بعد أربعة أعوام ونيف من الاحتلال، بدأت القوات البريطانية الانسحاب الشامل من جنوب العراق، عندما اخلت مدينة البصرة مساء امس، الى قاعدة عسكرية خارجها، وسط حملة إعلامية بريطانية ضد الاداء الاميركي في العراق، تولاها جنرالات متقاعدون شغلوا مناصب قيادية إبان غزو العراق وبعده.
تزامن الانسحاب البريطاني مع توقع سفير واشنطن في بغداد رايان كروكر ألا تتحقق المصالحة الوطنية قبل سنة أو سنتين، قائلاً إن «التوصل إلى حلول سياسية في نظام ديموقراطي مفتوح عملية أصعب بكثير من عملية فرض الامن، وهي تحتاج الى وقت... ان الوصول الى نتائج ليس متوقعا في سنة او سنتين».
وشهد العراقيون انسحاب 500 جندي بريطاني من قاعدة في أحد قصور صدام السابقة وسط البصرة، حيث تتمركز قوات الاحتلال البريطانية، الى المطار الذي يبعد 25 كيلومترا عن المدينة. وهو ما نقلته رويترز عن مصدر في وزارة الدفاع البريطانية، أوضح أن الانسحاب هو خطوة في اتجاه تسليم الملف الامني في محافظة البصرة إلى السلطات العراقية، وتمهيداً لنقلهم إلى بريطانيا في إطار خطة الانسحاب البريطاني الشامل من العراق.
وأعلنت وزارة الدفاع البريطانية، في بيان، أن «تسليم قصر البصرة الى السلطات العراقية هو رغبتنا منذ فترة طويلة، كما أعلنا ذلك صراحة في مناسبات عديدة. ونتوقع أن يتم هذا التسليم في الأيام المقبلة» مضيفة أن «قوات الأمن العراقية تريد تسلم كامل المسؤولية عن الأمن، وتسليم قصر البصرة هو خطوة نحو هذا الهدف».
وكانت صحيفة «التايمز» البريطانية كشفت عن خطوة الانسحاب، قبل ساعات من بدئها، مشيرةً إلى أن القوات البريطانية ستسلم البصرة إلى القوات العراقية بحلول الشهر المقبل، بعد إتمام عملية سحب جنودها الـ5500 من البصرة ونقلهم إلى وطنهم تباعاً.
وتزامن الانسحاب مع اتهام الجنرال البريطاني الذي تولى عمليات ما بعد غزو العراق، تيم كروز، الولايات المتحدة بارتكاب «أخطاء قاتلة» في العراق. أضاف كروز لصحيفة «صنداي ميرور» البريطانية أمس، أنه كان أعرب لوزير الدفاع الاميركي آنذاك دونالد رامسفيلد عن مخاوفه من ضعف الخطط الاميركية لما بعد الحرب، لكن رامسفيلد تجاهل جميع التحذيرات.
بدوره، وصف قائد الجيش البريطاني خلال الغزو، السير مايك جاكسون، رامسفيلد بانه «مفلس فكريا». أضاف جاكسون، في سيرة ذاتية بعنوان «سولدجر» (جندي) نشرت صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية مقتطفات منها أمس الاول، أن رامسفيلد «يتحمل أكبر قدر من المسؤولية عن الوضع الحالي في العراق».
وترافق بدء الانسحاب البريطاني، الذي تنظر إليه الولايات المتحدة بعين الانتقاد واللوم، مع تقرير أميركي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، ويشير إلى أن الرئيس الاميركي جورج بوش وافق على الإسراع في برنامج جديد لزيادة المساعدات الاقتصادية المباشرة لمنطقة الانبار، حيث انضم «المتمردون» العراقيون السابقون إلى القوات الأميركية في حربها ضد تنظيم «القاعدة» وحلفائه.
أضافت الصحيفة أن هذه الخطوة، التي تعززت خلال الأشهر الأخيرة، تأتي بعد مناقشات مطولة خلال الاجتماع الذي عقده بوش في البنتاغون مع نائبه ديك تشيني وقادة الاركان المشتركة وكبار القادة الاميركيين في العراق، قبل أيام. وناقش هؤلاء سبل الضغط على حكومة المالكي لتخصص ملايين الدولارات، أغلبها من عوائد النفط، لاعادة بناء مدارس الانبار والمراكز الصحية وإعادة فتح المصانع التي تمتلكها الدولة في الانبار.
فساد عراقي
بثت الاذاعة العامة الاميركية، أمس، تقريراً رسمياً يؤكد أن الحكومة العراقية ينخرها الفساد، وخاصة في وزارة الداخلية وبين ضباط الامن. وأوضح التقرير ان حكومة نوري المالكي جمدت اموالا مخصصة لمفوضية النزاهة العامة التابعة لمجلس الوزراء، والمكلفة مكافحة الفساد، وان مكتب المالكي تدخل احيانا لاغلاق تحقيقات فتحت بحق سياسيين متحالفين مع الحكومة.
وأوصى التقرير، الذي يستند إلى وثيقة غير منشورة في السفارة الاميركية في بغداد، بان تقدم وزارة الخارجية الاميركية مزيدا من الدعم المادي والبشري لمفوضية النزاهة العامة، مع ضرورة السماح للمحققين بحمل الاسلحة وتوفير الحماية لعائلاتهم.
من جهة أخرى، أعلنت «هيئة علماء المسلمين»، أمس، أنها «لم تقم حتى الآن بأي حوار مع الولايات المتحدة، لكنها لا تمانع فكرة إجراء الحوار في الوقت الذي تبدي فيه الإدارة الأميركية رغبتها الصريحة في الخروج من العراق، ووضع جدول زمني واضح وملزم».
وفي تداعيات أحداث كربلاء، أمر المالكي بتشكيل لجنة تحقيق في أحداث كربلاء التي راح ضحيتها 52 قتيلاً ومئات الجرحى خلال الشهر الماضي. وذلك بعدما طالب الزعيم مقتدى الصدر، في بيان من النجف، بإجراء تحقيق «عادل وحيادي» في الحادث، تحت طائلة اتخاذه قرارات «خارج التوقع» لم يحددها. واتهم التيار القوات الامنية الحكومية بقتل 150 من عناصر «جيش المهدي» التابع له، واعتقال 200 آخرين بعد أحداث «فتنة كربلاء».