عامان ونيّف على الانسحاب السوري من لبنان، وما زالت العلاقات متوتّرة بين دمشق وبيروت. ومع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي الذي لا يبدو أن دخان التوافق الأبيض سيتصاعد حوله قريباً، تعود إلى الأذهان صورة انعقاد المجلس الأعلى اللبناني ـ السوري برئاسة الرئيسين بشار الأسد وإميل لحود، في مطلع العام ٢٠٠٥، والذي تم خلاله بحث قضايا ملحّة، استوجبت عقد مثل هذا اللقاء، ومنها موضوع الوجود السوري في لبنان، في ضوء القرار الدولي الرقم ١٥٥٩، وما سينتج من ذلك من مضاعفات.

تسارعت الأحداث، وتأزّمت العلاقات إثر انسحاب الجيش السوري من لبنان أواخر نيسان (أبريل) ٢٠٠٥، وباتت على المحك، ليس اجتماعات المجلس وحدها، بل مصير العلاقات الثنائية، حتى أن الأمر وصل حدّاً كادت تقفل عنده الحدود بين البلدين.

أمام ذلك حالياً، تساؤلات عن واقع العلاقات بين لبنان وسورية، في ظلّ الأزمة الراهنة، وجدوى وجود المجلس الأعلى، ومصير الاتفاقات الموقّعة بين البلدين.

هذه الأسئلة ضمن غيرها طرحتها «المشاهد السياسي» على الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني ـ السوري نصري الخوري في دمشق، في هذا الحوار:

كيف تصف العلاقات السورية ـ اللبنانية في ظل الأزمة التي يعانيها لبنان حالياً؟

تشهد العلاقات الثنائية بين دمشق والحكومة اللبنانية توتّراً وفتوراً على الصعيد السياسي، علماً بأنها جيّدة مع باقي الأطراف اللبنانية. أظن أن الأزمة هي غيمة صيف ستمرّ، ولا بد من أن تعود العلاقات الى ما كانت عليه.

لكن هذا التأزم لم يعكس نفسه بشكل كلّي على صعيد العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والحياتية والثقافية بين البلدين، لأنها متينة ومتجذّرة، على رغم كل ما تعرّضت له من محاولات للاساءة وحملات للتضييق. وغالبية اللبنانيين مقتنعون بأن العلاقات مع سورية أخويّة ويجب تعميقها وتصحيح الخلل فيها. فلا حياة للبنان بلا سورية ولا حياة لسورية بلا لبنان. حتى أن حركة النقل بين البلدين، التي شهدت في مرحلة من المراحل بعض التراجع الذي لم يتجاوز في أقصى حالاته نسبة العشرين في المئة، عادت الى طبيعتها، كما أن حركة التبادل التجاري تشهد نموّاً مستمراً.

ما مصير الاتفاقات المنبثقة عن معاهدة الأخوّة والتنسيق الموقّعة بين البلدين؟

هناك اتفاقات عديدة منبثقة عن معاهدة الأخوّة والتنسيق بين سورية ولبنان ما تزال قيد التنفيذ، وتتابعها الأمانة العامة.

لا شك في أن وتيرة تنفيذ هذه المشاريع المشتركة تراجعت على خلفية التوتّر السياسي، وهناك مشاريع عديدة تتعلّق بتطوير المراكز الحدودية وسكك الحديد والكهرباء وغيرها تشهد ركوداً. وتسعى الأمانة العامة الى تحريكها عبر اجتماعات تعقد بين الحين والآخر للّجان المشتركة.

وعمل الأمانة العامة للمجلس الأعلى السوري ـ اللبناني يقتصر حالياً على متابعة تنفيذ القرارات المتّفق عليها سابقاً، وفق الظروف الممكنة، أو عقد اجتماعات للجان الفنّيّة المشتركة بين البلدين، في محاولة لإبقاء صلة التواصل قائمة بين أعضائها.

لا حياة للبنان بلا سورية ولا حياة لسورية بلا لبنان

منذ أكثر من سنتين لم ينعقد المجلس الأعلى! هل جُمِّد عمله؟ وما دوره الآن؟

عمل المجلس لم يجمّد، لأنه هيئة قائمة منصوص عليها في معاهدة التعاون والتنسيق، يرأسها رئيسا الجمهورية في كل من البلدين. عقد المجلس العام ٢٠٠٥ في بيروت مجموعة اجتماعات على صعيد الزراعة والنقل، لكنه انقطع عن عقد مزيد من اللقاءات منذ أكثر من سنة، إثر الظروف السياسية الحالية التي لا تسمح بانعقاده. لا بد من أن تعود هذه اللقاءات حين استقامة الأوضاع السياسية في لبنان، واستقامة وضع المؤسّسات الدستورية، وتحقيق الوفاق الوطني. فالمدخل الرئيسي للمعالجة الشاملة لكل جوانب الأزمة اللبنانية ـ السورية لا بد من أن يكون عبر المجلس، لأنه النطاق والممرّ لتحقيق ذلك.

ما هو عمل المجلس الآن؟

هناك خلط بين عمل المجلس وعمل الأمانة العامة التي تعتبر حالياً قناة التواصل الرسمية بين سورية ولبنان.

لذلك هي تتابع تنفيذ الاتفاقات المبرمة وفق الظروف الممكنة، ومتابعة الاتصالات بين البلدين في شتى المجالات، ولا سيما المتعلّقة بمشكلات المواطنين اليومية وشؤون الطلاب والأحوال الشخصية، ومعالجة المشكلات مع الادارات الرسمية في البلدين.

في الماضي كنتم تشكون من تخطّي بعض المسؤولين في البلدين للمجلس الأعلى. اليوم، هل تخطّت القطيعة اللبنانية ـ السورية هذا المجلس؟

ليست هناك قطيعة لبنانية ـ سورية، بل هناك حال فتور وتأزّم في العلاقات. المجلس الأعلى مؤسّسة موجودة وستبقى ما دامت معاهدة الأخوّة والتنسيق موجودة. ومناقشة الرؤية المستقبلية للعلاقة السورية ـ اللبنانية، وجوانب الأزمة بين البلدين، يفترض أن تتمّ عبر المجلسين حتى لو حالت الظروف الحالية دون انعقاده.

هل سنصل الى يوم تقفل فيه الحدود بين لبنان وسورية؟

لإقفال الحدود انعكاسات سلبيّة على أبناء شعبنا، لكن القرار في النهاية إذا تم اتخاذه سيكون قراراً سياسياً. أنا شخصياً مع فتح الحدود والتواصل بين البلدين.

لو أقيمت علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسورية، هل سيلغي ذلك المجلس الأعلى؟

من الناحية القانونية لا تعارض بين عمل المجلس والسفارة، فلكل منهما مسؤولياته وصلاحياته. وعلى كل حال، الأمر يتوقّف على اتفاق البلدين.

يتم التحضير لمؤتمرات دولية لمعالجة قضايا المنطقة. ماذا ترى في ذلك؟ وما هي شروط نجاحها، ولا سيما المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش؟

لم تتضح بعد الصورة الحقيقية لهذه المؤتمرات، وأعتقد أن أي محاولة من هذا النوع، سيكون هدفها تصفية القضية الفلسطينية وتطبيع العلاقات مع العدوّ مجاناً.