "للعرق" اليهودي بينما تحجبها عن العرب لمجرد كونهم عربا، مثل قوانين "التأمين الوطني" أو الأقساط والمنح الجامعية وميزانيات المجالس المحلية ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وغيرها؟ وهل أثرت صيحات "البرلمانيين" العرب ضد سن هذه القوانين؟

وبغض النظر عن تصويته لصالح أو ضد قانون معين معاد للعرب، فإن العربي في البرلمان الإسرائيلي، يساهم موضوعيا وفعليا في إعطاء "الشرعية" لممارسات السلطة التنفيذية الإسرائيلية القمعية والقهرية التي تستمد "مشروعيتها" من البرلمان الذي يجلس فيه العربي كعنصر مكون من مكونات السلطة التشريعية. والمسألة الجوهرية هنا، أن العربي الذي يصل إلى "الكنيست" يكون قد أقحم ذاته في تصادم مع ولائه لشعبه ووطنه، لأنه ومن على منصة "الكنيست"، وتحت صورة ثيودور هرتسل، ملزم بأداء قسم الولاء "للدولة اليهودية". ولا يعقل أن يكون للإنسان ولاءان في آن معا: ولاء للحركة الصهيونية مجسدة "بالدولة اليهودية"، وفي نفس الوقت ولاء لشعبه ووطنه! بمعنى، من غير المنطقي الانتماء للشيء وضده في آن معا!

وبالرغم من ذلك، حتى لو انتمى عضو "الكنيست" إلى حزب صهيوني، وعُيِّن وزير في الحكومة الإسرائيلية، كما الحال مع غالب مجادلة "وزير الثقافة والرياضة" (حزب العمل)، فتظل المؤسسة الصهيونية تشكك بولائه وإخلاصه "للدولة اليهودية" وتحجب عنه "الحقوق" والامتيازات التي يتمتع بها اليهود. إذ عندما رشحه حزبه، في أوائل هذا العام، لتولي منصب "وزير العلوم" في حكومة أولمرت، طالبت رموز إسرائيلية (في الحكومة و"الكنيست") "الشاباك" (المخابرات الإسرائيلية) بأن يحقق معه أمنيا، للتأكد من أنه يستطيع الاطلاع على "الأسرار الأمنية" للدولة (في حال تعيينه وزيرا للعلوم)، علما بأن القضايا الأمنية السرية، مثل لجنة الطاقة الذرية، لا تتبع وزارة العلوم بل مكتب رئيس الحكومة (معاريف، 4/3/2007). وفي أعقاب هذه الضجة الأمنية – المخابراتية تقرر تعيينه "وزيرا للثقافة والرياضة"!

ومثال آخر يتعلق بتصويت "الكنيست" في أواسط تموز الماضي على مشروع قانون ينص بأن بيع الأراضي التي تسيطر عليها ما يسمى "كيرِن كَييمِت ليسْرائيل" مسموح لليهود فقط. وقد استفز هذا التصويت حتى الضابط العربي الإسرائيلي مجلي وهبة عضو الكنيست المخلص في ولائه للأحزاب الصهيونية ("الليكود" سابقا و"كاديما" حاليا) حيث قال: "لقد انكشفت اليوم الوجوه العنصرية والمظلمة للعديد من أعضاء الكنيست...إذ تبين مرة أخرى بأن المساواة في الواجبات لا تؤدي إلى المساواة في الحقوق" ("هآرتس"، 2007/7/20).

مواقف متناقضة وغير مؤثرة

من السهولة بمكان أن يضيع الإنسان المندمج في مؤسسات سياسية تشكل نقيضا لبنية شعبه الوجدانية والثقافية – السياسية – الوطنية، بين التناقضات والممارسات السياسية المتخبطة. فأولئك الذين كانوا حتى الأمس القريب يدعون العرب إلى مقاطعة انتخابات "الكنيست"، دعوهم عام 1996 إلى التصويت لمرشح رئاسة الحكومة شمعون بيرس الذي اختتم ولايته، عشية انتخابات "الكنيست" في نفس العام، بتنفيذ مجازر بشرية في لبنان أسماها "عناقيد الغضب". وأثناء حملة انتخابات "الكنيست" لعام 1999، تحول "باراك" بنظر بعض العرب، بين ليلة وضحاها، إلى "رسول سلام" في مواجهة "البعبع" نتنياهو. وفي نفس العام، روجت وسائل الإعلام العربية لترشيح الدكتور عزمي بشارة لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، ليتنازل لاحقا عن هذا الترشيح لصالح "باراك"، فدعا، هو وأنصاره، العرب للتصويت لصالح "باراك". وكلنا يذكر كيف انشغلت ماكينة "باراك" العسكرية في عامي 2000 – 2001 باغتيال المناضلين الفلسطينيين وفي تنفيذ مذابح بشرية.

