أعلن نائب الرئيس السوري فاروق الشرع أخيراً أن خيار بلاده الاستراتيجي للسلام لايلغي الخيارات الأخرى، ويأتي التصريح اتساقاً مع الحديث الذي كثر في الشهور الأخيرة عن احتمالات اندلاع حرب بين سوريا و”إسرائيل”، حيث راحت مراكز الدراسات والاستطلاعات والاستنتاجات تنشر تقاريرها بهذا الجانب، اعتماداً على المؤشرات الميدانية المتطورة والمعطيات التي أفرزتها حرب لبنان في تموز/ يوليو من العام الفائت، خصوصاً أن العقيدة العسكرية “الإسرائيلية” في هذه الحرب لاقت فشلاً مدوياً على الرغم من التفوق العسكري “الإسرائيلي” في العديد والمعدات، وهو ما منح السوريين حافزاً في إكمال الجوانب العسكرية الدفاعية والهجومية التي كانت بحاجة الى دفق حديث ورادع في سياق توازن القوى بين سوريا والدولة العبرية التي أخذت علماً بالتفعيل العسكري السوري في هضبة الجولان، ما جعلها تقوم بمناورات عسكرية “وقائية” كبيرة في الهضبة السورية المحتلة، قد تكون رداً على مناورات سورية كبيرة أو تحركات سورية دفاعية شهدت تحولات في المواقع الدفاعية لم تألفها “إسرائيل” منذ عام ،1973 لتكون أكثر قدرة على الانتشار والانفتاح الهجومي وخصوصاً في حرب العصابات والقوات الخاصة (الكوماندوز).

وفي وصف للحالة الراهنة بين سوريا و”إسرائيل” تؤكد مصادر عربية أن “إسرائيل” لا تستطيع اليوم اتخاذ قرار السلام ولا الذهاب الى الحرب مما يجعلها مضطربة وخائفة، وهذا لم يحدث في تاريخها من قبل، لافتة الى حدوث انقلاب في الموقع الاستراتيجي بين الدولتين، وتعتقد هذه المصادر ان الرئيس السوري بشار الأسد يبدو بنظر “الاسرائيليين” مستعداً لحرب ضرورية أو دفاعية لا يمكن وقفها الا بالشروع بمفاوضات جادة حول الجولان، حيث لا يوجد غموض أو لبس في الموقف السوري في هذا الشأن.

تضيف أن “اسرائيل” تواجه مأزقاً استراتيجياً حقيقياً، فهي أضعف بكثير من أن تخرج منه، لأن خط الرابع من حزيران/ يونيو مقدس بالنسبة لسوريا، في الوقت الذي يراوغ فيه ايهود أولمرت ويتجاهل المطلب السوري بضمانات مكتوبة للانسحاب من الجولان ومفاوضات مفتوحة، وأوضحت المصادر العربية ان سوريا توصلت بعد حرب تموز/ يوليو عام 2006 الى تقييم استراتيجي جديد حيال الكيان الصهيوني المتداعي في مكانته ودوره وبنيته السياسية وقدراته الردعية، بحيث يسمح لها بانتهاج خياري الحرب والسلم، قائلة فلا الحرب مع “اسرائيل” غدت مغامرة، ولا السلام معها سيؤدي الى تغيير بنيوي في سوريا، كما كان الحال في مصر ب “كامب ديفيد”، وترى هذه المصادر أيضاً أن “اسرائيل” تظهر الآن بأنها أداة أمريكية تتقهقر ولن تحملها سفن البنتاجون مع القوات الأمريكية المنسحبة من العراق والمنطقة.

بينما ترى المصادر “الإسرائيلية” في الموقف السوري معطيات تشير الى نية دمشق في الاستعداد للحرب، وفي نفس الوقت ترى اعتبارات سورية تشير الى عدم رغبتها في الحرب، وان المؤشرات السورية في الاستعداد للحرب تتمثل في: التدريبات القتالية وسباق التسلح المتسارع، فالجيش السوري يتزود بمنظومات قتالية متعددة من جهات إقليمية ودولية، كما أن روسيا زوّدت سوريا كميات كبيرة من الصواريخ المتطورة المضادة للدروع وكذلك بأحدث منظومة دفاع جوي. الجيش السوري يعمل بكامل طاقته على رفع أهلية وحداته القتالية وتطوير آلية القتال التقليدية لديه، ويعمل على نقل منصات من الصواريخ باتجاه حدوده الجنوبية، كما أن المناورات المتعاظمة والواسعة التي يجريها الجيش السوري، تثير مخاوف “إسرائيل”، وقد ادّعت “إسرائيل” أنها الأكبر منذ عام 1973. كما تشير إلى خطوة إزالة الحواجز في القنيطرة، فرفع سوريا لمعظم حواجزها العسكرية المنتشرة على طريق دمشق القنيطرة والطريق الواصل إلى هضبة الجولان بعد أربعين سنة من نصبها وإبقاؤها على حاجزين عاملين فقط، أحد هذه المؤشرات حيث أن رفع هذه الحواجز يهدف إلى السماح لآلاف من مقاتلي العصابات بالتحرك باتجاه الجولان لتنفيذ عمليات ضد “إسرائيل” كما تقول هذه المصادر من واقع ان دمشق لم تخف بأن الخيار العسكري مطروح على الطاولة.

