اعتبر زلماي خليل زاد مندوب الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة (أن الاضطرابات في الشرق الأوسط والحضارة الإسلامية قد تشعل حرباً أخرى) وقال في مقابلة مع صحيفة (دي بريسه) النمساوية إن (الشرق الأوسط يمر بمرحلة انتقالية صعبة للغاية، وهذا عزز التشدد ووفر أرضاً خصبة للإرهاب).

وأردف (بالمثل اختلت أوروبا لبعض الوقت وتحولت بعض حروبها إلى حروب عالمية، والآن يمكن لمشاكل الشرق الأوسط والحضارة الإسلامية أن تكون لها القدرة نفسها على ابتلاع العالم) ورأى أن (العالم الإسلامي سينضم في نهاية المطاف إلى التيار الدولي السائد لكن ذلك سيستغرق بعض الوقت).

وتابع (بدأوا متأخرين، ليس لديهم توافق في الآراء بشأن مفاهيمهم، البعض يريد العودة إلى وقت النبي محمد.. الأمر قد يتطلب عقوداً حتى يفهم البعض أن بإمكانهم البقاء مسلمين والانضمام إلى العالم الحديث في الوقت نفسه).

وهكذا نصب زلماي خليل زاد من نفسه مؤرخاً وفقيهاً وعالماً استراتيجياً وضارباً (بالمندل) والتحق بزمرة المؤرخين والدارسين والاستراتيجيين الجدد الذين وضعوا علومهم في خدمة الطغمة الاحتكارية الأميركية ومنظريها، وعلى رأس هؤلاء (فوكوياما) الياباني حامل الجنسية الأميركية تماماً كما هو خليل زاد الأفغاني حامل الجنسية الأميركية أيضاً، وكلاهما يود أن يثبت إخلاصه للمحافظين الجدد ومن ورائهم الشركات الاحتكارية ويؤكد أنه أشد إخلاصاً للملك من الملك نفسه.

لقد حاول خليل زاد دمج الاضطرابات في الشرق الأوسط بالحضارة الإسلامية، ليثبت أن أسباب هذه الاضطرابات وعدم الاستقرار تعود لأسباب ذاتية هي الحضارة الإسلامية والثقافة العربية وأن لا علاقة لإسرائيل أو للولايات المتحدة أو حتى للقوى الاستعمارية الأخرى بها.

فالحضارة الإسلامية حسب رأيه هي سبب العنف وتهديد الأمن والسلم العالميين والأرض الخصبة للإرهاب بل والسبب المحتمل لحرب عالمية قادمة. وهكذا يلتحق خليل زاد بركب القائلين بصراع الحضارات والمعادين لحركات التحرر والمقاومة والإسلام ولكن التحاقه جاء بعد أن تراجع هؤلاء جزئياً عما كانوا يقولون وهو يعتمد على الأسطوانة المشروخة نفسها التي اعتمدوا عليها.

لا يحتاج المبتدئ في العمل السياسي لجهد كبير كي يدرك أن الاضطرابات في البلدان العربية لا تعود لأسباب ذاتية وإنما لاغتصاب فلسطين واحتلال العراق والتدخل الأميركي في شؤون المنطقة ونهب خيراتها وإثارة الفتن والقلاقل فيها لتحقيق الأهداف الاستعمارية ولا علاقة للحضارة الإسلامية بما يحدث بل أنها تشكل سداً أمام الغزو والاحتلال ومحرضاً لأهلها على حماية مصالحهم وقيمهم وتراثهم وتاريخهم.

والتدخل الاستعماري نفسه هو السبب المباشر للتطرف والعنف والمغالاة، وإفشال عملية التحرر والتنوير، وخلق الفوضى، وقصم ظهر التطور الطبيعي وبناء الدولة العربية الحديثة الحرة والديمقراطية القادرة على تحقيق مصالح أبنائها في التقدم وتقرير المصير ورفع مستوى المعيشة واللحاق بركب الحضارة المعاصرة بمختلف معاييرها العلمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

حقاً إن الدول العربية تمر بمرحلة انتقالية، وهذا ليس سراً كشفه خليل زاد فبعد مئات السنين من حكم الأجنبي والسيطرة الاستعمارية وتقسيم الوطن الواحد تعمقت بذور التناقض الديني والطائفي والإثني والطبقي بين أبناء المجتمع الذي لم يعد يستطيع القفز فوق تلال التخلف دفعة واحدة، ولابد أن يمر بمرحلة انتقالية، ولكن القوى الضاغطة الخارجية وبعض الداخلية لم تتح له المجال حتى لاجتياز هذه المرحلة، ويأتينا خليل زاد ليتجاهل هذا كله ويزعم أن الأسباب تعود لجوهر حضارتنا وأنها قيم ذاتية ثابتة، تهدد بصراع عالمي طويل وربما بحرب عالمية جديدة.