لقد أدى تساوق الأحزاب "العربية الإسرائيلية" مع البنى المؤسسية والحزبية الصهيونية، بالإضافة إلى تعمق الهوية الوطنية لدى فلسطينيي 1948، إثر اندلاع انتفاضة الأقصى وهبة أكتوبر 2000، والانجازات والفوائد الهامشية التي جناها الفلسطينيون من العمل البرلماني، لقد أدى كل ذلك إلى هبوط متواصل في نسبة تصويت الفلسطينيين في انتخابات "الكنيست" التي تلت انتخابات عام 1999، وتحديدا في العامين 2001 و2003، إلى أن وصلت عام 2006 إلى 56%، علما بأن هذه النسبة تضمنت أيضا نسبة مرتفعة من البطاقات البيضاء ("مَأْمَريم"، 6/2006).

ومن المثير أن الأضواء الإعلامية العربية التي أحاطت ببعض أعضاء "الكنيست" العرب، لم تؤثر إطلاقا في حصيلة الأصوات التي فازوا بها في انتخابات عام 2006، ولم تسعفهم في زيادة "قاعدتهم الشعبية" العربية الانتخابية. وقد برز هذا الأمر في حالة الدكتور عزمي بشارة الذي، ومنذ بضع سنين، تحول إلى رمز من رموز الفضائيات العربية التي يشاهدها معظم فلسطينيي عام 1948، إلا أن حزبه (التجمع الوطني الديمقراطي) تجاوز بصعوبة نسبة الحسم في انتخابات 2006.

خلاصة واستنتاجات

لا يقتصر الدور السياسي الجماهيري غير الحاسم وغير المؤثر، على الأحزاب "العربية الإسرائيلية" الناشطة في "الكنيست" فقط، بل إن الأطر "التمثيلية" العربية الرسمية، وأبرزها لجنة المتابعة العليا، أصبحت كذلك غير فاعلة ومؤثرة. ويتضح هذا الأمر من التجاوب الهزيل للناس مع النشاطات "الجماهيرية" التقليدية والروتينية التي دأبت تلك الأحزاب والأطر على تكرارها بشكل دوري. ففي الذكرى الأخيرة ليوم الأرض (30/3/2007)، على سبيل المثال، لم يشارك سوى نحو 2500 شخص في المهرجان المركزي بسخنين.

يضاف إلى ذلك، أن إعلان لجنة المتابعة والأحزاب العربية "البرلمانية"، بين الفينة والأخرى، عن الإضراب "الشامل والمسؤول والهادئ" (حسب تعبير اللجنة)، وتشكيلها لجان محلية مهمتها"ضبط النظام" في المدن والقرى العربية ومنع أي عمل خارج عن قرارها "ومسيء لكفاحنا المشروع من أجل الأرض والسلام والمساواة" (تعبير اللجنة) يدخل في سياق إثبات مصداقية اللجنة والأحزاب "البرلمانية" لدى السلطة الإسرائيلية وإبراز قدرتها على ضبط الشارع العربي، التزاما بتعهداتها التي طالما قطعتها للسلطة الإسرائيلية بهذا الشأن، كما حصل عشية يوم الأرض 2007، إذ اجتمع ممثلو لجنة المتابعة مع قائد الشرطة الإسرائيلية "دان رونين"، واتفق الجانبان على أن تضمن "القيادة العربية المحلية" بأن تكون نشاطات يوم الأرض "في إطار القانون"، وعلى ألا تظهر الشرطة داخل التجمعات السكانية العربية (هآرتس، 30/3/2007).