وعن الأسباب التي تجعل سوريا غير راغبة في الحرب تذكر المصادر “الإسرائيلية” بعضاً منها ومن خلال القول إن سوريا مستعدة لإحياء مفاوضات السلام، من دون شروط مسبقة لأن السوريين يعلمون بأن المستوطنين “الإسرائيليين”، رغم معارضة قادتهم، يؤيدون إرجاع الجولان للسيادة السورية مقابل السلام، وهو بالمناسبة المطلب السوري نفسه. ولهذا فإن دمشق لن تعمل على سلوك الدرب العسكري الشائك طالما باب المفاوضات يبقى مفتوحاً. إنها تنظر بعين العارف إلى أن “إسرائيل” تتفوق عليها جوياً نظراً لما تملكه من سلاح متطور وقدرات تكنولوجية عالية لكن التفوق السوري يتجسد في القدرة على ضرب وزعزعة الجبهة الداخلية وبشدة لما تملكه من منظومات صواريخ متطورة.

رئيس شعبة الاستخبارات “الإسرائيلية” العسكرية (أمان) الجنرال عاموس يادلين يقول إن سوريا تبدي جهوزية للحرب أكثر من أي وقت آخر، لكن هذا الأمر لا يعني أنها معنية بالخروج لها. وصحيح أنها تستعد للحرب إلا أن وجهها ليس نحوها في الفترة القريبة.

وإذا كانت الروايات، ولا نقول السيناريوهات، تتعدد بشأن إمكان حدوث الحرب بين سوريا و”إسرائيل”، فإن إحدى الروايات تلفت إلى ما ذكره الأمين العام لحزب الله اللبناني في خطابه الأخير بخصوص “المفاجأة الكبرى” وما ذكره في حديث سابق عن ان سوريا كانت على وشك المشاركة في حرب تموز/ يوليو من العام الماضي، بعدما أبلغت الدولة العبرية بواسطة طرف ثالث ان تطوير هجومها نحو محور قريب من الأراضي السورية هو خط أحمر، وهو الأمر الذي جعل “إسرائيل” تعزف عن هذا التطوير خشية من دخول سوريا في هذه الحرب.

من هذه المقاربة أو العلاقة فإن إحدى الروايات تفيد بأن المقاومة اللبنانية (حزب الله) ستهاجم “إسرائيل”، وربما يكون هذا الهجوم هو “المفاجأة الكبرى” التي ذكرها السيد حسن نصرالله وفق ما أسلفناه، ومن المحتمل أن تعمد سوريا الى إسناد هذا الهجوم بالصواريخ طويلة المدى، الأمر الذي سيتيح لسوريا القيام بعملية خاطفة في هضبة الجولان من دون الاضطرار إلى الدخول في حرب هجومية واسعة، ترافقها هجمات بالصواريخ الثقيلة والمتطورة تطال العمق “الإسرائيلي”، كنوع من تسوية الحساب عن الضربة التي تلقتها في حربي حزيران/ يونيو وتشرين الأول/ أكتوبر. واللافت ان المصادر “الإسرائيلية” أخذت تهتم بهذه الرواية، وقد تعزز هذا الاهتمام من خلال سبر غور خطاب أمين عام “حزب الله” الأخير، لاسيما أن المناورة الواسعة النطاق التي أجراها الجيش السوري في الجانب المحرر من هضبة الجولان أثارت هلع القادة في الكيان الصهيوني، وقد جاءت المناورة الجوية التي أجراها الجيش “الإسرائيلي” في النقب ضد هجمة سورية محتملة ترجمة لهذا الهلع.

ومن هذا، فإن المعلق “الإسرائيلي” يوئيل ماركوس لم يتحدث من فراغ عندما قال إن سوريا ليست من الدول التي تخرج للحرب من دون تحضيرات كما يقول مراقب مطلع على مجريات الأمور، وعلى قادة “إسرائيل”، والقول لهذا المعلق، أن يركزوا على اقتراحات الأسد السلمية، وأن يتوقفوا عن بلبلة رؤوسنا بحملة تغطية المؤخرات التي يحاولون حماية أنفسهم فيها خلال شهر آب/ أغسطس.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)