حذر السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، الداخل أروقتها بعد عودته من سفارة بلاده في بغداد، وقبلها كابل، زلماي خليل زاد، العالم بأسره من خطر يراه داهماً، يتمثل في كون الحضارة الإسلامية قد تتسبب في إشعال حرب عالمية ضروس لا تبقي ولا تذر. لقد توصل السفير، الذي هو في غنى عن التعريف، بالنظر إلى سجله أو مهامه العراقية بعد الأفغانية، إلى هذا الاستنتاج الذي بناه على ملاحظته لأمرين هما: أن "الشرق الأوسط يمر بمرحلة انتقالية صعبة، الأمر الذي عزز التشدد ووفر أرضاً خصبة للإرهاب"، وعبر مقارنته بين حال هذا الشرق الراهن، وسابق حال أوروبا، التي تحولت بعض حروبها إلى حروب كونية، فقال لصحيفة نمساوية:

"يمكن لمشاكل الشرق الأوسط، والحضارة الإسلامية أن تكون لها القدرة نفسها على ابتلاع العالم"!

زلماي خليل زاد، الأمريكي جداً من أصل أفغاني خالص، لا ينطق عن الهوى، عندما يقول أنه يخشى على العالم ابتلاعاً مزعوماً من قبل الحضارة الإسلامية، ومن ما دعاه مشاكل الشرق الأوسط، التي هي عنده ما كانت إلا بسبب من بلوى التشدد، أو لكونه غدا بيئة خصبة للإرهاب، والتي هي بدورها، أي المشاكل، تعزز كليهما، وإنما ينطق انسجاماً منه مع ارتفاع محموم هذه الأيام في منسوب الأيدلوجيا التي درجت الإدارة الأمريكية على ضخها في خطابها عادةً، وذلك على وقع تسارع دقات ساعة اقتراب تقديم الجنرال وليام بتراوس القائد الأعلى لجيش الاحتلال الأمريكي في العراق والسفير إيان كروكر في بغداد، تقريرهما المهم المنتظر، هذا الذي لا تفصلنا عنه إلا أياماً معدودات. لعل هذا ما لمسناه ونلمسه هذه الأيام في كل ما يبدر عن مسؤولي الإدارة والمتحدثين باسمها، وفيما يتعلق منه بهذه المنطقة من العالم، أو سياسات الإدارة الأمريكية حيالها، لاسيما فيما يطلقه بوش نفسه من التصريحات ذات العلاقة.

كان هذا واضحاً، مثلاً، في خطابه مؤخراً أمام جمعية "أهلية" أمريكية موصوفة بالتشدد، ويعتبرها البعض من أكثر هذه الجمعيات تطرفاً، مثل "جمعية المحاربين القدماء"، حيث قال:

"إننا نحارب من أجل أن نمكن الرجال والنساء المحترمين في الشرق الأوسط من تحديد مصيرهم، والنهوض بمجتمعاتهم على أساس الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. طالما أنني قائد للقوات المسلحة فإننا سنواصل القتال حتى النصر، وأنا على ثقة من أننا سنفوز، لأننا نمتلك أعظم قوة لتحرير الإنسانية عرفها العالم"!

بوش هنا يستل من جعبته جملة من شعارات نظرية درج، أو درج الأمريكان، على وصفها بالقيم الأمريكية، لكي يوظفها، وبغض النظر عن تهافت مصداقيتها، لابتزاز معارضي جموحه الأيدلوجي من الأمريكان، أو منتقدي إخفاقاته التي تتراكم طيلة مواصلته لحروبه الاستباقية ضد عدوه الكوني اللامرئي المسمى بالإرهاب الذي يطارده في أربع جهات الكون.

لكنه هنا، وقبل أسبوعين فقط من موعد تقديمه، يستهدف بشكل رئيس محاولة التأثير على تقرير بتراوس - كروكر أو توجيهه سلفاً، بما يخدم، أو على الأقل، لا يلحق ضرراً باستراتيجياته المعبرة عن ذلك الجموح، لاسيما و الشارع الأمريكي يشهد مع الأيام، ومع تزايد كلفة حروبه الكونية المادية والبشرية والمعنوية، تزايداً في تبني مطلباً في سبيله لأن يغدو شعبياً يدعو للانسحاب من العراق.

بوش الذي لا يزال يتحدث عن "تقدم" في العراق، وبالتالي تردد هذا إدارته، يعزفان للأمريكان، دونما إلقاء ذات بال لمن يسمعهما خارج الولايات المتحدة، سواء هنا بالمنطقة أو العالم، أو هذين اللذين يدركان زيف ما يقوله الرئيس والإدارة ويستهجنان استخفافهما بعقل من يسمعهما، بحيث لا يكادا يصدقان ما يسمعاه، على وتر بال، مثل التحذير من "تحولات خطيرة ستصيب المنطقة بشكل قد يعرض العالم المتحضر للخطر" إذا ما انسحبت جيوش الاحتلال من العراق. وعليه، لابد والحالة هذه، بل هو من واجب بلاده، باعتبارها قاضي العالم المقتدرة على تقرير مصيره، من تحمل مسؤولياتها الكونية. بلغة أخرى، يرى أن لا مناص من تذكير مواطنيه بأنه لابد له، ومن موقع مسؤوليته الأخلاقية، من أن يقرر باسمهم، ما أعلنه، وهو "سوف نواجه هذا الخطر قبل فوات الأوان"!