وقبل ذلك، وفي إطار التنسيق مع المؤسسة السياسية - الأمنية الإسرائيلية، برز مرارا دور الأحزاب العربية البرلمانية ولجنة المتابعة في تبريد الغليان الشعبي ومنع سلوكه مسارا يتجاوز إصلاحية لجنة المتابعة. فغداة مواجهات أكتوبر 2000 اجتمع ممثلو الأخيرة مع قيادات الشرطة والمخابرات الإسرائيلية وما سمي آنذاك "الوزير المختص بشؤون العرب" (متان فلنائي)، ومن ثم اجتمعوا عام 2001 مع شارون، إثر انتخابه رئيسا للحكومة الإسرائيلية.

وفي المقابل، نتساءل: إلى ماذا تشير انفجارات الشارع الفلسطيني في مناطق 1948، الخارجة عن سيطرة الأطر والأحزاب العربية الرسمية، مثل المواجهات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر 2000 مع قوات القمع الإسرائيلية، ومن قبلها مواجهات نيسان الدامية في شفاعمرو وما تخللها من هتافات مناصرة لحزب الله وحرق الأعلام الإسرائيلية والأميركية، ومواجهات يوم الأرض في 30 آذار 2000 وما تلاها من صدامات دموية بين الطلاب العرب في جامعتي حيفا والعبرية وقوات الأمن الإسرائيلية، وقبل ذلك في عام 1999، الهبة الشعبية ضد العملاء في باقة الغربية حيث أحرقت بيوتهم وطردوا من البلدة، والهبات الشعبية الواسعة في أم السحالي بشفاعمرو وأرض الروحة في أم الفحم؟

لقد أثبتت هذه المواجهات وغيرها، بأن الأحزاب العربية البرلمانية والأطر الرسمية، فقدت بشكل واضح وإلى حد كبير، قدرتها السابقة على امتصاص الوعي الوطني والقومي وما يسميه البعض "التطرف القومي"، وحرف هذا "التطرف" إلى قناة "النضال من جل أجل المساواة"

أجل المساواة"، أي النضال من أجل الاندماج في المجتمع الصهيوني، علما بأن قدرة الأحزاب والأطر "العربية الإسرائيلية" على امتصاص الوعي الوطني و"التطرف القومي" وتمييع النضال الوطني للجماهير العربية، يشكل حجر الزاوية في نهجها السياسي.

كما أثبتت تلك المواجهات، بأن تأجيج حدة الصراع بين العرب في الجليل والمثلث والنقب وبين المؤسسة الإسرائيلية، وتعميق المشاعر الوطنية، يشكلان أخطر وأسوأ ظاهرة يمكن أن تواجهها الأحزاب البرلمانية الفاعلة في داخل الجماهير العربية، لأن تأجيج الصراع يعمل ضد مقولاتها وتنظيراتها حول "التعايش" و"المساواة القومية" و"دولة لكل مواطنيها" وبأن العرب في "الدولة اليهودية" جزء أساسي من المجتمع الإسرائيلي و"قواه الديمقراطية"، مما يعني بالمحصلة، فقدان هذه الأحزاب لمصداقيتها ومبرر وجودها القائم على أساس هذه الأطروحات.

يمكننا أن نستنتج مما ورد، بأن جدوى وفاعلية النشاط السياسي المقيد في إطار "الشرعية" البرلمانية قد استنفذا. وبالتالي، لا بد من ابتكار أساليب نضالية وطنية بديلة وجذرية، تستند إلى رؤية وطنية علمية مدروسة لحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني في مناطق 1948، بحيث تشكل هذه الرؤية مرشدا للممارسة النضالية من خلال جبهة وطنية عريضة بديلة. والمقصود بالإطار الجبهوي (الوحدوي) البديل، ليس قميص عثمان، بمعنى شعار شكلي زائف تستخدمه أحزاب إسرائيلية تتلفع بشتى الأسماء المضللة، لتمرير عملية دمج العرب في المؤسسة الإسرائيلية وصهينة انتمائهم. بل المقصود، في إطار الوحدة الوطنية النضالية، الارتقاء بأساليب النضال والعمل السياسي الجماهيري، وتطوير أدوات كفاحية شعبية جديدة، مثل تشكيل لجان شعبية وطنية تقوم بدورها في التوعية والتعبئة، على مستوى الأحياء والمناطق والقرى والمدن العربية، وتكون هذه اللجان في طليعة المعارك الشعبية.