انهيار "فتح الإسلام" هو بداية لواقع إقليمي خاص، فمنذ بداية المعارك في نهر البارد كانت "فتح الإسلام" قضية "جوالة" لا علاقة لها بزمن أو مكان معينين، فهي مناسبة لفتح الملفات السياسية بكاملها، وتبادل الاتهامات، وحتى عندما أعلن العماد ميشيل سليمان أنها تنظيم له علاقات بالقاعدة وليس بسورية، فإن الوزير أحمد فتفت وجه في أوج انتصار الجيش اللبناني الاتهام إلى سورية متخوف من هروب شاكر العبسي إليها، ورغم أن الأخير قتل حسب الرواية الرسمية، لكن قضية "تجوال" فتح الإسلام تبقى مفتوحة طالما أنها اكتسبتت سمة أبعد من جغرافيتها.

البداية لم تكن فقط بتوجيه أصابع الاتهام إلى سورية، بل أيضا بإدراجها على اللائحة الأمريكية للإرهاب، ثم وضع "المقاتلين الأجانب" في دائرتها، واكتسبت بالتالي سمة الانتقال والتنقل، في وقت كان بالإمكان إعلاميا على الأقل حصرها في إطار "260" مقاتل حسب بعض الروايات، أو اعتبارها ضمن الخلايا المتبقية من تنظيم "الضنية" دون الغوص في حسابات دولية وإقليمية، لكن على ما يبدو أن أسئلة "الإرهاب" المفتوحة تشكل غاية بذاتها، فبنفس الطريقة التي "حُاربت" فيها القاعدة في أفغانستان تم التعامل مع "فتح الإسلام" بحيث:

 دمر التنظيم ومعه المخيم، لكن تاريخ هذا التنظيم بقي موجودا وشاهدا على حالة مغلفة بالأسئلة، ومحاطة بـ"هالة استخباراتية"، وهو بالضبط ما حصل مع "القاعدة" التي على ما يبدو بقيت اسما عائما للكثير من حالات العنف المنتشرة في العالم، دون أن نصل إلى إجابات كافية حول طبيعتها وانتشارها.

 هوية التنظيم الإسلامية تخلق حالة عائمة، فالحديث عن المقاتلين الأجانب يوحي على الأقل بأن "فتح الإسلام" ومن قبله القاعدة يتجول في مجتمعات الشرق الأوسط، في وقت لا نستطيع تحديد نسبة هؤلاء "الأجانب"، وما نراه من وجود فيزيائي لا يوحي إلا بوجود تنظيم له علاقة بالمنطقة جغرافيا، فالحرب على القاعدة أبقت "طالبان"، وهي في نفس الوقت لم تقدم في العراق أي شاهد على وجود أجانب بينما تتناثر جثث الضحايا من العراقيين كل يوم نتيجة العنف والمعارك ضد القاعدة.

معركة نهر البارد حسمت بالكامل وفق المعطيات العسكرية لكنها أبقت قضية "تجوال" هذا التنظيم" دون إجابة واضحة، وربما فتحت أسئلة جديدة حول توقيت اندلاع المعارك وانتهائها، وحول "الفكر المتطرف"، وهو الأهم هنا، وموقعه اليوم داخل الشرق الأوسط... لكن النهاية لشاكر العبسي ربما لا تخفف العنف في الشرق الأوسط لأن المسألة أعقد من ظهور خلايا متفرقة، فهي متعلقة أساسا بعدد من الافتراضات داخل "الحرب ضد الإرهاب".