هناك جرأة ناقصة في معظم التحليلات التي تناولت العلاقات السورية – السعودية، فالعودة إلى الماضي وقراءة طبيعة التعاون بين الرياض ودمشق لا تعطي الصورة الكاملة، لأن الشرق الأوسط الذي يبدو وكأن في حالة سكون، تعرض لتبدلات في جغرافيته السياسية، وحصر العلاقة بين البلدين على السيسات الحكومية لا يعبر عن عمق الأزمة التي اجتاحت المنطقة منذ حرب الخليج 1991.

في العلاقات السورية – السعودية ليس هناك محطات يمكن الرجوع إليها، فهي علاقات توافقية، أو بالأصح اعتراف متبادل بالأدوار، وهذا الأمر كان واضحا منذ عام 1970، ومراحل هذه العلاقة لم تكن تحكمها السياسات المباشرة بين الرياض ودمشق بل مجمل الظروف الإقليمية، ولكن الواضح أن الملف اللبناني كانت نقطة ارتكاز في المراحل المتقدمة من العلاقة بين البلدين، وهنا نتذكر أن مؤتمري لوزان وجنيف عام 1984 حضرهما مراقب سعودي(الأمير بندر بن سلطان) وكان يرافقها الرئيس الراحل رفيق الحريري.

في المقابل فإن "قوات الردع العربية" تشكلت بعد قمتي القاهرة والرياض، وبشكل يوضح أن "الدور" السوري في لبنان كان يتعامل مع "الرياض" مباشرة وإلى حد ما مع "القاهرة" قبل اتفاقيات كامب ديفيد، لكن هذا التعامل كان محكوم بعاملين:

 الأول هو "النظام العربي، فرغم كل الانتكاسات لكن هذا "النظام" كان يشكل نقطة التقاء وسط صراع "الحرب الباردة" والاستقطابات الحادة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق. فالتعاون العربي تحت سقف هذا النظام لم تكن تحكمه قناعات الدول بالقرارات إنما طبيعة الظرف الدولي التي فرضت إيجاد حدود توافق تضمن على الأقل مساحة تحرك للدول العربية في ظل وجود قطبين دوليين. وربما علينا التذكر هنا أن النظام العربي لم يكن التنظيم الأوحد في تلك المرحلة، فدول عدم الانحياز كان لها أيضا تواجد يتجسد في حدوده الدنيا داخل أروقة الأمم المتحدة.

 الثاني هو العراق كدولة ذات قوة ونفوذ في المنطقة. فالعامل العراقي لم يكن غائبا في طبيعة العلاقات – السورية العراقية، ورغم أن موقفي البلدين من الحرب العراقية الإيرانية كان متناقضا، لكن هذا الأمر لم يقف عائقا من التعاون والتنسيق بينهما. فالعارق كانت رقما قويا حاولت كل من الرياض ودمشق تحييده قدر الإمكان من الحسبات التي تحكم العلاقات بينهما. هذا الأمر ظهر بوضوح عام 1991 خلال حرب الخليج وما بعدها، فالدولتان شاركتا في الحرب، وكانتا أيضا المحرك الأساسي للمؤتمر الذي عرف بـ"دول إعلان دمشق". حيث ظهرت محاولة أولى لاستيعاب نتائج إخراج العراق من المعادلة الإقليمية وما يمكن ان ينتج عنها من خلل في الجغرافية السياسية للمنطقة عموما.

عمليا فإن صورة المنطقة تبدلت بشكل كامل بعد احتلال العراق، ورغم أن الرياض لم تظهر نفس الحزم السياسي الذي أبدته دمشق في أروقة الأمم المتحدة قبيل الاحتلال، لكنها أبدت موقفا سياسيا يوحي بالقلق مما يمكن أن يجره الاحتلال على المنطقة، فقوات الاحتلال لم تنطلق من "السعودية"، وتم استخدام قواعد أخرى في الخليج.

اليوم تبدلت كل العوامل المحيطة بالعلاقات السورية – السعودية، فنقطة الالتقاء في لبنان لم يعد يحكمها دور عربي محدد، والولايات المتحدة اختارت الصيف الماضي إحراز تبدل نحو "الشرق الأوسط الجديد" من لبنان تحديدا، كما أن العراق أصبح "مناطق نفوذ" بدلا من كونه رقما صعبا في المعادلة الإقليمية. في المقابل فإن "النظام العربي" تم تفكيكه بشكل تدريجي وعبر مقولة "الشرق الأوسط الجديد"، وهذه الصورة لا يمكنها اختصارها بـ"تصريحات" ما بين دمشق والرياض، أو حتى باختصار الأزمة على أنها خلاف سوري – سعودي، بينما تبدلت الخارطة في الشرق الأوسط بشكل كامل.

من الممكن أن تتحسن العلاقات بين دمشق والرياض، ولكن الأهم أن العلاقات الإقليمية لن تستقر قريبا لأن هذا الأمر مرهون بالمعادلة الإقليمية الجديدة التي لن تعود إلى سابق عهدها، فهي مرهونة بـ"استراتيجية بديلة" تحاول إيجاد مخرج للنظام العربي ولمفهوم الدولة الذي اهتز منذ سقوط العراق.