هنا نحن لسنا في حاجة لأن نسأله عن ما هو مصدر هذا الخطر عنده، وقد درج على توصيفه دائماً، وكرر الناطقون باسم إدارته ذلك، إنه يتمثل عنده فيما يدعوه الراديكالية الإسلامية العنيفة، هذه التي قال مؤخراًُ أن لها "وتران: سني متطرف يتجسد في القاعدة، وشيعي متطرف يتمثل في الحكومة الإيرانية"!

وإذا ما عدنا لتوصيفات خليل زاد فإن في هذين الوترين يمكن اختصار مجمل الأخطار التي تعنيها الحضارة الإسلامية التي تتهدد راهناً العالم الحر!

وعليه، فقد أخبر الرئيس جورج بوش الابن شعبه بأن "الطريقة الأهم الأكثر مباشرة للرد على طموحات القاعدة وإيران وغيرهما من قوى عدم الاستقرار والإرهاب، تكمن في الفوز بالحرب في العراق"!

هنا، لا يهم، جرياً على طريقة الإدارة في مخاطبة الشعب الأمريكي المطمئنة إلى تصديقه لها وإن كذبها كل العالم، من أن يؤكد الرئيس الأمريكي أن "إيران ترسل أسلحة إلى طالبان في أفغانستان بحيث تستخدم في الهجوم على القوات الأمريكية والأطلسية"، في حين أن القاصي والداني يعلم أن منسوب العداء بين المرسل المزعوم للأسلحة و هذا المرسل إليه ربما هو أكثر بكثير منه بين الولايات المتحدة وهذين الطرفين العدوين بالنسبة لها!

مشكلة الرئيس الأمريكي، الذي تقترب المدة المتبقية من ولايته الثانية إلى أفول، وما يعمق مأزق إدارة المحافظين الجدد التي يتساقط رموزها الواحد تلو الآخر حتى قبل أوان رحيله عن البيت الأبيض، أن هناك تقريراً سيصدره "مكتب محاسبة الحكومة" في الكونغرس، سوف يسبق تقديمه موعد تقرير بتراوس-كروكر بأسبوع واحد، وصفته صحيفة "الواشنطن بوست" بأنه "سلبي بدرجة مذهلة"، يقول بأن إستراتيجية غزو العراق لم تحقق سوى ثلاثة أهداف من بين ثمانية عشر هدفاً كانت لها... كان تقرير سابق للبيت الأبيض، يقول، أنه حقق ثمانية أهداف من هذه الثمانية عشرة!!!

ومع ذلك، الرئيس المؤمن بحتمية النصر، يوالي مقاربة ذات المنطق ويرفع ذات الشعارات، وحيث هو لا يطالب أحداً بتصديقه في العالم أو هو قد لا يعنيه عدم ذلك، يوجه ما في جعبته بإصرار لا يصدق للأمريكان لكي يواصلوا تصديقه، دون مجرد الالتفات المفترض إلى تضاؤل شعبيته وتزايد المعارضة الأمريكية لسياساته الموسومة أمريكياً بالحماقة وحروبه الكونية المدمرة التي أرعبت العالم.

هو، لا يحارب إلا من أجل تمكين "الرجال والنساء المحترمين في الشرق الأوسط" من تقرير مصيرهم... إذاً هو محارب في مهمة خيرية ليست إلا من اجل أن تتمكن الشعوب من تقرير مصيرها لا أكثر ولا أقل. و هو يقاتل انتصاراً لهؤلاء المحترمين من أجل "النهوض بمجتمعاتهم"، أي أنه لم يأتي إلى بلادنا إلا من أجل إطلاق رياح النهضة العربية والإسلامية التي طال ركودها. وكل ذلك على أساس ومن أجل سواد عيون الحرية، التي لا تعني أبداً عنده نهاية الغزو وجلاء المحتلين، وابتغاء بسط العدالة التي تتجلى في أبهى صورها في فلسطين المغتصبة، وصون الكرامة البشرية التي تجلت في أبهى وأشهر رموزها الأمريكية "أبو غريب" الذي اتسع ليشمل راهناً العراق بأسره، ولازالت تتجلى كونياً في "غوانتانامو" كشاهد على مثل هذا النوع من الكرامة التي تفقأ أعين الإنسانية بأسرها.

وهو لن ينسحب من العراق ويصر على ما يدعوه الانتصار هناك، لا لشيء إلا تفادياً للمذابح الطائفية التي قد تعقب هذا الانسحاب. وكأنما هي ليست دائرة اليوم وعلى مدار الساعة، وكأنما ليس الاحتلال وحده هو المسؤول عن إدارتها ورعايتها!

والمهم أنه يباهي بأنه يمتلك القوة الأعظم التي بوساطة ترسانتها الهائجة المنفلتة سوف يحرر العالم على طريقته!

... وأخيراً، إنها تقريباً ذات الذرائع المتسلحة بذات "القيم الأمريكية" المزعومة، والحجج المتلطية وراء ذات التبريرات الزائفة، التي ذهبوا تحت يافطاتها ليغوصوا ذات يوم في مستنقع الدم الفيتنامي، مع فارق:

أن نيكسون الفيتنامي استخدمها أكثر للتستر على الهزيمة الماحقة التي تعيش بلاده تداعياتها أو عُقدها حتى اليوم، أما بوش العراقي فيرفعها لمواصلة الحرب بزعم تفادي تكرار ذات الهزيمة!

نيكسون كان يدّعي واجب محاولة منع عملية ابتلاع العالم من قبل دواهي الشيوعية المتوحشة، و زلماي خليل زاد، وبالنيابة عن رئيسه بوش، يزعم ضرورة تحمل مسؤولية الحؤول دون ابتلاعه من قبل غوائل "الحضارة الإسلامية" الداهمة!!!