من طرف آخر لم يزعم أي تيار سياسي أو غير سياسي في البلاد العربية أنه سيحتل العالم أو يعتدي على دول أخرى أو يقيم إمبراطورية، وأقصى ما طرحه حتى عتاة المتطرفين هو تحرير بلادهم من مستعمريها والتمسك بحقوقهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم واستعادة ما احتل من أرضهم وطرد الغزاة من الأرض الأخرى، فإن كان هذا يهدد بحرب عالمية فإن أسبابه تعود للمسببين الحقيقيين لاختلال التوازن والإصرار على الاستعمار(القديم والحديث) ونهب خيرات البلاد وتبرير الاحتلال والغزو.

وهذا لا يشبه بأي حال اختلال أوروبا، التي نشأت فيها بعد عصر النهضة رأسمالية صناعية أرادت توسيع أسواقها ونفوذ هيمنتها فأشعلت حروباً مدمرة، فكيف تصح المقارنة بين تاريخ أوروبا الحديث وتاريخ البلدان العربية، وكيف لم ير خليل زاد كل هذا وهو الدبلوماسي المحنك والذي يزعم أنه قاريء للتاريخ.

وفوق ذلك كله فهو المسلم الذي من المفروض أن يعرف جوهر الإسلام ودعوته للعدل والسلام والمساواة، وهل يستحق كسب خليل زاد رضى المحافظين الجدد وودهم أن يسلخ جلده ويتحول إلى صوت (مبحوح) للطغمة التي استولت على الإدارة الأميركية وأعمت مصالحها عيونها حتى أنها لم تعد ترى إلا ما تريد أن تراه؟.

صحيح أنه لمشاكل الشرق الأوسط والحضارة الإسلامية القدرة على ابتلاع العالم في حروب ضروس، ولكن ليس لأن العرب والمسلمين مأخوذون بحب هذه الحروب، أو لأن الحضارة الإسلامية تحمل في طياتها بذور العنف والعدوان، بل لأن البلدان العربية والحضارة الإسلامية تواجه تحديات جسيمة، وتهديداً خطيراً من القوى الاحتكارية والاستعمارية والعدوان الإسرائيلي والغزو الأميركي وهذه جميعها تريد منهم الاستكانة والقبول والسكوت على الذل والتفرقة والفتن التي خلقتها هذه القوى ومازالت تعمل لتزيدها تفاقماً واشتعالاً وترى في ذلك كله موقف حياة أو موت.

كان من المفهوم ـ ولكن غير المقبول ـ أن تصدر مثل هذه التصريحات عن رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي السابق أو كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية أو فيلسوفهم فوكوياما أو غيرهم من أفراد الإدارة وتوابعها، لكنه من المستغرب أن تصدر عن دبلوماسي مسلم من المفروض أنه يعرف الإسلام، ولم تدخله زمرة المحافظين الجدد في عصبتها بعد فمازال على الأطراف، ويمكنه أن يتقرب من هذه العصبة بطرق أخرى أقل مغالطة وتزويراً وإيلاماً من هذه التصريحات.

أما أن العرب والمسلمين بدأوا متأخرين كما يرى زاد فهذا من طبيعة الأمور أمام الضغوط الاستعمارية والصهيونية بل والمؤامرات الاستعمارية والصهيونية التي لم تتح لهم فرصة للراحة أو التفكير، وبطبيعة الحال وحسب منطق تطور المجتمعات والشعوب فإنه من البديهي أن لا يكون لديهم توافق في الآراء بشأن مفاهيمهم، وهل هناك توافق في الآراء كما يريده خليل زاد في أي مجتمع في العالم؟.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)